آيات من القرآن الكريم

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ
ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ

بالقول، أى يعجبك ما يقوله في معنى الدنيا لأنّ ادّعاءه المحبة بالباطل يطلب به حظا من حظوظ الدنيا ولا يريد به الآخرة، كما تراد بالإيمان الحقيقي والمحبة الصادقة للرسول: فكلامه إذاً في الدنيا لا في الآخرة. ويجوز أن يتعلق بيعجبك، أى قوله حلو فصيح في الدنيا فهو يعجبك، ولا يعجبك في الآخرة لما يرهقه في الموقف من الحبسة واللكنة، أو لأنه لا يؤذن له في الكلام فلا يتكلم حتى يعجبك كلامه وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ أى يحلف ويقول: اللَّه شاهد على ما في قلبي من محبتك ومن الإسلام. وقرئ: ويشهد اللَّه. وفي مصحف أبىّ: ويستشهد اللَّه: وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ وهو شديد الجدال والعداوة للمسلمين. وقيل: كان بينه وبين ثقيف «١» خصومة فبيتهم ليلا وأهلك مواشيهم وأحرق زروعهم. والخصام: المخاصمة. وإضافة الألدّ بمعنى في، كقولهم: ثبت الغدر. أو جعل الخصام ألدّ على المبالغة. وقيل الخصام: جمع خصم، كصعب وصعاب، بمعنى وهو أشد الخصوم خصومة وَإِذا تَوَلَّى عنك وذهب بعد إلانة القول وإحلاء المنطق سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها كما فعل بثقيف. وقيل (وَإِذا تَوَلَّى) وإذا كان واليا فعل ما يفعله ولاة السوء من الفساد في الأرض بإهلاك الحرث والنسل. وقيل: يظهر الظلم حتى يمنع اللَّه بشؤم ظلمه القطر فيهلك الحرث والنسل. وقرئ: ويهلك الحرث والنسل، على أن الفعل للحرث والنسل. والرفع للعطف على سعى. وقرأ الحسن بفتح اللام، وهي لغة. نحو: أبى يأبى. وروى عنه: ويهلك، على البناء للمفعول أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ من قولك: أخذته بكذا، إذا حملته عليه وألزمته إياه، أى حملته العزة التي فيه وحمية الجاهلية على الإثم الذي ينهى عنه، وألزمته ارتكابه، وأن لا يخلى عنه ضرارا ولجاجا. أو على ردّ قول الواعظ.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٠٧]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (٢٠٧)
يَشْرِي نَفْسَهُ يبيعها أى يبذلها في الجهاد. وقيل: يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حتى يقتل، وقيل: نزلت في صهيب بن سنان: أراده المشركون على ترك الإسلام وقتلوا نفرا كانوا معه، فقال لهم: أنا شيخ كبير، إن كنت معكم لم أنفعكم وإن كنت عليكم لم أضرّكم، فخلوني وما أنا عليه وخذوا مالى. فقبلوا منه ماله وأتى المدينة وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ حيث كلفهم الجهاد فعرضهم لثواب الشهداء.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٠٨ الى ٢٠٩]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٠٨) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٠٩)

(١). قوله «وقيل كان بينه وبين ثقيف» الضمير للأخنس بن شريق (ع)

صفحة رقم 251

السلم) بكسر السين وفتحها. وقرأ الأعمش بفتح السين واللام، وهو: الاستسلام والطاعة، أى استسلموا للَّه وأطيعوه كَافَّةً لا يخرج أحد منكم يده عن طاعته. وقيل هو الإسلام. والخطاب لأهل الكتاب لأنهم آمنوا بنبيهم وكتابهم، أو للمنافقين لأنهم آمنوا بألسنتهم.
ويجوز أن يكون كافة حالا من السلم، لأنها تؤنث كما تؤنث الحرب. قال:

السِّلْمُ تَأْخُذُ مِنْهَا مَا رَضِيتَ بِهِ وَالْحَرْبُ يَكْفِيكَ مِنْ أَنْفَاسِهَا جُرَعُ «١»
على أنّ المؤمنين أمروا بأن يدخلوا في الطاعات كلها. وأن لا يدخلوا في طاعة دون طاعة. أو في شعب الإسلام وشرائعه كلها، وأن لا يُخلوا بشيء منها. وعن عبد اللَّه بن سلام أنه استأذن رسول اللَّه
(١).
أبا خراشة أما أنت ذا نفر فان قومي لم تأكلهم الضبع
إن تك جلمود بصر لا أؤبسه أوقد عليه فأحميه فينصدع
السلم تأخذ منها ما رضيت به والحرب يكفيك من أنفاسها جرع
للعباس بن مرداس يخاطب خفاف بن ندبة. وأما أنت: أصله لأن كنت، فحذفت لام التعليل وكان الناقصة، فانفصل ضميرها ونابت عنها ما، وأدغمت فيها أن المصدرية. وقال الكوفيون تأتى «أن» بالفتح شرطية كان بالكسر، وعلى هذا فلا حاجة لتقدير لام التعليل، والمعنى على الشرط والجواب. والضبع: السنة المجدبة، أو الحيوان المعروف.
والبصر: حجارة تضرب إلى بياض، واحدة بصرة. وقيل هي بمعناه، وأبسه تأبيساً: ذلله وكسره. يقول يا أبا خراشة، لأن كنت صاحب جيش افتخرت على، لا تفعل ذلك فان قومي موجودون كثيرون. وكنى عن ذلك بعدم أكل الضبع إياهم. ويحتمل أن فيه تعريضا أيضا، ثم قال: إن تكن كصخر من الحجارة لا أقدر على تأبيسه وتكسيره لصلابته، أو قد عليه نار الحرب بمعاونة الفرسان لي فأحرقه فينشق وينكسر فالايقاد استعارة مصرحة، والاحماء ترشيح. أو إن لم أغلبك على العادة تحيلت حتى أغلبك، كما يتحيل بكسر الحجر بالنار. وأتى بضمير الغيبة نظراً للخبر، ورفع أحميه وينصدع بعد الشرط المضارع قليل ضعيف، سيما مع عطفهما على المجزوم، ولعله توهم جزمه. والسلم بالفتح وبالكسر: الصلح تأخذ منها ما يكفيك من طول المدة، أو تأخذ منا بسببها. وأما الحرب فيكفيك منها القليل، فتنكير جرع للتقليل. وشبه الحرب بنار منحبسة في ظرف ذى منافذ تخرج منها أنفاس، وشبه الأنفاس بماء على طريق المكنية والأنفاس تخييل للأولى والجرع تخييل للثانية، وفيها نوع تهكم حيث شبه الحار بالبارد، كأنه يسقيه من أنفاسها. ويروى «في السلم تأخذ منا ما رضيت به» أى تأخذ منا شيئا كثيراً في زمن الصلح، ولا تطيق من حربنا إلا قليلا لكن هذه الرواية إنما تدل على تأنيث السلم، بطريق المقابلة للحرب.

صفحة رقم 252
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية