آيات من القرآن الكريم

وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ ۚ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا ۚ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ
ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ

٢٤٠] وإن كانت هذه مكتوبة قبلها في المصحف، إذ ليس ترتيب المصحف على ترتيب النزول، بل ترتيب التلاوة والمصاحف ترتيب جبريل بأمر الله سبحانه وتعالى (١).
وقوله تعالى: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ يخاطب الأولياء (٢)، لأن الرجال قوامون على النساء، مأمورون بزجرهن عن مجاوزة حدود الله، فبين أنهن إذا انقضت عدتهن لا جناح على الأولياء في تخلية سبيلهن، ليفعلن في أنفسهن بالمعروف ما يردن من تزوج الأكفاء بإذن الأولياء، وهذا تفسير المعروف (٣)، لأن التي تزوج نفسها سماها النبي - ﷺ - زانيةً (٤).
٢٣٥ - قوله تعالى: ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ﴾ الآية، التعريض في اللغة: ضدّ التصريح، ومعناه: تضمين الكلام دلالة على شيء ليس فيه ذكر له، وأصله: من عَرْضِ الشيء، وهو جانبه، كأنه يحوم به ولا يظهره (٥)، وينشد على هذا قول الشماخ:

(١) ينظر: "الإتقان" للسيوطي ١/ ١٧٥.
(٢) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٦٠، "تفسير البغوي" ١/ ٢٨١.
(٣) ينظر: "تفسير ابن كثير".
(٤) روى ابن ماجه برقم (١٨٨٢) كتاب: النكاح باب: لا نكاح إلا بولي والدارقطني ٣/ ٢٢٧ والبيهقي ٧/ ١١٠ عن أبي هريرة مرفوعًا: لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، فإنه الزانية هي التي تزوج نفسها وقد صحح الألباني الحديث دون الجملة الأخيرة منه؛ فإنها موقوفة على أبي هريرة كما في البيهقي. ينظر "إرواء الغليل" ٦/ ٢٤٨. وروى الترمذي (١١٠٣) كتاب: النكاح، باب ما جاء لا نكاح إلا ببينة عن ابن عباس مرفوعا: البغايا اللاتي يُنكحن أنفسهن بغير بينة. ثم أورده موقوفًا وقال: هذا أصح. وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" ٧/ ١٢٥ وقال: والصواب موقوف والله أعلم.
(٥) "تهذيب اللغة" (عرض) ٢٣٩٨.

صفحة رقم 268

كما خَطّ عِبْرَانِيَّةً بيَمِينِه بتَيْمَاءَ حَبْرٌ ثم عَرَّضَ أسْطُرا (١)
قالوا في تفسير عَرَّضَ، أي: لم يبيّن، بل حرفها (٢)، ذهب (٣) مرة كذا ولم يقوِّمْها، وذلك أشبه بالرسوم.
قال ابن الأنباري حاكيًا عن بعضهم معنى التعريض في اللغة: اتصال الشيء من الكلام إلى المخاطب (٤)، فإذا قيل: عرَّضَ به، معناه (٥): أوصل إليه كلامًا فهم معناه ودَلَّ بالذي أسمعه عليه، من قول العرب: قد عرضت الرجل. إذا أهديت إليه أوصلت إليه التحفة (٦).
ومن ذلك حديثُ عائشة: أن رسول الله - ﷺ - وأبا بكرٍ لقيا الزُّبير في رَكْبٍ قد أقبلوا من الشام يريدون مكة، فَعَرَّضُوا رسول الله - ﷺ - وأبا بكر ثيابًا بيضًا، أي (٧): أهدوها إليهما (٨).
والتعريض أخفى من الكناية؛ لأن الكناية عدول عن الذكر الأخصِّ إلى ذكر يدل عليه، والتعريض دلالة على شيء ليس له فيه ذكر، كقولك: ما أقبح
(١) البيت للشماخ في "ديوانه" ص ١٢٩، و"شرح القصائد السبع" لابن الأنباري ص ٥٢٨، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٦١. "لسان العرب" ٢/ ٧٤٩ [مادة: حبر]. وتيماء: بلدة معروفة في الساحل على الطريق بين المدينة وتبوك. ينظر "معجم البلدان" ٢/ ٦٧، والمعجم الجغرافي للبلاد السعودية "شمال المملكة" ١/ ٢٧١.
(٢) نص الأزهري "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٤٠٠: إذا لم يبين الحروف، ولم يقوّم الخطأ.
(٣) في (ي): (وذهب).
(٤) في (ي): (المخاطبين).
(٥) في (ي): (معنى).
(٦) ابن الأنباري
(٧) ساقطة من (ي).
(٨) الحديث ذكره في "النهاية" ص ٦٠٦، وعنه ابن منظور في "اللسان" ٥/ ٢٨٩١.

صفحة رقم 269

البخل، تعرض (١) بأنه بخيل، والكناية كقولك: رأيته وضربته، من غير أن تذكر اسمه (٢).
وأما الخِطْبة فقال الفراء: الخِطْبة (٣): مصدر، بمنزلة الخَطْب، وهو مثل قولك: إنه (٤) لحَسَنُ القِعْدَةِ والجِلْسَة، تريد (٥): القُعُودَ والجلوسَ (٦).
ومعى الخِطبة (٧): التماس النكاح، يقال: خَطَب فلانٌ فلانة، أي: سألها خِطبةً إليها في نفسها، أي حاجَته وأمَره، من قولهم: ما خَطْبُك، أي: ما حاجتُك وأمرك (٨).
وقال بعضهم: أصلُ الخِطْبة: من الخطاب الذي هو الكلام، يقال: خَطَبَ المرأة خِطْبَةً؛ لأنه خاطِبٌ في عقد النكاح، وخَطَب خُطْبَة: خَاطب بالزجر والوعظ.
والخَطْب: الأمر العظيم، لأنه محتاج فيه إلى خطاب كثير.
قال الليث: يقال: هو يخطبُ المرأة ويختطبها خِطبَةً وخِطِّبَى (٩)،

(١) في (أ) يعرض أنه.
(٢) ينظر "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٣٩٥ - ٢٤٠٣ (عرض)، "والنهاية" ص٦٠٤ - ٦٠٧، "المفردات" ص ٣٣٣، "اللسان" ٥/ ٢٨٩٥ (عرض).
(٣) قوله: فقال الفراء: الخطبة. ساقطة من (أ) و (م).
(٤) في (ش) (وأنه).
(٥) في (أ) (يريد).
(٦) "معاني القرآن" ١/ ١٥٢.
(٧) ساقطة من (م).
(٨) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٦٥.
(٩) نقله عنه في "تهذيب اللغة" ١/ ١٠٥٢ - ١٠٥٣ مادة "خطب".

صفحة رقم 270

وخِطِّيْبَى مصدر كالخطبة، كذا قال أبو عبيد وغيره وأنشدوا:

لخطِّيبى التي غَدَرَت وخَانَت وهُنّ ذَوَاتُ غائِلِةٍ (١) لُحِينَا (٢)
المعنى: لخِطبة زباء التي غدرت بجذيمة حين خطبها إلى نفسها (٣).
قال المفسرون: ومعنى التعريض بالخطبة: أن يقول لها وهي في العدة: إنك لجميلة، وإنك لصالحة، وإنك لنَافِقة، وإن من عَزْمي أن أتزوج، وإني فيك لراغب، وما أشبه هذا من الكلام (٤). هذا في عدة المتوفى عنها، فأما الرجعية فلا يحل التعريض بخطبتها (٥) في العدة؛ لأنها في معاني الأزواج، وأما المختلعة والمطلقة ثلاثًا فالصحيح أن التعريض بخطبتها جائز، كجوازه في عدة الوفاة (٦).
(١) في (ش) و (ي): (عائلة).
(٢) البيت لعدي بن زيد في ديوانه ص ١٨٢، "تهذيب اللغة" ١/ ١٠٥٣، "لسان العرب" ٢/ ١١٩٤ خطب. قال الأزهري: والمعنى: لِخْطَبة زباء وهي امرأة كانت مَلِكَةً خَطَبَها جذيمةَ الأبرش، فَغَرّرت به وأجابته، فلما دخل بلادها قَتَلَتْهُ. وقد خطأ الأزهري قول الليث: إن خطيبى في البيت اسم امرأة بل هو مصدر كالخِطبة.
(٣) ينظر في خطب "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٣٧٣، "تهذيب اللغة" ١/ ١٠٥٣ (خطب)، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٦٥، "المفردات" ص ١٥٧، "اللسان" ٢/ ١١٩٤ - ١١٩٥ (خطب)، قال في المفردات: وأصل الخِطبة. الحالة التي عليها الإنسان إذا خطب، نحو الجلسة والقِعدة، ويقال من الخُطبة: خاطب وخطيب، ومن الخِطبة: خاطب لا غير، والفعل منهما خطب.
(٤) كذا يروى عن القاسم ومجاهد وسعيد بن جبير وعبد الرحمن بن القاسم وآخرين، فيما ذكر عنهم الطبري في "تفسيره" بإسناده ٢/ ٥١٧ - ٥٢٠، وينظر صحيح البخاري (٥١٢٤) كتاب: النكاح، باب: قول الله عز وجل ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ﴾، "مصنف عبد الرزاق" ٧/ ٥٣، "مصنف ابن أبي شيبة" ٤/ ٢٥٧.
(٥) في (ش): (بخطبها).
(٦) ينظر: "تفسير القرطبي" ٣/ ١٨٨، "التفسير الكبير" ٦/ ١٤٠ - ١٤١.

صفحة رقم 271

وقوله تعالى: ﴿أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ﴾ أي: أَسْرَرْتم وأضمرتم في أنفسكم من خطبتهن ونكاحهن. قال مجاهد (١) وابن زيد (٢): هو (٣) إسرار العزم على النكاح دون إظهاره.
وقال السدي: هو أن يَدْخُل فَيُسَلِّم ويُهْدِي إن شاءَ ولا يتكلم بشيء (٤).
ومعنى الإكنان في اللغة: الإخفاء والستر. قال الفراء: للعرب في أكننت الشيء إذا سترته لغتان، كَنَنْتُهُ، وأَكْنَنْتُهُ وأنشدوني (٥):

ثَلاثٌ من ثَلاثٍ قُدَامِيَاتٍ مِنَ اللاتِي يَكُنُّ مِنَ الصَّقيعِ (٦)
وبعضهم [يرويه] (٧) تُكِن من أكننت (٨).
ونحو هذا قال ابن الأعرابي وأبو زيد: قالوا: كننت الشيء وأكننته في الكِنِّ وفي النفس بمعنى. وفَرَّقَ قومٌ بينهما، فقالوا: كننتُ الشيء: إذا صُنته حتى لا تصيبَه آفةٌ، وإن لم يكن مستورًا، يقال: دُرٌّ مكنون، وجاريةٌ مكنونة، وبيضٌ مكنون: مَصُونٌ عن التَّدَحْرُج (٩).
(١) أخرجه الطبري ٢/ ٥٢١.
(٢) المصدر السابق.
(٣) ساقط من (م) و (أ).
(٤) أخرجه الطبري ٢/ ٥٢١، "ابن أبي حاتم" ٢/ ٤٣٩ (٢٣٢٩).
(٥) في (م) (أنشدني).
(٦) البيت بلا نسبة في "لسان العرب" ٧/ ٣٩٤٢ [مادة: كنن]، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣١٩٦، "تاج العروس" (مادة: كنن). وينظر "المعجم المفصل" ٤/ ٤١٥.
(٧) في الأصل: طمس عليها، والكلام يقتفيها، وهي مذكورة في "معاني القرآن" الفراء.
(٨) "معاني القرآن" ١/ ١٥٢ - ١٥٣.
(٩) "اللسان" ٧/ ٣٩٤٢ - ٣٩٤٣، وينظر "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣١٧.

صفحة رقم 272

وأما أكننت فمعناه: أضمرت (١)، ويستعمل ذلك في الشيء الذي (٢) يُخْفِيهِ الإنسانُ وَيسْتُره (٣) عن غيره (٤)، وهو ضِدُّ أَعْلَنْتُ وأَظْهَرْت (٥).
وقوله تعالى: ﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ﴾ يعني: الخطبة (٦)، ﴿وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا﴾.
روى الكلبيُّ، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: السرُّ في هذا الموضع النكاح، وأنشد عنه بيت امرئ القيس:
وأن لا يشْهَدَ السِّرَّ أمْثَالي (٧) (٨).
وقال الشعبي (٩) والسدي (١٠): لا يأخذ ميثاقها أن لا تنكح غيره،

(١) "تفسير البغوي" ١/ ٢٨٢، "زاد المسير" ١/ ٢٧٦ - ٢٧٧.
(٢) (الذي) ساقط من (ي،. وفي (ش) (إذا).
(٣) ساقطة من (ي).
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣١٧.
(٥) ينظر في (كنن) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٥٢ - ١٥٣، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣١٧، "تهذيب اللغة" "المفردات" ص ٤٤٤، "اللسان" ٧/ ٣٩٤٢ - ٣٩٤٣.
(٦) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" ٤/ ٣٦٠، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٢١، ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٣٩ عن الحسن.
(٧) ورد البيت هكذا:
ألا زعمت بسباسة اليوم أنني كَبِرْتُ وألا يُحْسِنَ السِّرَّ أمثالي
في "ديوانه" ص ٢٨، وفيه: وألا يحسن اللهو. و"جمهرة أشعار العرب" ١/ ١١٨، ١١٧، وفي "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٥٣: وأن يشهد. ومعنى السر: النكاح. وبسباسة: امرأة من بني أسد.
(٨) كذا نقَل رواية الكلبي وبيت الشعر من "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٥٣.
(٩) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٢٣، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٣/ ٤٣٩.
(١٠) أخرجه الطبري في الموضع السابق.

صفحة رقم 273

وقال الحسن (١) وقتادة (٢) والضحاك (٣) والربيع (٤) وعطية عن ابن عباس (٥): السِرُّ: هو الزنى، وكان الرجل يدخُلُ على المرأة للريبة وهو يعرض بالنكاح، فيقول لها: دعيني فإذا وفيتِ عدتك أظهرت نكاحك، فنهى الله عز وجل عن ذلك، وقال: الخطبة في السر بمعنى الزنا (٦).

ويَحْرُمُ سِرُّ جَارَتهِمِ عَلَيْهِم ويَأكلُ جَارُهُم أَنْفَ القِصَاعِ (٧)
ونحو هذا قال عطاء عن ابن عباس في قوله: ﴿وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا﴾ قال: يريد الجماع، يقول لها: أنا راغب فيك، دعيني أجامعك حتى إذا وفيتِ عِدَّتَك أظْهَرْتُ نِكَاحَكِ (٨). وقال الكلبي: معناه: لا تصفوا أنفسكم لهن بكثرة الجماع (٩)، وعلى هذا القول السر: الجماع نفسه (١٠).
(١) أخرجه البخاري (٥١٢٤) كتاب: النكاح، باب: ولا جناح عليكم فيما عرضم به خطبة النساء معلقًا عنه، ورواه موصولًا عبد الرزاق في "المصنف" ٧/ ٥٦، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٢٢، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٤٠.
(٢) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٢٢، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٤٠.
(٣) أخرجه سعيد بن منصور في "تفسيره" ٣/ ٨٧٦، انظر المصدرين السابقين.
(٤) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٢٣.
(٥) المصدر السابق.
(٦) ينظر ما تقدم عند الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١١٦٦ - ١١٦٩، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٢٨٣.
(٧) البيت من الوافر، وهو للحطيئة في "ديوانه" ص ٣٢٨، و"أمالي المرتضى" ١/ ١٧٥، ومعناه: يصفهم بالعفة والكرم، فهم يعفون عن سر الجارة، ويؤثرون ضيفهم بخير الطعام. وينظر "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣١٧.
(٨) تقدم الحديث عن هذه الرواية في القسم الدراسي من المقدمة.
(٩) نقله عنه الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١١٧٠، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٢٧٣.
(١٠) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٧١.

صفحة رقم 274

قال الفرزدق:

مَوَانِع للأسْرَارِ (١) إلا من أَهْلِهَا ويخْلِفْنَ ما ظَنَّ الغَيْورُ المُشَفْشَفُ (٢)
الذي شفه الهم. يعنى: أنهن عفائف يمنعن الجماع إلا من أزواجهن.
فحصل في السرِّ أربعة أقوال: النكاح، والجماع، والزنا، والسِرّ الذي تخفيه وتكتمه غيرك.
وقوله تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ يعنى: التعريض بالخطبة كما ذكرنا (٣)، ويكون التقدير: قولًا معروفًا في هذا الموضع، وهو التعريض (٤) غير التصريح؛ لأن التصريح مزجور عنه، فهو منكر (٥) غير معروف.
ويجوز أن يكون المعنى: قولًا معروفًا (٦) منه الفحوى والمعنى دون التصريح.
قوله تعالى: ﴿وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ﴾ قد ذكرنا معنى العزم عند قوله: ﴿وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ﴾. ولم يقل: على عقدة النكاح
(١) في (ش): (الأسرار).
(٢) البيت في "ديوانه" ٢/ ٢٤، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٧١، "لسان العرب" ٤/ ٢٢٩٢ مادة شفف. والمشفف: السخيف السيء الخلق، وقيل: الغيور، ويروي: المُشَفْشِف بالكسر عن ابن الأعرابي، وأراد: الذي شَفّت الغيرة فؤاده فأضمرته.
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٦٢ عن مجاهد، ينظر "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٧٢، "تفسير البغوي" ١/ ٢٨٣، "تفسير القرطبي" ٣/ ١٩٢.
(٤) من قوله: (بالخطبة) ساقط من (ش) و (ي).
(٥) في (ي): (منكور).
(٦) في (ش): (معروفًا يعني منه).

صفحة رقم 275

اجتزاء بدلالة العزم، لأنه لا يكون إلا على معزوم عليه، كما تقول: ضرب زيدٌ الظهرَ والبطن، أي: عليهما. قال سيبويه: والحذف في هذه الأشياء لا يقاس، ويكون معنى الآية: ولا تعزموا على عقدة النكاح أن تعقدوها حتى يبلغ الكتاب أجله (١)؛ لأنه يجوز أن ينوي بقلبه ويعزم في مدة عدتها أن يتزوجها إذا انقضت المدة، فأما أن يعقد العقد قبل مضي المدة فلا.
والمفسرون قالوا: معناه: لا تصححوا عقدة النكاح (٢).
وأصل العقد: الشدّ. والعهود (٣) والأنكحة تسمى عقودًا؛ لأنها كَعَقْد الحبل في التوثيق.
وقال عبد الرحمن بن زيد: هذه الآية نسخت ما قبلها، والخطبةُ (٤) ومواعدهُ النكاح، وكلُّ شيء جائز إلا النكاح فقط (٥).
وقوله تعالى: ﴿حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ﴾ قيل: الكتاب: القرآن. والمعنى: حتى يبلغ فرض الكتاب أجله، يعنى: العدة المفروضة تنقضي.
ويجوز أن يكون الكتاب نفسه في معنى الفرض، فيكون المعنى: حتى يبلغ الفرض كمال أجله، قال: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ [البقرة: ١٨٣] أي: فرض، وإنما جاز أن يقع (كتب) بمعنى فرض؛ لأن ما يكتب يقع في

(١) كذا نقله من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣١٨، وينظر "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٣١٩، و"تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٧٣، و"تفسير القرطبي" ٣/ ١٩٢.
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٥٢٧، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٧٣، "البحر المحيط" ٢/ ٢٢٩.
(٣) في (م): (والعقود).
(٤) في (ي): (فالخكطبة).
(٥) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٢٧، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١١٧٢، ومكي في "الإيضاح" ١٨٥.

صفحة رقم 276
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية