
وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٢٠٢) قال الحسن اسرع من لمح البصر وقيل معناه إتيان القيامة قريب فاطلبوا الاخرة-.
وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ وهى ايام التشريق سميت معدودات لقلتهن كذا روى عن ابن عباس وغيره ويدل على ذلك قوله تعالى فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ من ايام التشريق يعنى استعجل في النفر ونفر في ثانى ايام التشريق- اتفقوا على انه من لم ينفر ودخل عليه الثالث من ايام التشريق وجب عليه رمى ذلك اليوم واختلفوا في انه هل يعتبر دخول الليلة الثالثة من ليالى ايام التشريق او الثالث من أيامها فقال الجمهور المعتبر دخول الليل فمن اقام بمنى حتى دخلت الليلة الثالثة لا يحل له النفر حتى يرمى الجمار في اليوم الثالث- وقال ابو حنيفة لا يجب ذلك حتى يصبح بمنى وله ان ينفر من الليل وإذا طلع الفجر لزمه الرمي- قال ابو حنيفة وقت الرمي انما هو النهار فمن نفر من الليل كان كمن سافر قبل وقت الجمعة- وقال غيره الليل وان لم يكن وقت المرمى فهو وقت للمبيت والمبيت بمنى واجب فبعد دخول الليل وجب المبيت فلا يحل النفر- والله اعلم فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ فانه أخذ بالرخصة وَمَنْ تَأَخَّرَ فى النفر حتى يرمى اليوم الثالث فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وهو اولى وأفضل وفيه رد على اهل الجاهلية كان منهم من اثم المتعجل ومنهم من اثم المتأخر لِمَنِ اتَّقى اى هذه الاحكام لمن اتقى فانه هو المنتفع به- وقيل لمن اتقى ان يصيب في حجه شيئا مما نهاه الله عنه رجع مغفورا لا ذنب عليه سواء تعجل في النفر او تأخر قال البغوي هذا قول على وابن مسعود رضى الله عنهما- ويؤيده من المرفوع قوله ﷺ من حج لله ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته امه- متفق عليه من حديث ابى هريرة وعنه في الصحيحين مرفوعا الحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة- وعن ابن مسعود قال- قال رسول الله ﷺ الحج والعمرة ينفيان الفقر والذنوب كما ينفى الكبير خبث الحديد رواه الشافعي والترمذي وعن عمر ونحوه رواه احمد اعلم ان المقام بمنى ايام التشريق والمبيت بها في لياليها وكذا الرمي ليس بركن اجماعا لقوله تعالى فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ فان الترتيب والتعقيب يدل على المغائرة- واختلفوا فى وجوبها فقال احمد المبيت والرمي كلاهما واجبان- وقال مالك المقام والمبيت واجب والرمي سنة مؤكدة- وقال ابو حنيفة بالعكس وهو رواية عن احمد- وللشافعى قولان أحدهما كاحمد والثاني كابى حنيفة- وقال بعضهم انما شرع الرمي حفظا للتكبير فان ترك وكبر أجزأه حكاه ابن جرير

عن عائشة وغيرها وهذا المذهب يوافق ظاهر الاية لكنه خلاف ما استقر عليه الإجماع احتج احمد بهذه الاية وقال هذه الاية يحتمل إيجاب الامرين وفعل رسول الله ﷺ التحق بيانا لاجمالها وقد قال عليه السلام خذوا عنى مناسككم- وقال ابو حنيفة- المقصود بالمقام والمبيت هو الرمي بدليل ما رواه البخاري عن ابن مسعود انه رمى من بطن الوادي فقيل له ان نا ساير مونها من فوقها فقال والذي لا الله غيره هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة فان هذا القول اشارة الى ان هذه الاية في الرمي لا غير- وما رواه عاصم بن عدى قال- أرخص رسول الله ﷺ لرعاء الإبل في البيتوتة بمنى يرمون يوم النحر ثم- يرمون الغدو من بعد الغد ثم يرمون يوم النفر- رواه مالك وغيره وفي النسائي رخص للرعاء فى البيتوتة يرمون يوم النحر واليومين الذين بعده يجمعونهما في أحدهما- قال مالك تفسير الحديث انهم يرمون يوم النحر فاذا مضى اليوم الذي يلى يوم النحر رموا من الغد وذلك اليوم النفر الاول يرمون اليوم الذي مضى قضاء ثم يرمون ليومهم وجه الاحتجاج ان إيجاب قضاء الرمي دون المبيت دليل على وجوب الرمي مقصودا وعدم وجوب المبيت الا تبعا للرمى- قال احمد الترخيص في المبيت للرعاء للضرورة لا يدل على عدم الوجوب مطلقا بل يدل على الوجوب فان الرخصة لا يكون الا فيما هو واجب- والحجة لمالك انه قد روى عن عمر وابنه انهما كانا يكبران تلك الأيام خلف الصلوات وفي المجالس وعلى الفراش والفسطاط وفي الطريق ويكبر الناس بتكبيرهما ويتاولان هذه الاية- وجه الاحتجاج ان الذكر في ايام التشريق مطلقا سواء كان بمنى او غيره ليس
بواجب اجماعا بل هو مقيد بمنى يدل عليه قوله تعالى فَمَنْ تَعَجَّلَ يعنى في النفر الاية ولا شك ان المقام هناك بنية التقرب ذكر وانضمام الذكر اللساني اولى وأفضل فمحمل الاية هو المقام بمنى دون الرمي قلنا هذا لا ينافى ان يكون محمل الاية كلا الامرين المقام والرمي كما لا يخفى والله اعلم واعلم انه ثبت بالسنة وهو بيان لا جمال الاية ان الرمي يوم النحر في جمرة العقبة بسبع حصيات ووقته من طلوع الفجر يوم النحر عند ابى حنيفة ومالك- ومما بعد نصف الليل من ليلة النحر عند احمد والشافعي- ومن طلوع الشمس يوم النحر عند مجاهد والحجة لمجاهد حديث ابن عباس ان رسول الله ﷺ قدّم ضعفة اهله وقال لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس- رواه الترمذي وقال هذا حديث صحيح- قلنا هذا محمول على الاستحباب ويدل على الجواز بعد الصبح قبل طلوع الشمس ما رواه الطحاوي بأسانيده عن ابن عباس ان رسول الله ﷺ بعثه مع النقل وقال لا ترموا

الجمرة حتى تصبحوا «١» - وهو حجة لنا على الشافعي واحمد في عدم جواز الرمي قبل الصبح- وما احتج به الشافعي واحمد من حديث عائشة قالت أرسل رسول الله ﷺ أم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فافاضت- رواه الدارقطني حديث ضعيف في سنده لا ضحاك بن عثمان لينه القطان ثم هو محمول على انها «٢» رمت قبل صلوة الفجر لا قبل طلوع الفجر فهو حجة لنا على مجاهد- واخر وقته عند ابى يوسف الى الزوال لانه ﷺ رمى الجمرة- يوم النحر ضحوة- وعند الجمهور الى الغروب لحديث ابن عباس قال كان النبي ﷺ يسئل يوم النحر بمنى فيقول لا حرج- فساله رجل فقال حلقت قبل ان اذبح قال اذبح ولا حرج- قال رميت بعد ما أمسيت فقال لا حرج- رواه البخاري وغيره ومعنى قوله بعد ما أمسيت اى بعد الزوال إذ المساء يطلق على بعد الزوال وليس المراد بعد الغروب لان يوم النحر يطلق قبل الغروب لا بعده وفي بعض طرق الحديث صريح ان السؤال كان وقت الظهر- واخر وقته المكروه الى طلوع الفجر من اليوم الحادي عشر لان النبي ﷺ رخص للرعاء ان يرموا ليلا رواه ابن ابى شيبة عن ابن عباس وهذا يدل على الجواز للمعذور وعلى الكراهة لغير المعذور والرمي فى ايام التشريق في ثلثة جمار الجمرة الدنيا والجمرة الوسطى والجمرة العقبة يرمى عند كل جمرة بسبع حصيات وأول وقتها في أول ايام التشريق يعنى يوم القرار «٣» وثانيها يعنى يوم النفر الاول بعد الزوال اجماعا لما في حديث جابر وغيره- ثم لم يرم النبي ﷺ حتى زالت الشمس واخر وقته في كل يوم بلا كراهة الى الغروب وللمعذورين الى طلوع الفجر من اليوم الثاني وذلك مع كراهة لغير المعذور لما مر انه ﷺ رخص للرعاء ان يرموا ليلا وكذا في اليوم الثالث من ايام التشريق يوم النفر الاخر عند الجمهور وبه قال ابو يوسف ومحمد غير انه لا يجوز الرمي بعد الغروب من ذلك اليوم اجماعا لان تلك الليلة ليست من ايام التشريق- وقال ابو حنيفة يجوز الرمي في ذلك اليوم قبل الزوال- ولم اطلع على دليل لهذا القول غير ما ذكر ابن همام عن ابن عباس انه قال إذا انتفخ النهار من يوم النفر فقد حل الرمي والصدر- رواه البيهقي قال والانتفاخ الارتفاع- وفي سنده طلحة بن عمرو ضعفه البيهقي وابن معين والدارقطني وقال احمد متروك الحديث- وهل يشترط الترتيب بين الجمار في ايام التشريق فعند الجمهور الترتيب واجب وعند ابى حنيفة سنة- وجه قول الجمهور- ان كل شىء لا يدرك بالرأى فرعاية جميع الخصوصيات الواردة فيه واجب ولم ينقل فوات الترتيب- وقال ابو حنيفة لو كان الرمي
(٢) فى الأصل انه
(٣) فى الأصل يوم القر