آيات من القرآن الكريم

وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ ۚ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا ۚ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ

في الفصال وتشاورهما: أمّا الأب فلا كلام فيه، وأمّا الأمّ فلأنها أحق بالتربية وهي أعلم بحال الصبى. وقرئ (فإن أراد). استرضع: منقول من أرضع. يقال: أرضعت المرأة الصبى، واسترضعتها الصبى، لتعديه إلى مفعولين، كما تقول: أنجح الحاجة، واستنجحته الحاجة. والمعنى:
أن تسترضعوا المراضع أولادكم، فحذف أحد المفعولين للاستغناء عنه، كما تقول: استنجحت الحاجة ولا تذكر من استنجحته، وكذلك حكم كل مفعولين لم يكن أحدهما عبارة عن الأوّل إِذا سَلَّمْتُمْ إلى المراضع ما آتَيْتُمْ ما أردتم إيتاءه، كقوله تعالى: (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) وقرئ: ما أتيتم، من أتى إليه إحساناً إذا فعله. ومنه قوله تعالى: (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) أى مفعولا. وروى شيبان عن عاصم: ما أوتيتم، أى ما آتاكم اللَّه وأقدركم عليه من الأجرة، ونحوه (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) وليس التسليم بشرط للجواز والصحة، وإنما هو ندب إلى الأولى. ويجوز أن يكون بعثاً على أن يكون الشيء الذي تعطاه المرضع من أهنى ما يكون، لتكون طيبة النفس راضية، فيعود ذلك إصلاحاً لشأن الصبى واحتياطاً في أمره، فأمرنا بإيتائه ناجزاً يداً بيد، كأنه قيل: إذا أدّيتم إليهن يداً بيد ما أعطيتموهن بِالْمَعْرُوفِ متعلق بسلمتم، أمروا أن يكونوا عند تسليم الأجرة مستبشرى الوجوه، ناطقين بالقول الجميل، مطيبين لأنفس المراضع بما أمكن، حتى يؤمن تفريطهن بقطع معاذيرهن.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٣٤ الى ٢٣٥]
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٣٤) وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٣٥)
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ على تقدير حذف المضاف، أراد: وأزواج الذين يتوفون منكم يتربصن. وقيل: معناه يتربصن بعدهم، كقولهم: السمن منوان بدرهم. وقرئ: يَتوفون بفتح الياء «١»

(١). قال محمود رحمه اللَّه: «قرأها علي رضى اللَّه عنه بفتح الياء... الخ»، قال أحمد رحمه اللَّه: ولعل السائل لأبى الأسود كان ممن يفهم عنه أنه لا فرق عنده بين الكسر والفتح وهو الظاهر، وعلى ذلك أجابه أبو الأسود، فلا تناقض حينئذ.

صفحة رقم 281

أى يستوفون آجالهم، وهي قراءة على رضى اللَّه عنه. والذي يحكى أن أبا الأسود الدؤلي كان يمشى خلف جنازة، فقال له رجل: من المتوفى- بكسر الفاء، فقال اللَّه تعالى. وكان أحد الأسباب الباعثة لعلى رضى اللَّه عنه على أن أمره بأن يضع كتابا في النحو، تناقضه هذه القراءة يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً يعتددن هذه المدّة وهي أربعة أشهر وعشرة أيام، وقيل عشراً ذهابا إلى الليالي والأيام داخلة معها، ولا تراهم قط يستعملون التذكير فيه ذاهبين إلى الأيام.
تقول: صمت عشراً «١»، ولو ذكرت خرجت من كلامهم. ومن البين فيه قوله تعالى: (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً) ثم (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً) فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فإذا انقضت عدّتهن فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أيها الأئمة وجماعة المسلمين فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ من التعرّض للخطاب بِالْمَعْرُوفِ بالوجه الذي لا ينكره الشرع. والمعنى أنهن لو فعلن ما هو منكر كان على الأئمة أن يكفوهنّ.
وإن فرّطوا كان عليهم الجناح فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ هو أن يقول لها إنك لجميلة أو صالحة أو نافقة ومن غرضي أن أتزوّج، وعسى اللَّه أن ييسر لي امرأة صالحة، ونحو ذلك من الكلام الموهم أنه يريد نكاحها حتى تحبس نفسها عليه إن رغبت فيه، ولا يصرح بالنكاح، فلا يقول: إنى أريد أن أنكحك، أو أتزوجك، أو أخطبك. وروى ابن المبارك عن عبد اللَّه بن سليمان عن خالته قالت:
دخل علىَّ أبو جعفر محمد بن على وأنا في عدتي فقال: قد علمت قرابتي من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وحق جدّى علىّ وقدمي في الإسلام، فقلت: غفر اللَّه لك! أتخطبنى في عدّتى وأنت يؤخذ عنك؟ فقال: أو قد فعلت! إنما أخبرتك بقرابتي من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وموضعى، قد دخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على أم سلمة وكانت عند ابن عمها أبى سلمة فتوفى عنها، فلم يزل يذكر لها منزلته من اللَّه وهو متحامل على يده حتى أثر الحصير في يده من شدّة تحامله عليها، فما كانت تلك خطبة «٢». فإن قلت: أى فرق بين الكناية والتعريض؟ قلت:
الكناية أن تذكر الشيء بغير لفظه الموضوع له، كقولك: طويل النجاد والحمائل لطول القامة «٣»

(١). قال محمود رحمه اللَّه: «تقول: صمت عشراً... الخ» قال أحمد رحمه اللَّه: ومنه «من صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر» فغلب الليالي أو كان الصوم غير متصور فيها حتى قالوا: إن شرطة النية وزمانها الليل، فلهذا جعل لها حظاً في الصوم وغلبها. [.....]
(٢). هكذا هو في كتاب النكاح لابن المبارك ورواه الدارقطني من رواية محمد بن الصلت عن عبد الرحمن بن سليمان- وهو ابن الغسيل- نحوه بتمامه.
(٣). قوله «لطول القامة» لعله: لطويل. (ع)

صفحة رقم 282

وكثير الرماد للمضياف. والتعريض أن تذكر شيأ تدل به على شيء لم تذكره، كما يقول المحتاج للمحتاج إليه: جئتك لأسلم عليك، ولأنظر إلى وجهك الكريم. ولذلك قالوا:
وَحَسْبُكَ بِالتَّسلِيمِ مِنِّى تَقَاضِيَا
وكأنه إمالة الكلام إلى عرض يدل على الغرض ويسمى التلويح لأنه يلوح منه ما يريده أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ أو سترتم وأضمرتم في قلوبكم فلم تذكروه بألسنتكم لا معرّضين ولا مصرحين عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ لا محالة ولا تنفكون عن النطق برغبتكم فيهنّ ولا تصبرون عنه، وفيه طرف من التوبيخ كقوله: (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ). فإن قلت: أين المستدرك بقوله «١» وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ؟ قلت: هو محذوف لدلالة ستذكرونهنّ عليه، تقديره: علم اللَّه أنكم ستذكرونهنّ فاذكروهنّ، ولكن لا تواعدوهنّ سراً. والسر وقع كناية عن النكاح الذي هو الوطء، لأنه مما يسرّ. قال الأعشى:

وَلَا تَقْرَبَنْ مِنْ جَارَةٍ إنَّ سِرَّهَا عَلَيْكَ حَرَامٌ فَانْكِحَنْ أوْ تَأَبَّدَا «٢»
ثم عبر به عن النكاح الذي هو العقد لأنه سبب فيه كما فعل بالنكاح إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً
(١). قال محمود رحمه اللَّه: «إن قلت أين المستدرك بقوله ولكن... الخ» قال أحمد رحمه اللَّه: وقويت دلالة هذا المذكور على ما حذف، لأن المعتاد في مثل هذه الصيغة ورود الاباحة عقيبها. ونظير هذا النظم قوله تعالى (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ) الآية. ولهذا الحذف سر واللَّه أعلم، وهو أنه اجتنب لأن الاباحة لم تنسحب على الذكر مطلقا، بل اختصت بوجه واحد من وجوهه وذلك الوجه المباح عسر التميز عما لم يبح، فذكرت مستثناة بقوله: (إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً) تنبيهاً على أن المحل ضيق والأمر فيه عسر والأصل فيه الحظر، ولا كذلك الوطء في زمن ليل الصوم فانه أبيح مطلقا غير مقيد، فلذلك صدر الكلام بالاباحة والتوسعة، وجاء النهى عن مباشرة المعتكفة في المسجد تلوا للاباحة وتبعا في الذكر، لأنها حالة فاذة والمنع فيها لم يكن لأجل الصوم، ولكن الأمر يتعلق به من حيث المصاحب وهو الاعتكاف، فتفطن لهذا السر فانه من غرائب النكت.
(٢).
ولا تسخرن من بائس ذى ضرارة ولا تحسبن المال للمرء مخلدا
ولا تقربن من جارة إن سرها عليك حرام فانكحن أو تأبدا
للأعشى ميمون بن قيس. والبائس: الفقير المحتاج. والضرارة: العمى. وإسناد الإخلاد إلى المال مجاز، لأنه سببه على التوهم. وتقرب- بفتح الراء- بمعنى نفعل، فمن زائدة. وجارة: مفعول، وبضمها بمعنى تدنو، فمن أصلية. وروى: ولا تقربن جارة- بتشديد النون- وعلى كل فهو كناية عن النهى عن الوطء. والسر: ضد الجهر، واستعمل هنا في الموطئ مجازا لأنه يقع فيه، أو لأنه مما يسر. والنكاح: عقد الزوجية. ويقال: أبد الوحشي أبودا، وتأبد تأبدا: نفر عن الأنيس، وألفه هنا منقلبة عن نون التوكيد في الوقف، والمراد منه التباعد مجازاً، والمخاطب بذلك ليس معينا. ونهاه عن الدنو منها لأنه أبلغ من تهيه عن وطئها، ثم قال: فتزوج أو اعتزل النساء كالوحش.

صفحة رقم 283
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية