آيات من القرآن الكريم

فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۗ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ ۖ قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ۖ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ

٢٢٠ - قوله تعالى: ﴿فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ أول هذه الآية موصول بما قبلها، فيجوز أن يكون من صلة التفكر، قال أكثر (١) المفسرين: معناه: هكذا يبين الله لكم الآيات في أمر الدنيا والآخرة، ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾ في زوال الدنيا وفنائها فتزهدوا فيها، وفي إقبال الآخرة وبقائها فترغبوا فيها. ويجوز أن يكون ﴿فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ من صلة التبين، أي: يبين لكم الآيات في أمر الدنيا والآخرة ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾ (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى﴾ قال الضحاك (٣) والسدي (٤) وابن عباس (٥) في رواية العوفي: كانت العرب في الجاهلية يعظمون شأن اليتيم ويشددون (٦) أمره، فلا يؤاكلونه، وكانوا يتشاءمون (٧) بملابسة أموالهم، فلما جاء الإسلام سألنا (٨) عن ذلك رسول الله - ﷺ -، فأنزل الله هذه الآية.
وقال قتادة والربيع (٩) وابن عباس في رواية سعيد بن جبير

(١) قوله: من صلة... في (ش) (أهل أكثر).
(٢) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٩٤، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٩٠١.
(٣) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٧٢ بمعناه، وذكره في "تفسير الثعلبي" ٢/ ٩٠١، "زاد المسير" ١/ ٢٤٤.
(٤) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٧٢ بمعناه، وذكره في "زاد المسير" ١/ ٢٤٤.
(٥) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٧٢ بمعناه، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٩٠١.
(٦) في (ي): (يسدورن).
(٧) في (أ) و (م) و (ي): (يتشامون).
(٨) في (ي) و (ش): (سألوا).
(٩) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٨٩، والطبري بمعناه ٢/ ٣٧٠، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٩٠٢، وعزاه في "الدر المنثور" ١/ ٤٥٦ - ٤٥٧ إلى عبد بن حميد وابن الأنباري والنحاس.

صفحة رقم 159

والوالبي (١): لما نزل في أمر اليتامى ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ﴾ [الإسراء: ٣٤] وقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى﴾ [النساء: ١٠] اعتزلوا أموالهم، وعزلوا طعامهم، واجتنبوا مخالطتهم في كل شيء، حتى كان يصنع لليتيم طعامٌ، فيفضل منه شيء فيتركونه ولا يأكلونه حتى يفسد، وكان صاحب اليتيم يفرد له منزلًا وطعامًا وشرابًا، فعظم ذلك على ضَعَفَةِ المسلمين، فقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله! ما لكلنا منازل يسكنها الأيتام (٢)، ولا كلُّنا يجد طعامًا وشرابًا يفردهما (٣)، ونزلت: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ﴾ عني: الإصلاح لأموالهم من غير أجرة ولا أخذ عوض منهم خير وأعظم أجرًا، وقيل: مخالطتهم بالإصلاح لهم وتعريفهم ما فيه حظهم خير من التفرد منهم (٤).
﴿وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ﴾ أي: تشاركوهم في أموالهم وتخلطوها بأموالكم، فتصيبوا من أموالهم عوضًا من قيامكم بأمورهم، أو تكافؤهم على ما تصيبون من أموالهم.
والمخالطة: جَمْعٌ يَتَعَذَّرُ معه التمييز، يقال: استَخْلط الفَحْل: إذا

(١) رواه عنه الطبري ٢/ ٣٧٠، وذكره الثعلبي ٢/ ٩٠٢.
(٢) قول ابن عباس من رواية سعيد رواه أبو داود (٢٨٧١) كتاب الوصايا، باب: مخالطة اليتيم في الطعام، والنسائي ٦/ ٢٥٦ كتاب الوصايا، باب: ما للموصى من مال اليتيم، وأحمد ١/ ٣٢٥، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٧٠ - ٣٧١، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٣٩٥ وغيرهم. وقول ابن عباس من رواية الوالبي (علي بن أبي طلحة) رواه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ٢٣٨، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٧١، والجصاص في "أحكام القرآن" ١/ ٣٣٠ وغيرهم.
(٣) في (ش): (نفردهما) وفي (ي): (يردهما).
(٤) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٩٠٣.

صفحة رقم 160

خالطَ قُبُلُه (١) حَيَا الناقَةِ، ومنه يقال للجماع: الخِلاطُ، ويقال خولط
الرجل: إذا جُنّ، والخلاط (٢): الجنون، لاختلاط الأمور على صاحبه
بزوال عقله (٣).
وقوله تعالى: ﴿فَإِخْوَانُكُمْ﴾ أي: فهم إخوانكم. والإخوان يعين بعضهم بعضًا، ويصيب بعضهم (٤) من مال بعض (٥)، ومثله قوله: ﴿فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ [الأحزاب: ٥].
قال الفراء: ولو نصبته كان صوابًا، يُرِيد: فإخوانَكُم تخالطون (٦)، وانما يرفع من هذا ما حسن فيه هو، فإذا لم يحسن أجريته على ما قبله، فقلت: إن اشتريت طعامًا فَجَيِّدًا، أي: اشْتَرِ جَيدًا، وإن لبستَ ثِيابًا فالبياضَ، تنصب لأن هو (٧) لا يحسن هاهنا، والمعنى هاهنا مخالفٌ للأول، ألا ترى أنك تجد القوم إخوانًا وإن لم تخالطوهم (٨)، ولا تجد كل ما تلبس (٩) بياضًا ولا ما تشتري جيدًا، فإن نويت أن ما ولي شراءه

(١) في (ش): (قبلة).
(٢) في (ي): (المخالط).
(٣) بنظر في خلط "تهذيب اللغة" ١/ ١٠٨٣، ١٠٨٤، "المفردات" ص١٦١، "عمدة الحفاظ" ١/ ٦٠٠ - ٦٠١، "اللسان" ٢/ ١٢٢٩ - ١٢٣٢ (خلط).
(٤) في (ش): (يصيب بعضهم بعضَا من مال بعض).
(٥) "تفسير الثعلبي" ٢/ ٩٠٤.
(٦) ينظر: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٣١٠.
(٧) في (ش): (ها).
(٨) عبارة الفراء في "معاني القرآن" ١/ ١٤٢: ألا ترى أنك تجد القوم إخوانًا وإن جحدوا.
(٩) في (ش): (تلتبس).

صفحة رقم 161

فَجَيّدٌ (١) رفعتَ، إذا كان الرجل قد عُرِفَ بجودةِ الشراءِ أو بلبس البياض (٢).
قال أبو عبيد: هذه الآية عندي أصل للتناهد (٣) الذي يفعله الرفاق في الأسفار، ألا ترى أنهم يخرجون النفقات بالسوية ويتباينون في قلة المطعم وكثرته، فلما جاء هذا في أموال اليتامى واسعًا كان في غيرهم بحمد الله واسعًا (٤).
وقوله تعالى ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾ أي: المفسد لأموالهم من المصلح لها، فاتقوا الله في مال اليتيم ولا تجعلوا مخالطتكم إياهم ذريعة إلى إفساد (٥) أموالهم وأكلها بغير حق (٦).
وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ﴾ معنى الإعنات: الحمل على مَشَقَّةٍ لا تُطَاقُ ثَقِلًا، يقال: أعَنتَ فلانٌ فلانًا، أي: أوقعه فيما لا يستطيع الخروج منه، وتَعَنَّتَه تَعَنُّتًا إذا لَبَّسَ عليه في سؤاله له، وعَنَتَ العظمُ المجبورُ، إذا انكسر بعد الجبر، وأصل الحرف من المشقة، أَكَمَةٌ عَنوت: إذا كانت شاقةً كَؤُودًا (٧).

(١) في (أ) و (م): (جيد).
(٢) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٤١ - ١٤٢ بتصرف يسير.
(٣) في (ي): (المشاهد)، وفي (ش): (للمتناهد).
(٤) "الناسخ والمنسوخ" لأبي عبيد ص ٢٤٠.
(٥) في (ي) و (ش) (فساد).
(٦) من "تفسير الثعلبي" ٢/ ٩٠٥.
(٧) ينظر في عنت: "تفسير غريب القرآن" ص ٧٦، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٩٤ - ٢٩٥، "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٥٨٥ - ٢٥٨٦، "المفردات" ص ٣٥٢ وقال: المعانتة: كالمعاندة لكن المعانتة أبلغ؛ لأنها معاندة فيها خوف وهلاك، ولهذا يقال: عنت فلان إذا وقع في أمر يخاف منه التلف يعنَت عنتا، وينظر: "عمدة الحفاظ" ٣/ ١٥٦، "لسان العرب" ٥/ ٣١٢٠.

صفحة رقم 162
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية