آيات من القرآن الكريم

فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ۗ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۗ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚ

قال ابن عرفة: وعادتهم يجيبون بأن (يردوا) على أبي حيان بأنّ المحذوف هنا ضمير نصب متصل. والتقدير: مماءَاتتموه إيّاهن، فحذف الضمير المفرد واتصل الآخر بالفعل بعد أن كان منفصلا فصار «ءَاتَيْتُمُوهُنّ».
قوله تعالى: ﴿إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله... ﴾.
هذا إما استثناء من الأسباب، أي منهن شيئا لسبب من الأسباب: خوف عدم إقامة حدود الله. والزمخشري يعبر عنه في غير هذا بأنه استثناء من أعمّ العام.
قال ابن عرفة: وهذا يدل بالمطابقة على جواز الخلغ منهما معا وباللزوم على جوازه من المرأة وحدها وأما الزوج فيستحيل ذلك في حقه. وهذا الخلع للزوجين قد يكون للحاكم. ومثاله: إذا زوج الأب ابنه الصغير ومات وأراد القاضي أن يخالع منه.
قوله تعالى: ﴿إِلاَّ أَن يَخَافَآ... ﴾.
ذكر أبو حيان أنّه في موضع الحال.
ورده ابن عرفة بأنّ «أَنْ» الموصولة (أعرف المعارف عندهم والحال لايكون إلا نكرة. قلت: الحال هنا) معنوية لا لفظية والتعريف في اللفظ لا في المعنى.
قوله تعالى: ﴿فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت بِهِ... ﴾.
قيل لابن عرفة: الفدية في اصطلاح الفقهاء هي المخالعة بالبعض لا بالكل وهو مناسب لقوله «أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً».
فقال: اللّغة لا تفسر بإصطلاح. والمناسب هناك منع الخلع بالبعض فيستلزم منعه بالكلّ من باب أحرى. والمناسب هنا إباحة الخلع بالجميع فيستلزم إباحته بالبعض.
قوله تعالى: ﴿وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ الله فأولئك هُمُ الظالمون﴾.
قال ابن عرفة: / إفراد الضمير العائد على (مَنْ) أوّلا (و) جمعه ثانيا مناسب لفظا ومعنى؛ أما اللفظ فالمستحسن عند النحويين معاملة لفظ (من) أولا ثم معناها، وأما المعنى فأفرد ضمير المتعدي تقليلا له ومبالغة في التنفير من صفة التعدي حتى كأنه لا يقع (الأمر)
من أحد. ثم جمع الظالمين لأنه (جزاء) انتقام وعقوبة فالمناسب جمعه (ليعم) كل ظالم حتى يزجر عن ذلك من هذه صفته.
قوله تعالى: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ... ﴾

صفحة رقم 278

قيل لابن عرفة: وما أفاد قوله «من بعد» والكلام يستقل بدونه؟
فقال: أفاد التنبيه على مرجوحية الطلقة الثالثة.
قال ابن عرفة: (وهذا الخلع) هل هو فسخ أو طلاق؟ منهم من قال: لا يكون طلاقا إلا إذا كان بلفظ الطلاق فتقول له: خالعتك على كذا. فيقول: أنت طالق على ذلك، ولو قال وأنا أخالعك على ذلك أو قال: سرّحتك على (ذلك) وخليت سبيلك وأبحت لك الأزواج، فهو فسخ. وهي مسألة وقعت في المغرب في رجل كان يقال له البخاري، لأنه كان يحفظ البخاري، كان طلق زوجته طلاق الخلع ثلاثا بغير لفظ الطلاق، ثم ردها قبل زوج فاختلف الفاسيون. فبعضهم قال: يرجم، وآخرون قالوا: يلزمه الأدب فقط، لأنه خالع بغير لفظ الطّلاق، وحدّوه حينئذ وتركوه. وهي مسالة المدونه إما أن يعذر بجهل أولا، وهذا الرجل كان عالما.
قوله تعالى: ﴿حتى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ... ﴾.
قال سعيد بن المسيب:: إنها تحلّ بالعقد.
قال ابن عرفة: وما حمله عندي إلا أنه يقول: اقتضت الآية أنّها تحل بالعقد، وبينت السنة أنّها لا بد من الوطء. وبهذا كان يرد بعضهم على من قال: كل نكاح في القرآن المراد به العقد إلا (في)
هذه الآية، فكان يقول: بل هو هنا حقيقة في العقد، وبينت السنة أنه لابدّ من الوطء.
قوله تعالى: ﴿إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ الله... ﴾.
ولَمْ يَقُلْ: إن لم يخافا ألاّ يقيما حدود الله، لأن هذه أبلغ في التكليف.
قال ابن عرفة: وأهل بلدنا يكلفونها إذا أرادت الرجوع لمطلقها بالثلاث إثبات كون المحلل غير متّهم لفساد الزمان. وأهل القيروان يكلفونها (إثبات) ذلك عند تزويجها.
وكان الشيخ ابن هارون لما عزل عن قضاء توزر تكلّم معه القاضي ابن عبد السلام في أمور منها أنّه لم يأمر بذلك، فقال ابن هارون: تكليفها بهذا لم يذكره أحد وفيه مشقة عليها، وإنما الصواب أن يعمل على ما اتفقا عليه هي والذي (حللها) لمطلقها. قال: فأنكر ذلك ابن عبد السلام وقال له: سمعت عنك أنك تأخذ في كل صداق دينارا كبيرا وتسرحه، فسكت عنه.

صفحة رقم 279
تفسير ابن عرفة
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن محمد ابن عرفة الورغمي التونسي المالكي
تحقيق
جلال الأسيوطي
الناشر
دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان
الطبعة
الأولى، 2008 م
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية