
النفوس أنه أثبت (١).
٢٣٦ - قوله تعالى: ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ الآية. نزلت في رجل من الأنصار، تزوَّجَ امرأةً من بني حنيفة، ولم يسمِّ لها مهرًا، ثم طلقها قبل أن يَمَسَّها، فأنزل اللهُ هذه الآيةَ، فلما نزلت قال له رسول الله - ﷺ -: "مَتَّعْها ولو بقلنسوتك" (٢).
فإن قيل: ما معنى نفيِ الجناح عن المطلَّق قبل المسيس، ولا جناح على المُطَلِّقِ بعده؟ قيل: ظاهر الآية رفع الحرج عن المطلق قبل المسيس وقبل الفرض، فيحتمل أن يكون معناه: لا سبيل للنساء عليكم إذا طلقتموهن قبل المسيس والفرض بصداق ولا نفقة.
ويحتمل أن يكون معناه: إباحة الطلاق له أي وقت شاء، بخلاف ما لو طلق بعد المسيس فإنه يجب أن يطلق للعدة (٣).
(٢) ذكره مقاتل في "تفسيره" ١/ ٢٠٠، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١١٧٤، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٢٨٣، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٢٧٩، والقرطبي في "تفسيره" ٣/ ٢٠٢، وأبو حيان في "البحر" ٢/ ٢٣٠، وقد ذكره الزيلعي في تخريج أحاديث "الكشاف" ١/ ١٥١، وبيض له، وقال الحافظ كما في "الكشاف" ١/ ٢٨٥: لم أجده، وقال الولي العراقي كما في "الفتح السماوي" ١/ ٢٩٣: لم أقف عليه، وعزاه الحافظ في "العجاب" ١/ ٥٩٦ إلى مجاهد ولم يذكر من خرجه. وقد روى البيهقي ٧/ ٢٥٧، والخطيب في "تاريخ بغداد" ٣/ ٧٢ من حديث جابر - رضي الله عنه - قال: لما طلق حفص بن المغيرة امرأته، قال له رسول الله - ﷺ -: "متعها ولو بصاع"، وليس فيه ذكر لسبب نزول الآية. وينظر تحقيق "تفسير الثعلبي" للمنيع ٢/ ١١٧٤.
(٣) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٧٥ - ١١٧٩، وينظر "تفسير الطبري" ٢/ ٥٣٨ - ٥٣٩، و"تفسير البغوي" ١/ ٢٨٤، و"البحر المحيط" ٢/ ٢٣٢.

وقال أبو إسحاق: أعلم الله عز وجل في هذه الآية أن عقد التزويج بغير مهر جائز، وأنه لا إثم على من طَلَّقَ من تزوج بها بغير مهرٍ (١)، كما أنه لا إثم على من طلق من تزوج بها بمهر (٢) (٣).
وقال صاحب النظم: ما في قوله: ﴿لَمْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ بمعنى الذي على النعت للنساء والترجمة والبيان عنهن، على نظم: إن طلقتم النساء اللاتي لم تمسوهن. و (ما) اسم جامد لا يتصرف، ولا يتبين فيه الإعراب ولا العدد (٤).
واختلف القراء في قوله: ﴿تَمَسُّوهُنَّ﴾ فقرأ حمزة والكسائي من المفاعلة، والباقون من الثلاثي (٥)، لإجماعهم على قوله: ﴿وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ﴾ [آل عمران: ٤٧] ولأن أكثر الألفاظ في هذا المعنى جاء على فَعَلَ دون فاعل، كقوله ﴿لَمْ يَطْمِثْهُنَّ﴾ [الرحمن: ٥٦] كقوله: ﴿فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ﴾ [النساء: ٢٥] (٦).
والنكاح عبارة عن الوطء وإن كان قد وقع على العقد (٧).
فأما ما جاء في الظهار من قوله: ﴿مِّنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ [المجادلة: ٣]، فإنه أراد المماسة التي هي عين (٨) الجماع، وهي حرام في الظهار (٩).
(٢) من قوله: (كما أن) ساقطة من (ش).
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣١٨.
(٤) ينظر: "مغني اللبيب" لابن هشام ١/ ٢٩٦ وما بعدها.
(٥) ينظر: "السبعة" ص ١٨٣ - ١٨٤، "الحجة" ٢/ ٣٣٦، "النشر" ٢/ ٢٢٨.
(٦) نقله عن أبي علي الفارسي في "الحجة" ٢/ ٣٣٦.
(٧) "الحجة" ٢/ ٣٣٧.
(٨) في (ش) و (م) (غير).
(٩) "الحجة" ٢/ ٣٣٧ - ٣٣٨.

ومن قرأ: (تماسوهن) فلأن فَاعَل قد يراد به ما يراد بـ فعل، نحو: طارقتُ النعلَ، وعاقبت اللصَّ، وهو كثير (١).
وقوله تعالى: ﴿أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً﴾. أي. توجبوا لهن صداقًا (٢). ومضى الكلام في معنى الفرض عند قوله: ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ﴾ [البقرة: ١٩٧].
واختلفوا في تقديره، فقال قوم: (أو) هاهنا عطف على محذوف قبله، والتقدير: ما لم تمسوهن ممن فرضتم لهن أو لم تفرضوا لهن، لأن كل منكوحة إنما هي إحدى ثنتين: مفروض لها الصداق، وغير مفروض لها.
وقال قوم: أو هاهنا بمعنى الواو، يريد: ما لم تمسوهن و (٣) لم تفرضوا لهن فريضة، كقوله: ﴿يَزِيدُونَ﴾ [الصافات: ١٤٧] (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَمَتِّعُوهُنَّ﴾ أي: زودوهن وأعطوهن من مالكم (٥) ما يتمتعن به (٦) ومضى الكلام في معنى المتعة والتمتع.
فأما من يستحق المتعة: فالمرأة إذا طلقت قبل تسمية المهر وقبل المسيس، فإنها تستحق المتعة بالإجماع من العلماء، ولا مهر، وإنما تستحق المتعة في مقابلة ما حصل (٧) من العقد عليها (٨). وإن طلقها بعد
(٢) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٧٥، و"تفسير البغوي" ١/ ٢٨٤.
(٣) في (ي) (أوتفرضوا).
(٤) ينظر: "البحر المحيط" ٢/ ٢٣١.
(٥) في (ي) (وأعطوهن ما لكم).
(٦) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٧٩، و"تفسير البغوي" ١/ ٢٨٤.
(٧) في (ي) (حصلت).
(٨) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٥٣٦، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٨٢، "تفسير القرطبي" ٣/ ٢٠٠.

الدخول وقبل الفرض، فلها (١) مهر مثلها والمتعة أيضًا (٢).
وإن لم يدخلْ بها ولم يَفْرِضْ لها حتى مات ففيها قولان:
أحدهما: لها مهر مثلها والميراث، وهو مذهب أهل العراق (٣)، لحديث بِرْوع بنت واشَقْ الأشْجَعِية (٤) حين توفي عنها زوجها، ولم يفرض لها، ولا دخل بها، فقضى رسول الله - ﷺ - بمهر نسائها، لا وَكْسَ ولا شطط، وعليها العِدّة، ولها الميراث (٥).
والقول الثاني: وهو الصحيح: أن لها الميراث، وعليها العدة، ولا مهر لها، ولها المتعة، كما لو طَلَّقها قبل الدخول والتسمية، وهو قول علي (٦) -رضى الله عنه- وكان علي يقول في حديث بِرْوع: لا يقبلُ قولُ
(٢) وقع الخلاف في حكم المتعة، وقد ذكره المؤلف عند الآية رقم (٢٤١) فلينظر.
(٣) ينظر "اختلاف العلماء" للمروزي ص ١٤٢، "مختصر الطحاوي" ص ١٨٤، "المبسوط" ٥/ ٦٢، " المغني" ١٠/ ٤٩.
(٤) بروع بنت واشق الرؤاسية الكلابية، وقيل: الأشجعية، زوج هلال بن مرة، صحابية اشتهرت بقصتها هذه. ينظر "الاستيعاب" ٤/ ٣٥٧، "أسد الغابة" ٥/ ٤٠٨.
(٥) الحديث رواه أبو داود (٢١١٥) كتاب: النكاح، باب: فيمن تزوج ولم يسم صداقا، والنسائي ٦/ ١٢١ كتاب: النكاح، باب: إباحة التزوج بغير طلاق، والترمذي (١١٤٥) كتاب: النكاح، باب: ما جاء في الرجل يتزوج المرأة فيموت عنها قبل أن يفرض لها، وصححه، وابن ماجه (١٨٩١) كتاب: النكاح، باب: الرجل يتزوج ولا يفرض لها فيموت على ذلك، وأحمد ٣/ ٤٨٠، والحاكم ٢/ ١٩٦، وقال: صحيح على شرط مسلم، عن معقل بن سنان الأشجعي، وقال الحافظ في "تلخيص الحبير" ٣/ ١٩١: وصححه ابن مهدي والترمذي وقال ابن حزم: لا مغمز فيه لصحة إسناده.
(٦) رواه عبد الرزاق في "مصنفه" ٦/ ٢٩٣، وسعيد بن منصور في "سنه" ١/ ٢٦٥، وابن أبي شيبة في "المصنف" ٤/ ٣٠١، والبيهقي ٧/ ٢٤٧.

أَعْرَابيٍ بَوَّالٍ على عقبيه على كتاب الله وسنة رسوله - ﷺ - (١).
وقوله تعالى: ﴿عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ﴾ المُوْسِع: الغني الذي يكون في سَعَة من غناه، يقال: أوسعَ الرجل: إذا كَثُرَ مالُه واتَّسَعت حالُه، ويقال: أوسعه كذا، أي: وسعه عليه، ومنه قوله تعالى: ﴿وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ [الذاريات: ٤٧] (٢).
وقوله تعالى: ﴿قَدَرُهُ﴾ أي: قَدْرَ إمكانه وطاقته، فحذف المضاف.
والمقتر: الذي في ضيق من فقره وهو المقل الفقير. وأقتر الرجل إذا افتقر.
وقرئ (قدْرُه) بالإسكان والتحريك (٣)، وهما لغتان في جميع معاني القدر.
يقال: قدر القوم أمرَهم يَقْدِرونه قَدْرًا، وهذا قَدْرُ هذا، واحمل على رأسك قَدْرَ ما تطيق، وقَدْرَ الله الرزق يَقْدِره ويَقْدُره قَدْرًا، وقَدَرْتُ الشيء بالشيء أقدِرُه قَدْرًا، وقَدَرْتُ على الأمر أقدِرُ عليه قُدْرَةً وقُدُورًا وقَدَارةً. كل هذا يجوز فيه التسكين والتحريك، يقال: هذا قدَرُ هذا، واحمل قَدَرَ ما تطيق، وهم يختصمون في القدْرِ والقَدَر، وقدرتُ عليه الثوب قدرًا، وخذ منه بقدرِ كذا وَبِقَدَر كذا، قال الله تعالى: ﴿فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا﴾ [الرعد: ١٧] وقال: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ [الأنعام: ٩١] ولو حُرِّك كان جائزًا. وكذلك: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر: ٤٩]، ولو خُفِّفَ جَاز، إلا أَنَّه
(٢) ينظر في وسع: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٨٨٩، "المفردات" ص ٥٣٨، "اللسان" ٨/ ٤٨٣٥.
(٣) قدْرُه: بإسكان الدال، قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم: قدَرُه، بتحريكين. ينظر "السبعة" لابن مجاهد ص ١٨٤.

لِوفَاق رؤوس الآي يُحَرَّك (١). وقال الفرزدق:
وما صَبَّ رِجْلي (٢) في حديدِ (٣) مُجَاشِعٍ | مع القَدْرِ إلا حاجةً لي أُرِيدُها (٤) |
وهذا مذهب الشافعي رحمه الله، قال: أعلاها على الموسع (١١)
(٢) في (ش): (رحلي).
(٣) في (ي): (حديث).
(٤) البيت للفرزدق في "ديوانه" ١/ ٢١٥ وفي "إصلاح المنطق" لابن السكيت ص ٩٩، "تفسير الطبري" ٢/ ٥٣٨ "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٨١، "لسان العرب" ٤/ ٢٣٨٧ (مادة: صبب).
(٥) قال الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١١٨٩: والصحيح أن الواجب من ذلك على قدر عسر الرجل ويسره.
(٦) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" ٥/ ١٥٦، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٣٠، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٤٢ - ٤٤٣.
(٧) أخرجه سعيد بن منصور في "تفسيره" ٢/ ٢٧، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٣٠، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٤٣.
(٨) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" ٧/ ٢٧، وابن أبي شيبة في "المصنف" ٥/ ١٥٧، والطبري ٢/ ٥٣١.
(٩) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٣٠.
(١٠) الوقاية: مثلثة الواو: كل ما وقيت به شيئًا، والوِقاية التي للنساء. ينظر "لسان العرب" ٨/ ٤٩٠١ - ٤٩٠٤ (مادة: وقى).
(١١) في (ي) (الموضع).