
قوله تعالى: ﴿فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحج... ﴾.
نقل ابن التلمساني في شرح المعالم الفقهية عن الإمام مالك رضي لله عنه: إنّ أقل الجمع اثنان، وقال الباجي في الفصول: المشهور عن مالك وعن أصحابه أن أقل الجمع ثلاثة إلا ابن خويز منداد فإنه قال أقله اثنان. واحتج الأولون بقوله: ﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الحرث إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ القوم وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ﴾ وأجيب باحتمال أنْ يريد بالضمير الفاعل والمفعول معا، أي الحاكم المحكوم عليه.
وردّه ابن التلمساني بإلزام كون الضمير فاعلا ومفعولا في حالة واحدة فيكون مرفوعا منصوبا، انظر المسألة الخامسة من الباب الثالث.
قوله تعالى: ﴿فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ... ﴾.
قال أبو حيان: قرأ الأعمش رفوث.
قال ابن عرفة: هو إما جمع بناء على أن جمع المصدر إذا اختلفت أنواعه إما قياسا كما قال ابن عصفور أو سماعا كما قال ابن أبي الربيع وابن هشام، وإمّا مفردا.
قلت: مثل قعود ووقوف وكقولك: أقل أفولا، ولزم لزوما، والجمع كالحلوم وأما «رَفَثَ» فمثل قولك وَجِلَ وَجَلا وخَجل خجلا.
قوله تعالى: ﴿وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ الله... ﴾.
إن قلت: المتقدم نهي وامتثاله بالترك كما أنّ امتثال الأمر بالفعل، فهلا عقب بأن يقال: وما تتركوا من شيء يَعْلَمَهُ اللهُ؟
قيل لابن عرفة: نقول إن الترك فعل؟ فقال: البحث على أنّه غير فعل.
قال: وإنّما الجواب بما قال ابن الحاجب من أنّ نقيض الجلي (جلي)، ونقيض الخفي خفي فالإخبار بأن الله تعالى يعلم الفعل يستلزم معرفته نقيض ذلك وهو الترك وإنّما عدل على التنصيص على ذلك بالمطابقة إلى دلالة الالتزام ليفيد الكلام أمرين، وهو الحض على عدم الاقتصار على ترك ذلك فقط فيتضمن طلب تركه وطلب تعويضه بفعل الخير المحصل للثواب فإنه تعالى عالم بمن يترك ذلك ويفعل الخير فنبه على الترك والفعل.
قوله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ... ﴾.

سبب نزول هذه الآية أَنَّهم كانو يتوهمون أن سفر الحاج إذا خالطته نية التجارة ينقص من ثوابه أو يوقع في الإثم، فنزلت
الآية. وقوله «مِّن رَّبِّكُمْ» دليل على أنّ المراد التجارة بالمال الحلال أما الحرام فلا.
قيل لابن عرفة: كله من الله؟ فقال: أما باعتبار القدرة فنعم، وأمّا باعتبار الإذن فلا، والآية خرجت مخرج الإذن ورفع الحرج.
ابن عطية: الجناح أعم من الإثم لأنه فيما يقتضي العقاب وفيما يقتضي العقاب والزجر.
قال ابن عرفة: والنفي ب (ليس) لما يتوهم وقوعه والإثم كان متوهما وقوعه في سفر الحج للتجارة بخلاف النفي ب (لا). حسبما ذكره المنطقيون في السالبة والمعدومة، مثل: الحائط لا يبصر، وزيد ليس يبصر، أو غير بصير.
قوله تعالى: ﴿فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فاذكروا الله... ﴾.
ذكر الزمخشري هنا أنّ التاء في (بنت) ليست للتأنيث.
قال ابن عرفة: يقال له بل للتأنيث لأن المذكر «ابن» المؤنث «بنت» وعادتهم يجيبون بأن تاء التأنيث لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا كفاطمة.
أبو حيان: منهم من قال: العامل في «إذا» «فَاذْكُرُوا» قال (وأخذ) من الآية أن جواب «إذَا» لا يعمل فيها لأن مكان إنشاء الإفاضة غير مكان الذكر فإذا اختلف المكان لزم منه ضرورة اختلاف الزمانين فلا يجوز أن يكون الذكر عند المشعر الحرام واقعا عند انشاء الإفاضة.
قيل لابن عرفة: نقول: إنه يذكر الله تعالى عند آخر أزمنة انفصاله من عرفات إلى المشعر الحرام، فقال: هذا صحيح لو لم يكن بين المكانين فاصل، وإنما الجواب الذي عادتهم يقولونه: إنّك تقول إذا قدم زيد من سفره فاكرمه بعد قدومه بيوم، فالعامل في «إذا» هو أكرمه مع اختلاف الزمان.
قال: عادتهم يقولون: ليس العامل في إذا أكرمته بذاته، بل لاستلزامه معنى فعل آخر يصح عمله تقديره: إذا قدم زيد فاعلم أنّكَ مكلف بإكرامه بعد قدومه بيوم، وكذلك (تفهَم) هذه الآية فلا يتم لأبي حيان الرد بهما على من يقول العامل في «إذا» جوابُها.
قوله تعالى: ﴿واذكروه كَمَا هَدَاكُمْ... ﴾.