آيات من القرآن الكريم

وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ
ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ

أي والذين يقربون من الوفاة من رجالكم ويتركون أزواجا، عليهم أن يوصوا وصية لزوجاتهم في أموالهم بثلاثة أشياء: النفقة، والكسوة، والسكنى، إلى تمام الحول من موتهم غير مخرجات من مسكنهن.
من التزين ومن الإقدام على النكاح.
أو المعنى لا جناح عليكم في ترك منعهن من الخروج، لأن مقامها حولا في بيت زوجها ليس بواجب عليها في الذي فعلن في أنفسهن من معروف من تزين وتشوف للتزويج وَاللَّهُ عَزِيزٌ أي غالب على أمره يعاقب من خالفه حَكِيمٌ (٢٤٠) يراعي في أحكامه مصالح عباده واختيار جمهور من المفسرين أن هذه الآية منسوخة، قالوا: كان الحكم في ابتداء الإسلام أنه إذا مات الرجل لم يكن لامرأته من ميراثه شيء إلا النفقة والسكنى سنة، ولكنها كانت مخيرة بين أن تعتد في بيت الزوج وأن تخرج منه قبل الحول، لكن متى خرجت نفقتها فهذه الوصية صارت مفسرة بالنفقة والكسوة والسكنى إلى الحول، فثبت أن هذه الآية توجب أمرين: النفقة والسكنى من مال الزوج سنة والاعتداد سنة، لأن وجوب السكنى والنفقة من مال الميت سنّة توجب المنع من التزويج بزوج آخر في هذه السنة، ثم إن الله تعالى نسخ هذين الحكمين وقد دل القرآن على ثبوت الميراث لها بتعيين الرابع أو الثمن، ودلت السنّة على أنه «لا وصية لوارث» فصار مجموع القرآن والسنّة ناسخا للوصية للزوجة بالنفقة والسكنى في الحول، ووجوب العدة في الحول منسوخ بقوله تعالى: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً [البقرة: ٢٣٤].
وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ أي متعة بِالْمَعْرُوفِ أي بقدر حال الزوجين وما يليق بهما حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (٢٤١) قال الشافعي رحمه الله: لكل مطلقة متعة، إلا المطلقة التي فرض لها مهر ولم يوجد في حقها المسيس. روي أنه لما نزل قوله تعالى: وَمَتِّعُوهُنَّ إلى قوله تعالى: حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ قال رجل من المسلمين: إن أردت فعلت، وإن لم أرد لم أفعل. فقال تعالى: وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ أي على كل من كان متقيا عن الكفر كَذلِكَ أي مثل ذلك البيان الواضح يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ هذا وعد من الله تعالى بأنه سيبين لعباده من الأحكام ما يحتاجون إليه معاشا ومعادا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢٤٢) أي لكي تفهموا ما فيها وتعلموا بموجبها ثم ذكر خبر غزاة بني إسرائيل فقال: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ

صفحة رقم 86

مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ أي لم يصل علمك إلى الذين خرجوا من منازلهم لقتال عدوهم وهم ثمانية آلاف أو أربعون ألفا- كل ذلك عن ابن عباس على اختلاف الرواة- فجبنوا عن القتال مخافة القتل فأماتهم الله مكانهم ثم أحياهم بعد ثمانية أيام.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن ملكا من ملوك بني إسرائيل أمر عسكره بالقتال فخافوا القتال وقالوا لملكهم: إن الأرض التي تذهب إليها فيها الوباء فنحن لا نذهب إليها حتى يزول ذلك الوباء، فأماتهم الله تعالى بأسرهم وبقوا ثمانية أيام حتى انتفخوا وبلغ بني إسرائيل موتهم فخرجوا لدفنهم، فعجزوا من كثرتهم فحظروا عليهم حظائر، فأحياهم الله بعد الثمانية، وبقي فيهم شيء من ذلك النتن وبقي ذلك في أولادهم إلى هذا اليوم إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ أي على أولئك القوم بسبب أنه أحياهم ومكّنهم من التوبة وعلى العرب الذين أنكروا المعاد الذين تمسكوا بقول اليهود في كثير من الأمور فيرجعون من الإنكار إلى الإقرار بالبعث بسبب إخبار اليهود لهم بهذه الواقعة. وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٢٤٣) فضله تعالى كما ينبغي أما الكفار فلم يشكروا وأما المؤمنون فلم يبلغوا غاية شكره. وهذه القصة تدل على أن الحذر من الموت لا يفيد، فهذه القصة تشجع الإنسان على الإقدام على طاعة الله تعالى كيف كان وتزيل عن قلبه الخوف من الموت، فكان ذكر هذه القصة فضلا وإحسانا من الله تعالى على عبيده لأن ذكر هذه القصة سبب لبعد العبد عن المعصية وقربه من الطاعة. ثم قال الله لهم بعد ما أحياهم:
وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي في طاعة الله مع عدوكم وسميت العبادات سبيلا إلى الله تعالى من حيث إن الإنسان يسلكها ويتوصل إلى الله بها، ومعلوم أن الجهاد تقوية للدين فكان طاعة فلا شك أن المجاهد مقاتل في سبيل الله. وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لكلامكم في ترغيب الغير في الجهاد وفي تنفير الغير عنه عَلِيمٌ (٢٤٤) بما في صدوركم من البواعث والأغراض وأن ذلك الجهاد لغرض الدين أو لغرض الدنيا مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً.
قرأ أبو عمرو ونافع وحمزة والكسائي «فيضاعفه» بالألف والرفع. وقرأ عاصم «فيضاعفه» بالألف والنصب. وقرأ ابن كثير «فيضعفه» بالتشديد والرفع بلا ألف. وقرأ ابن عامر «فيضعفه» بالتشديد والنصب. والمعنى من ذا الذي يعامل الله بإنفاق ماله في طاعته سواء كان الإنفاق واجبا أو متطوعا به معاملة جامعة للحلال الذي لا يختلط بالحرام للخالص من المن والأذى، ولنية التقرب إلى الله تعالى لا لرياء وسمعة فيضاعف الله جزاءه له في الدنيا والآخرة أضعافا كثيرة لا يعلمها إلا الله تعالى. وقد
روي عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «من لم يكن عنده ما يتصدق به فليلعن اليهود فإنه له صدقة»
. ويروى أنه لما نزلت هذه الآية قالت اليهود: إن الله فقير ونحن أغنياء فهو يطلب منا القرض وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ أي يقبض الرزق عمن يشاء ولو أمسكه عن الإنفاق ويبسطه على من يشاء ولو أنفق منه كثيرا، أو المعنى والله يفيض بعض القلوب حتى لا تقدم على هذه الطاعة

صفحة رقم 87

ويبسط بعضها حتى يقدم على هذه الطاعة وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٤٥) فلا مدبر ولا حاكم سواه.
قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في شأن أبي الدحداح- رجل من الأنصار- قال: يا رسول الله إن لي حديقتين، فإن تصدقت بإحداهما فهل لي مثلاها في الجنة؟ قال: «نعم» وأم الدحداح معي؟ قال: «نعم». قال والصبية معي؟ قال: «نعم». فتصدق بأفضل حديقتيه وكانت تسمى الجنينية فرجع أبو الدحداح إلى أهله وكانوا في الحديقة التي تصدق بها، فقام على باب الحديقة وذكر ذلك لامرأته أم الدحداح: بارك الله لك في ما اشتريت. فخرجوا منها وسلموها فكان صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كم من نخلة رداح تدلي عروقها في الجنة لأبي الدحداح»
«١». أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً أي ألم تخبر يا أشرف الخلق عن قصة الرؤساء من بني إسرائيل من بعد وفاة موسى حين قالوا لنبيهم شمويل كما قاله وهب بن منبه أو سمعون، أو يوشع بن نون كما قاله قتادة، أو حزقيل كما حكاه الكرماني أو أسماويل بن حلفا- واسم أمه حسنة- كما قاله مجاهد. وسبب سؤال بني إسرائيل نبيهم ذلك أنه لما مات موسى وعظمت الخطايا، سلط الله عليهم قوم جالوت، وكانوا يسكنون ساحل بحر الروم بين مصر وفلسطين وغلبوا على كثير من أرضهم، وسبوا كثيرا من ذراريهم وأسروا من أبناء ملوكهم أربعمائة وأربعين غلاما وضربوا عليهم الجزية وأخذوا توراتهم ولم يكن لهم حينئذ نبي يدبر أمرهم، وكان سبط النبوة قد هلكوا فلم يبق منهم إلا امرأة حبلى فحبسوها في بيت، فولدت غلاما فلما كبر كفله شيخ من علمائهم في بيت المقدس، فلما بلغ الغلام أتاه جبريل فقال له: اذهب إلى قومك فبلغهم رسالة ربك فإن الله قد بعثك فيهم نبيا، فلما أتاهم كذبوه وقالوا: استعجلت بالنبوة فإن كنت صادقا فبيّن لنا ملك الجيش نُقاتِلْ بأمره عدونا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي في طاعة الله وإنما كان صلاح أمر بني إسرائيل بالاجتماع على الملوك وبطاعة الملوك أنبياءهم فكان الملك هو الذي يسير بالجموع، والنبي هو الذي يقيم أمره ويشير عليه برشده. قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا أي قال نبيهم: هل قاربتم أن لا تقاتلوا عدوكم إن فرض عليكم القتال مع ذلك الملك قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا أي أيّ شيء ثبت لنا في ترك القتال الذي في طاعة الله، والحال أنه قد أبعد بعضنا من المنازل والأولاد والقائلون لنبيهم بما ذكر كانوا في ديارهم فسأل الله تعالى ذلك النبي فأوجب عليهم القتال وعين لهم ملكا ليقاتل بهم فَلَمَّا كُتِبَ أي أوجب عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا أي أعرضوا عن قتال عدوهم لما شاهدوا كثرة العدو وشوكته إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ثلاثمائة وثلاثة

(١) رواه أحمد في (م ٥/ ص ٩٥)، والهيثمي في مجمع الزوائد (٩: ٣٢٤)، والطبراني في المعجم الكبير (٢: ٢٤٢).

صفحة رقم 88

عشر على عدد أهل بدر وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٢٤٦) أي هو عالم بمن ظلم نفسه حين خالف ربه ولم يف بما قبل من ربه وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ أي لأجل سؤالكم طالُوتَ مَلِكاً أي لما سأل الله تعالى أن يبين لهم ملكا أرسل الله له عصا وقرنا فيه دهن القدس وقيل له: إن صاحبك الذي يكون ملكا هو من يكون طوله طول هذه العصا، وانظر إلى القرن الذي فيه الدهن فإذا دخل عليك رجل فانتشر الدهن في القرن فهو ملك بني إسرائيل فادهن رأسه بالدهن وملّكه عليهم واسمه طالوت.
فدخل عليه رجل فانتشر الدهن في القرن فقام شمويل فقاسه بالعصا فكان على طولها وقال له: قرّب رأسك، فقربه فدهنه النبي بدهن القدس وقال له:
«أنت ملك بني إسرائيل الذي أمرني الله أن أملكك عليهم». فقال طالوت: أما علمت أن سبطي أدنى من سبط ملوك بني إسرائيل؟ قال: بلى. فقال شمويل الله يؤتي ملكه من يشاء كما قال الله تعالى: قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ أي قالوا: من أين يكون له الملك علينا والحال نحن أولى بالملك منه، وليس له سعة المال لينفق على الجيش؟. وإنما قالوا ذلك لأنه كان في بني إسرائيل سبطان: سبط نبوة وسبط مملكة. فكان سبط النبوة سبط لاوى بن يعقوب ومنه موسى وهارون عليهما السلام. وسبط المملكة سبط يهوذا بن يعقوب ومنه داود وسليمان عليهما السلام. ولم يكن طالوت من أحدهما وإنما كان من سبط بنيامين بن يعقوب، فلما قال لهم نبيهم ذلك أنكروا وقالوا: هو دبّاغ، أو راع، أو سقّاء يستقي الماء على حمار له وإنما نزع الملك والنبوة منهم لأنهم عملوا ذنبا عظيما كانوا ينكحون النساء على ظهر الطريق جهارا فغضب الله عليهم بنزع ذلك منهم وكانوا يسمون سبط الإثم.
قالَ أي نبيهم إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ أي اختاره بالملك عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً أي سعة فِي الْعِلْمِ أي علم الحرب وعلم الديانات حتى قيل: إنه نبي أوحي إليه وَالْجِسْمِ بالقوة على مبارزة العدو، وبالجمال وبطول القامة فإنه أطول من غيره برأسه ومنكبيه فكان أعلم بني إسرائيل يومئذ وأجملهم وأتمهم خلقا وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ في الدنيا وَاللَّهُ واسِعٌ بالعطية عَلِيمٌ (٢٤٧) بمن يليق بالملك وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ لما قالوا: ليس ملكه من الله بل أنت ملّكته علينا: إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أي إن علامة صحة ملكه من الله أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ أي الصندوق الذي أخذ منكم وهو صندوق التوراة وكانوا يعرفونه، وكان قد رفعه الله تعالى بعد وفاة موسى عليه السلام لسخطه على بني إسرائيل لما عصوا وفسدوا، فلما طلب القوم من نبيهم آية تدل على ملك طالوت قال نبي ذلك القوم: إن آية ملك طالوت أن يأتيكم التابوت من السماء إلى الأرض والملائكة يحفظونه فأتاهم والقوم ينظرون إليه حتى نزل عند طالوت. فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ أي كان في التابوت بشارات من كتب الله تعالى المنزلة على موسى وهارون ومن بعدهما من الأنبياء عليهم السلام بأن الله ينصر طالوت وجنوده ويزيل عنهم الخوف من العدو

صفحة رقم 89

وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ وهي رضاض الألواح وعصا موسى وثيابه ونعلاه وشيء من التوراة ورداء هارون وعمامته تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ أي تسوقه الملائكة إليكم إِنَّ فِي ذلِكَ أي في رد التابوت إليكم لَآيَةً لَكُمْ أي علامة لكم دالة على أن ملكه من الله إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٤٨) أي مصدقين بتمليكه عليكم. أو المعنى أن في هذه الآية من نقل القصة معجزة باهرة دالة على نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم حيث أخبر بهذه التفاصيل من غير سماع من البشر إن كنتم ممن يؤمن بدلالة المعجزة على صدق مدعي النبوة والرسالة. فلما رد عليهم التابوت قبلوا وخرجوا معه وهم ثمانون ألفا من الشبان الفارغين من جميع الأشغال فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ أي خرج من بيت المقدس بِالْجُنُودِ أي بالجيش التي اختارها وكان الوقت قيظا وسلك بهم في أرض قفرة فأصابهم حر وعطش شديد فطلبوا منه الماء قالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ أي مختبركم بنهر جار ليظهر منكم المطيع والعاصي- وهو بين الأردن وفلسطين- أي والمقصود من هذا الابتلاء أن يميز الصدّيق عن الزنديق والموافق عن المخالف فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ أي من ماء النهر فَلَيْسَ مِنِّي أي من أتباعي المؤمنين فلا يكون مأذونا في هذا القتال وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ أي من لم يذقه فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فإنه مني ويكون أهلا لهذا القتال.
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو «غرفة» بفتح الغين، وكذلك يعقوب وخلف. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي بالضم. فالغرفة بالضم: الشيء القليل الذي يحصل في الكف.
والغرفة بالفتح: الفعل وهو الاغتراف مرة واحدة. فكانت تكفيهم هذه الغرفة لشربهم ودوابهم وحملهم. فَشَرِبُوا مِنْهُ أي فلما وصلوا إلى النهر وقفوا فيه وشربوا منه بالكرع بالفهم كيف شاءوا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا فلم يشربوا إلا قليلا وهو الغرفة.
روي أن من اغترف غرفة كما أمر الله قوي قلبه، وصحّ إيمانه، وعبر النهر سالما، وكفته تلك الغرفة الواحدة لشربه ودوابه وخدمه وحمله مع نفسه، إما لأنه كان مأذونا أي في أخذ ذلك المقدار، وإما لأن الله تعالى يجعل البركة في ذلك الماء حتى يكفي لكل هؤلاء وذلك معجزة لنبي الزمان. وأما الذين شربوا منه وخالفوا أمر الله تعالى فقد اسودت شفاههم وغلبهم العطش فلم يرووا وبقوا على شط النهر وجبنوا عن لقاء العدو. فَلَمَّا جاوَزَهُ أي النهر هُوَ أي طالوت وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وهم أولئك القليل قالُوا أي بعض من معه من المؤمنين لبعض لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ أي بمحاربتهم وكانوا مائة ألف رجل شاكي السلاح قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ أي ملاقو ثواب الله بسبب هذه الطاعة: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ أي كم من جماعة قليلة من المؤمنين غلبت جماعة كثيرة من الكافرين بنصر الله وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٢٤٩) أي معين الصابرين في الحرب بالنصرة يحتمل أن

صفحة رقم 90
مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن عمر نووي الجاوي البنتني إقليما، التناري بلدا
تحقيق
محمد أمين الضناوي
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1417
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية