
لَا إِكْراهَ فِي الدِّينِ [الْبَقَرَة: ٢٥٦] عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ فِي الدِّينِ هُوَ إِكْرَاهُ النَّاسِ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ أَدْيَانِهِمْ وَالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ وَأَمَّا هَذَا فَهُوَ مِنِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْبَقَاءِ فِي الْإِسْلَام.
[٢١٨]
[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ٢١٨]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢١٨)
قَالَ الْفَخْرُ: فِي تَعَلُّقِ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَبْ أَنَّهُ لَا عِقَابَ عَلَيْنَا فِيمَا فَعَلْنَا، فَهَلْ نَطْمَعُ مِنْهُ أَجْرًا أَوْ ثَوَابًا؟
فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ مُؤْمِنًا وَمُهَاجِرًا وَكَانَ بِسَبَبِ هَذِهِ الْمُقَاتَلَةِ مُجَاهِدًا (يَعْنِي فَتَحَقَّقَتْ فِيهِ الْأَوْصَافُ الثَّلَاثَةُ). الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَوْجَبَ الْجِهَادَ بِقَوْلِهِ: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ [الْبَقَرَة: ٢١٦] أَتْبَعَ ذَلِكَ بِذكر من يَقُول بِهِ اهـ، وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ تَعْقِيبَ مَا قَبْلَهَا بِهَا مِنْ بَابِ تَعْقِيبِ الْإِنْذَارِ بِالْبِشَارَةِ وَتَنْزِيهٌ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنِ احْتِمَالِ ارْتِدَادِهِمْ فَإِنَّ الْمُهَاجِرِينَ لَمْ يَرْتَدَّ مِنْهُمْ أَحَدٌ. وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ آيَاتِ التَّشْرِيعِ.
وَ (الَّذِينَ هَاجَرُوا) هُمُ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ فِرَارًا بِدِينِهِمْ، مُشْتَقٌّ مِنَ الْهَجْرِ وَهُوَ الْفِرَاقُ، وَإِنَّمَا اشْتُقَّ مِنْهُ وَزْنُ الْمُفَاعَلَةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ هَجْرٌ نَشَأَ عَنْ عَدَاوَةٍ مِنَ الْجَانِبَيْنِ فَكُلٌّ مِنَ الْمُنْتَقِلِ وَالْمُنْتَقَلِ عَنْهُ قَدْ هَجَرَ الْآخَرَ وَطَلَبَ بُعْدَهُ، أَوِ الْمُفَاعَلَةُ لِلْمُبَالَغَةِ كَقَوْلِهِمْ: عَافَاكَ اللَّهُ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هَجَرَ قَوْمًا هَجْرًا شَدِيدًا، قَالَ عَبْدَةُ بْنُ الطَّيِّبِ:
إِنَّ الَّتِي ضَرَبَتْ بَيْتًا مُهَاجَرَةً | بِكُوفَةَ الْجُنْدِ غَالَتْ وُدَّهَا غُولُ |
وَ (فِي) لِلتَّعْلِيلِ.
وَ (سَبِيلِ اللَّهِ) مَا يُوصِلُ إِلَى رِضَاهُ وَإِقَامَةِ دِينِهِ، وَالْجِهَادُ وَالْمُجَاهَدَةُ مِنَ الْمُصْطَلَحَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ الإسلامية.
وَكَرَّرَ الْمَوْصُولَ لِتَعْظِيمِ الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ كَأَنَّهُمَا مُسْتَقِلَّانِ فِي تَحْقِيقِ الرَّجَاءِ. صفحة رقم 337