آيات من القرآن الكريم

وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ
ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ

وَأَمَّا السُّكْنَى فَوَجَبَتْ لِتَحْصِينِ النِّسَاءِ وَهُوَ مَوْجُودٌ هاهنا فَافْتَرَقَا.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: الْقَائِلُونَ بِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ لَا بُدَّ وَأَنْ يَخْتَلِفَ قَوْلُهُمْ بِسَبَبِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تُوجِبُ النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى، أَمَّا وُجُوبُ النَّفَقَةِ فَقَدْ صَارَ مَنْسُوخًا، وَأَمَّا وُجُوبُ السُّكْنَى فَهَلْ صَارَ مَنْسُوخًا أَمْ لَا؟ وَالْكَلَامُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: الْقَائِلُونَ بِأَنَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ كَانَتْ وَاجِبَةً أَوْرَدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ سُؤَالًا فَقَالُوا: اللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ الْوَفَاةَ، ثُمَّ أَمَرَ بِالْوَصِيَّةِ، فَكَيْفَ يُوصِي الْمُتَوَفَّى؟ وَأَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّ الْمَعْنَى: وَالَّذِينَ يُقَارِبُونَ الْوَفَاةَ يَنْبَغِي أَنَّ يَفْعَلُوا هَذَا فَالْوَفَاةُ عِبَارَةٌ عَنِ الْإِشْرَافِ عَلَيْهَا وَجَوَابٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُضَافَةً إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَعْنَى أَمْرِهِ وَتَكْلِيفِهِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَصِيَّةٌ مِنَ اللَّهِ لِأَزْوَاجِهِمْ، كَقَوْلِهِ: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [النِّسَاءِ: ١١] وَإِنَّمَا يَحْسُنُ هَذَا الْمَعْنَى عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِالرَّفْعِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فَالْمَعْنَى: لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ يَا أَوْلِيَاءَ الْمَيِّتِ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنَ التَّزَيُّنِ، وَمِنَ الْإِقْدَامِ عَلَى النِّكَاحِ، وَفِي رَفْعِ الْجُنَاحِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: لَا جُنَاحَ فِي قَطْعِ النَّفَقَةِ عَنْهُنَّ إِذَا خَرَجْنَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ وَالثَّانِي: لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي تَرْكِ مَنْعِهِنَّ مِنَ الْخُرُوجِ، لِأَنَّ مُقَامَهَا حَوْلًا فِي بَيْتِ زَوْجِهَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عليها.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٤١ الى ٢٤٢]
وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (٢٤١) كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢٤٢)
الحكم الثامن عشر في المطلقات
يُرْوَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّمَا نَزَلَتْ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَنْزَلَ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَمَتِّعُوهُنَّ إِلَى قَوْلِهِ: حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ [الْبَقَرَةِ: ٢٣٦] قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: إِنْ أَرَدْتُ فَعَلْتُ، وَإِنْ لَمْ أُرِدْ لَمْ أَفْعَلْ، فَقَالَ تَعَالَى:
وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ يَعْنِي عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ مُتَّقِيًا عَنِ الْكُفْرِ، وَاعْلَمْ أن المراد من المتاع هاهنا فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ هُوَ الْمُتْعَةُ، فَظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ يَقْتَضِي وُجُوبَ هَذِهِ الْمُتْعَةِ لِكُلِّ الْمُطَلَّقَاتِ، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ تَمَسَّكَ بِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَأَوْجَبَ الْمُتْعَةَ لِجَمِيعِ الْمُطَلَّقَاتِ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَالزُّهْرِيِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ إِلَّا الْمُطَلَّقَةَ الَّتِي فُرِضَ لَهَا مَهْرٌ وَلَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّهَا الْمَسِيسُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ [الْبَقَرَةِ: ٢٣٦].
فَإِنْ قِيلَ: لم أعيد هاهنا ذِكْرُ الْمُتْعَةِ مَعَ أَنَّ ذِكْرَهَا قَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ.
قُلْنَا: هُنَاكَ ذَكَرَ حُكْمًا خَاصًّا، وهاهنا ذَكَرَ حُكْمًا عَامًّا.

صفحة رقم 494
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية