آيات من القرآن الكريم

لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ۚ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ
ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ

٧- قوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ هذا نهاية التحذير من الوقوع فيما نهى عنه، لأن الله توعدهم على ما يقع في ضمائرهم من أمور النساء، وأرشدهم إلى إضمار الخير دون الشر، ثم لم يؤيسهم من رحمته، ولم يقنطهم من عائدته، فقال: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ.
المطلقة قبل الدخول ومتعتها أو وجوب نصف المهر لها
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٣٦ الى ٢٣٧]
لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (٢٣٦) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٣٧)
الإعراب:
ما لَمْ ما: إما شرطية، أي إن لم تمسوهن، وإما ظرفية زمانية مصدرية، أي مدة لم تمسوهن.
مَتاعاً اسم أقيم مقام التمتع، وهو منصوب على المصدر، أي متعوهن متاعا حَقًّا منصوب أيضا على المصدر، وتقديره: حقّ ذلك حقا فَنِصْفُ مرفوع إما مبتدأ وخبره محذوف وتقديره: فعليكم نصف ما فرضتم وإما خبر مبتدأ محذوف وتقديره: فالواجب نصف ما فرضتم إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أن: حرف ناصب، والنون في يعفون نون النسوة، فهي علامة جمع، لا علامة رفع، وإذا اتصلت بالفعل المضارع صار مبنيا، كاتصاله بنون التوكيد. وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى مبتدأ وخبر.

صفحة رقم 382

البلاغة:
ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ كنّى تعالى بالمسّ عن الجماع تأديبا للعباد في اختيار أحسن الألفاظ في التخاطب. الخطاب في قوله وَأَنْ تَعْفُوا ولا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ عام للرجال والنساء، ولكن بطريق التغليب. وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ إظهار لفظ الجلالة لتربية المهابة والخوف.
المفردات اللغوية:
لا جُناحَ لا إثم ولا تبعة عليكم، والمراد لا شيء عليكم تَمَسُّوهُنَّ تجامعوهن أَوْ تَفْرِضُوا أي ولم تفرضوا لهن فرضا أي تقدروا لهن مقدارا توجبونه على أنفسكم وهو المهر، أي لا تبعة ولا مسئولية عليكم بإثم ولا مهر في الطلاق زمن عدم المسيس وعدم فرض المهر. وَمَتِّعُوهُنَّ أي فطلقوهن وأعطوهن ما يتمتعن به عَلَى الْمُوسِعِ الغني منكم الْمُقْتِرِ: الفقير قَدَرُهُ: أي قدر الإمكان والطاقة.
مَتاعاً أي متعوهن تمتيعا بِالْمَعْرُوفِ شرعا، وهو صفة مَتاعاً. حَقًّا صفة ثانية أو مصدر مؤكد أي حق ذلك حقا ثابتا واجبا. والمعروف: ما يتعارفه الناس ويليق بهم بحسب اختلاف أصنافهم ومعايشهم وبيئاتهم. الْمُحْسِنِينَ المطيعين الذين يحسنون في معاملة المطلقات.
إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ: لكن إذا ترك الزوجات المطلقات حقهن أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وهو الولي يعني: إلا أن تعفو المطلقات عن أزواجهن، فلا يطالبنهم بنصف المهر، إن كن مالكات أنفسهن، أو يسقط الولي الذي يلي عقد النكاح ما وجب للمطلقات قبل الدخول من نصف الصداق، إن لم يكنّ مالكات أنفسهن. والولي: هو الأب في ابنته البكر، وهو رأي مالك وابن عباس وجماعة من التابعين. وقيل: هو الزوج، وعفوه: تركه ما يعود إليه من نصف المهر الذي أعطاه للمرأة. ويكون المعنى: إلا أن يعفو المطلقات، أو يعفو الزوج عن نصف الصداق، فيجعل المهر كله لها، وهو مذهب أبي حنيفة، والشافعي في قوله الجديد، والثوري وابن شبرمة والأوزاعي، وهو رأي علي وشريح وسعيد بن المسيب، وحجتهم: أن الله قال: وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ وليس إعطاء المرء مال غيره فضلا، فلا ينطبق على الولي.
وحجة الفريق الأول: أن الخطاب في أول الآية للأزواج، فلو أراد الزوج، لقال: أو يعفو، ولا موجب لمخالفة مقتضى الظاهر. ولأن معنى يَعْفُونَ، يسقطن وكذلك معنى يَعْفُوَا يسقط، والولي هو الذي يسقط، أما الزوج فيعطي.

صفحة رقم 383

قال الزمخشري: والأول ظاهر الصحة، وتسمية الزيادة على الحق عفوا فيها نظر «١».
وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ أي أن يتفضل بعضكم على بعض، والفضل: المودة والصلة.
إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ خبير بأعمالكم، فيجازيكم عليها.
سبب النزول:
روي أنها نزلت في رجل من الأنصار تزوج امرأة، ولم يسم لها صداقا، ثم طلقها قبل أن يمسها، فنزلت هذه الآية، فقال له صلّى الله عليه وسلّم: «أمتعها ولو بقلنسوتك» «٢».
التفسير والبيان:
لا شيء عليكم أيها الأزواج من الصداق المسمى أو مهر المثل إن لم يسمّ المهر إن طلقتم النساء قبل الدخول وقبل تحديد أو تقدير مهر لهن. وقد دل على أن الجناح هنا تبعة المهر قوله تعالى: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ، وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً، فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ فأوجب نصف المهر في مقابله. وقوله أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً: بمعنى إلا أن تفرضوا لهن فريضة، أو حتى تفرضوا، وفرض الفريضة: تسمية المهر، لأن المطلقة قبل الدخول بها إن سمي لها مهر، فلها نصف المهر المسمى، وإن لم يسم، فليس لها نصف مهر المثل، ولكن المتعة. وقال بعضهم: إن أَوْ بمعنى الواو.
وإنما الواجب عليكم المتعة، أي إعطاء المطلقات شيئا من أموالكم يتمتعن به بحسب حالكم من الثروة والغنى والمنزلة والفقر، جبرا للخاطر، ولم يحدده الله تعالى، وإنما ترك تقديره لحالة الزوج من غنى وفقر حسب الطاقة. وكان ابن

(١) الكشاف: ١/ ٢٨٥ [.....]
(٢) البحر المحيط: ٢/ ٢٣١

صفحة رقم 384

عباس يقول: متعة الطلاق: أعلاها الخادم، ودون ذلك الورق، ودون ذلك الكسوة.
وجعل الله تعالى هذه المتعة حقا واجبا على الذين يحسنون معاملة المرأة.
وللفقهاء فيها آراء، فذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنها واجبة للمطلقة قبل الدخول ولم يسمّ لها مهر، لظاهر قوله: وَمَتِّعُوهُنَّ وقوله حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ. وهي مستحبة لسائر المطلقات، كالمطلقة بعد الدخول، والمطلقة قبل الدخول في نكاح فيه تسمية المهر «١».
وذهب مالك في المشهور عنه: إلى أن المتعة مندوبة ما عدا المطلقة قبل الدخول التي لم يسم لها المهر، وقيل بوجوبها.
ورأى الشافعي وأحمد: أنها واجبة للمطلقة قبل الدخول سواء التي فرض لها مهر أو لم يفرض لها إلّا المطلقة قبل الدخول المسمى لها المهر، وأوجبها الشافعية أيضا للمطلقة بعد الدخول، لقوله تعالى: وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ، حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة ٢/ ٢٤١] يعني أن المتعة واجبة لكل مطلقة في مذهب الشافعي الجديد ما عدا المطلقة قبل الدخول التي سمي لها مهر.
والظاهر القول بالوجوب، لظاهر الأمر: وَمَتِّعُوهُنَّ وكأن الله جعل لها المتعة في مقابل ما جعل المسمى لها من نصف الصداق حال التسمية. وأما قوله: حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ فليبين أن مقتضى الإحسان يوجب ذلك.
هذا هو القسم الأول المذكور في الآية وهو حكم المطلقة قبل الدخول والتي لم يسم لها المهر، وهذه لها المتعة. ثم بيّن الله تعالى حكم القسم الثاني وهو المطلقة قبل الدخول التي سمي لها مهر، وهذه لها نصف الصداق، فقال الله تعالى فيما معناه:

(١) أحكام القرآن للجصاص: ١/ ٤٢٨

صفحة رقم 385

إذا طلقت المرأة قبل الدخول، وقد سمّي لها صداق، فيجب لها نصفه ولها حق أخذه في كل حال، إلا أن تعفو المطلقة، أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وهو الولي، وعفوه: إسقاط الحق في نصف المهر، وقيل: هو الزوج وعفوه:
التنازل عن نصف الصداق المستحق له، فتأخذ المهر كله، كما بينا في شرح المفردات. والعفو أقرب لتقوى الله، أي أن من عفا من الرجال والنساء فهو المتقي.
ولا تنسوا التفضل بينكم بالإحسان، فتتركوه وتستقصوا أخذ كل المستحق، فإن العفو خير لكم جميعا، والله بما تعملون بصير، فيجازي كلا على حسب نيته وعمله، ويعلم من عفا، وعامل بالإحسان من لم يفعل ذلك. وهذه خاتمة للتذكير باطلاع الله على كل ما يعامل به الأزواج بعضهم بعضا، ترغيبا في الإحسان والفضل، وترهيبا من المخاشنة والجهل.
فقه الحياة أو الأحكام:
١- ذكر الله تعالى في هذه الآية حكم حالتين من الطلاق: المطلقة قبل الدخول وقبل تسمية المهر، فجعل لها المتعة، والمطلقة قبل الدخول وبعد تسمية المهر، وجعل لها نصف الصداق.
والحكمة في المتعة وإيجاب نصف المهر قبل الدخول: جبر وحشة الطلاق، والتعويض عما لحق المرأة من أذى وسوء سمعة، فيكون ذلك سبيلا لرفع معنويات المرأة المطلقة، ودفع الشبهات والريبة عنها، وتوفير حسن الصيت وطيب الشهرة لها، حتى لا تتضرر باحتمال إعراض الخطّاب عليها، وتعكير صفو المستقبل المنتظر لها.
وهناك صنفان آخران من المطلقات: المطلقة المدخول بها المفروض لها المهر، وقد ذكر الله حكمها قبل هذه الآية (في الآية: ٢٢٩)، وأنه لا يسترد

صفحة رقم 386

منها شيء، وأن عدتها ثلاثة قروء. والمطلقة المدخول بها غير المفروض لها المهر، وقد ذكر الله تعالى حكمها في قوله: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ أي مهورهن [النساء ٤/ ٢٤].
٢- إن قسمة الله تعالى حال المطلقة قبل الدخول إلى قسمين: مطلقة مسمى لها المهر، ومطلقة لم يسمّ لها، يدل على أن نكاح التفويض جائز: وهو كل نكاح عقد من غير ذكر الصداق، ولا خلاف فيه، ويفرض بعد ذلك الصداق.
فإن فرض بعد العقد وقبل الطلاق، كان من المسمى، فيكون لها نصف المسمى، ويلتحق الفرض بالعقد في رأي مالك، ولا يكون لها نصف المسمى ولا يلتحق بالعقد في رأي أبي حنيفة، نظرا إلى أنها لم يسم لها في العقد.
وأما إن لم يفرض لها، وكان الطلاق، لم يجب صداق إجماعا، كما قال ابن العربي «١».
٣- إذا مات الزوج قبل أن يفرض لها، فقال مالك: يكون حكمها حكم المطلقة، لها الميراث دون الصداق، وقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد: لا يكون لها حكم المطلقة، فيجب لها الصداق والميراث «٢».
وحجة مالك: أنه فراق في نكاح قبل الفرض، فلم يجب فيه صداق، أصله الطلاق، أي كالحكم في الطلاق.
وحجة الشافعي وأحمد وأبي حنيفة: ما رواه النسائي وأبو داود عن ابن مسعود: أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قضى في بروع بنت واشق- وقد مات زوجها قبل أن يفرض لها- بالمهر، والميراث، والعدة. قال الترمذي: حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح، وقد روي عنه من غير وجه.

(١) أحكام القرآن: ١/ ٢١٨
(٢) المرجع والمكان السابق، تفسير القرطبي: ٣/ ١٩٨

صفحة رقم 387

٤- ومذهب أبي حنيفة وأحمد: أن المهر جميعه يتقرر بالخلوة الصحيحة، لخبر ابن مسعود قال: «قضى الخلفاء الراشدين فيمن أغلق بابا أو أرخى سترا: أن لها الميراث، وعليها العدة» «١». ومشهور مذهب مالك، والشافعي: أنه لا يتقرر المهر بالخلوة إلا إذا اقترن بها مسيس (وطء)، وظاهر القرآن يعضدهما.
٥- ليس للمتعة بمقتضى القرآن والسنة حد معروف في قليلها ولا كثيرها.
لذا اختلف الناس فيها، فقال ابن عمر: أدنى ما يجزئ في المتعة ثلاثون درهما أو شبهها، وهو قول الشافعي القديم، وقال في الجديد: لا يجبر الزوج على قدر معلوم إلا على أقل ما يقع عليه اسم المتعة، وأحب ذلك إليّ: أن يكون أقله ما تجزئ فيه الصلاة. وقال ابن عباس: أرفع المتعة خادم، ثم كسوة، ثم نفقة.
وقال عطاء: أوسطها الدرع والخمار والملحفة. وقال أبو حنيفة: ذلك أدناها.
وقال الحسن البصري ومالك: يمتّع كل بقدره، هذا بخادم، وهذا بأثواب، وهذا بثوب، وهذا بنفقة.
وقال أصحاب الرأي وغيرهم: متعة التي تطلّق قبل الدخول والفرض لا يتجاوز بها نصف مهر مثلها، لا غير، لأن مهر المثل مستحق بالعقد، والمتعة:
هي بعض مهر المثل، فيجب لها كما يجب نصف المسمى إذا طلّق قبل الدخول، فيكون لها الأقل من نصف مهر مثلها ومن المتعة، وهي على قدر المعتاد المتعارف في كل وقت، كثلاثة أثواب: درع وخمار وإزار «٢».
وروى الدارقطني أن الحسن بن علي رضي الله عنه متّع زوجته: عائشة الخثعمية بعشرة آلاف درهم، فقالت: متاع قليل من حبيب مفارق.
٦- قال ابن القاسم من المالكية: من جهل المتعة حتى مضت أعوام، فليدفع

(١) وروي أيضا مرفوعا، أخرجه الدارقطني.
(٢) أحكام القرآن للجصاص: ١/ ٤٣٣- ٤٣٤

صفحة رقم 388

ذلك إليها، وإن تزوّجت، وإلى ورثتها إن ماتت، لأنه حق ثبت عليه، وينتقل عنها إلى ورثتها كسائر الحقوق. وهذا يشعر بوجوبها في المذهب المالكي.
وقال أصبغ: لا شيء عليه، لأنها تسلية للزوجة عن الطلاق، وقد فات ذلك.
٧- دل قوله تعالى: عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ على وجوب المتعة. والموسع: الذي اتسعت حاله، والمقتر: المقل القليل المال. وكذلك قوله: حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ أي يحق ذلك عليهم حقا: دليل على وجوب المتعة مع الأمر بها، فقوله حَقًّا تأكيد للوجوب.
٨- الواجب للمطلقة قبل الدخول نصف المهر المسمى بالإجماع. ولا خلاف أن من دخل بزوجته ثم مات عنها، وقد سمّى لها مهرا: أن لها ذلك المسمّى كاملا، والميراث، وعليها العدة.
٩- لكل امرأة تملك أمر نفسها وكانت بالغة عاقلة راشدة أن تترك النصف الذي وجب لها عند الزوج، لأن معنى يَعْفُونَ: يتركن ويصفحن، وقوله إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ استثناء منقطع، لأن عفوهنّ عن النصف ليس من جنس أخذهنّ.
وأما التي في حجر أب أو وصي: فلا يجوز وضعها لنصف صداقها بلا خلاف.
ولولي المرأة في مذهب مالك العفو عن نصف الصداق، لأن الذي بيده عقدة النكاح: هو الولي، لأوجه أربعة:
الأول- لأن الزوج قد طلق، فليس بيده عقدة.
الثاني- أنه لو أراد الأزواج لقال: إلا أن تعفون، فلما عدل عن مخاطبة

صفحة رقم 389

الحاضر المبدوء به في أول الكلام: وهو الزوج، إلى لفظ الغائب دل على أن المراد به غيره.
الثالث- أنه تعالى قال: إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ يعني يسقطن، ولا يتصور الإسقاط عن شيء من المهر إلا من الولي، أما الزوج فيعطي.
الرابع- أنه تعالى قال: إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ يعني يسقطن أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ يعني يسقط، وكل هذا يرجع إلى النصف الواجب بالطلاق الذي تسقطه المرأة، فأما النصف الذي لم يجب، فلم يجر له ذكر.
ورجح ابن العربي هذا القول قائلا: والذي تحقق عندي بعد البحث والسّبر أن الأظهر هو الولي لثلاثة أوجه «١».
وللزوج في رأي الشافعي وأبي حنيفة: أن يترك ما يعود إليه من نصف المهر الذي سماه للزوجة، لما
رواه الدارقطني عن ابن عمرو أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ولي عقدة النكاح: الزوج».
وروى الدارقطني عن جبير بن مطعم: أنه تزوج امرأة من بني نصر (بطن من هوازن) فطلقها قبل أن يدخل بها، فأرسل إليها بالصداق كاملا، وقال: أنا أحق بالعفو منها، قال الله تعالى: إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وأنا أحق بالعفو منها.
١٠- أقرب الزوجين للتقوى: الذي يعفو. وعلى الزوج ألا ينسى مودة أهل البيت الذين تزوج منهم ثم طلق، وألا يهجرهم أو يسبهم ويلعنهم ويحقد عليهم، كما هو حال الناس اليوم مع الأسف بعد حدوث الطلاق بين زوجين، فصارت رابطة المصاهرة بعد انفصالها مرتعا للمخاصمات والمنازعات والمهاترات والمكائد، وهذا كله مناقض لكتاب الله تعالى: وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ.

(١) راجع أحكام القرآن: ١/ ٢٢١

صفحة رقم 390
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية