
قَالُوا: «مَا رَأَيْنَا كَالأَنْصَارِ»، وأثنوا علَيْهم خيراً.
وقوله سبحانه: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى... الآية: قال ابن عُمَرَ وغيره:
نزلَتِ الآية في طائفةٍ من العرب، كانت تجيء إِلى الحج بلا زادٍ، ويبقون عالة على النَّاس، فأمروا بالتزوُّد «١»، وقال بعض النَّاس: المعنى: تزوَّدوا الرفيقَ الصالحَ، وهذا تخصيصٌ ضعيفٌ، والأولى في معنى الآية: وتزوَّدوا لمعادِكُمْ من الأعمال الصالحة، قُلْتُ: وهذا التأويلُ هو الذي صَدَّر به الفخْرُ «٢» وهو الظاهرُ، وفي قوله: فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى حضّ على التقوى.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٩٨ الى ١٩٩]
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (١٩٨) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٩)
وقوله تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ... الآية: الجُنَاحُ: أعم من الإثم لأنه فيما
وقال الترمذي: هذا حديث حسن جيد غريب، لا نعرفه من حديث أسامة بن زيد، إلا من هذا الوجه. اهـ.
وصححه ابن حبان برقم (٣٤١٣).
وقال الترمذي أيضا: وقد روي عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلم بمثله، وسألت محمدا فلم يعرفه اهـ. قلت:
والحديث الذي أشار إليه الترمذي:
أخرجه ابن أبي شيبة (٩/ ٧٠)، والبزار (٢/ ٣٩٧- كشف) رقم (١٩٤٤)، والطبراني في «الصغير» (٢/ ١٤٩)، كلهم من طريق موسى بن عبيدة الربذي، عن محمد بن ثابت، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «إذا قال الرجل لأخيه: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْراً فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ».
قال البزار: ومحمد بن ثابت لا نعلم روى عنه إلا موسى بن عبيدة، ولا روى عن أبي هريرة هذا الحديث غيره.
والحديث ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٤/ ١٥٣)، وقال: رواه البزار، وفيه موسى بن عبيدة، وهو ضعيف.
(١) أخرجه الطبري في (٢/ ٢٩٠) رقم (٣٧٣٢)، وذكره البغوي في «معالم التنزيل» (١/ ١٧٣)، وابن عطية في «المحرر الوجيز» (١/ ٢٧٣)، والسيوطي في «الدر المنثور» (١/ ٣٩٨)، وعزاه إلى ابن جرير، وابن مردويه، عن ابن عمر.
(٢) ينظر: «التفسير الكبير» (٥/ ١٤٣).

يقتضي العقابَ، وفي ما يقتضي الزجْرَ والعتاب.
٥٠ ب وتَبْتَغُوا: معناه: تَطْلبوا، أي: لا دَرك «١» في أنْ تتجروا وتطلبوا/ الرحب.
وقوله تعالى: فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ: أجمع أهْل العْلمِ على تمامِ حجِّ من وقف بعرفاتٍ بعد الزوال، وأفاض نهاراً قبل الليل إِلا مالك بن أنس، فإِنه قال: لا بدَّ أن يأخذ من الليل شيئاً، وأمَّا من وقف بعرفة ليلاً، فلا خلافَ بيْن الأمَّة في تمام حَجِّه.
وأفاض القومُ أو الجيشُ، إِذا اندفعوا جملةً، واختلف في تسميتها عرفةَ، والظاهر أنه اسم مرتجلٌ كسائر أسماء البقاع، وعرفةُ هي نَعْمَانُ الأَرَاكِ «٢»، والمَشْعَر الحَرَامُ جمعٌ كله، وهو ما بين جبلَيِ المزدَلِفَةِ من حَدِّ مفضى مَأْزِمَي «٣» عرفَةَ إِلى بطن مُحَسِّرٍ «٤»، قاله ابن عبَّاس وغيره «٥»، فهي كلُّها مشعر «٦» إِلا بطن مُحَسِّرٍ كما أن عرفة كلُّها موقف إِلا بطن عُرَنَةَ «٧» بفتح الراء وضمها، وروي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنَّهُ قَالَ: «عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إِلاَّ بَطْنَ عُرَنَةَ، والمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَشْعرٌ، أَلاَ وارتفعوا عَنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ» «٨»، وذكر هذا عبد اللَّه بن
(٢) هو واد في طريق الطائف يخرج إلى عرفات. ينظر: «لسان العرب» (٤٤٨٤) (نعم).
(٣) المأزم: كل طريق ضيق بين جبلين، ومنه سمي الموضع الذي بين المشعر وعرفة مأزمين.
ينظر: «لسان العرب» (٧٤) (أزم).
(٤) ومحسّر: بضم الميم، وفتح الحاء، بعدها سين مهملة مشددة مكسورة، بعدها راء، كذا قيده البكري:
وهو واد بين «مزدلفة» و «منى»، وقيل: سمي بذلك لأن فيل أصحاب الفيل حسّر فيه، أي: أعيا. وقال البكري: هو واد ب «جمع». وقال الجوهري: هو موضع ب «منى». ينظر: «المطلع» (١٩٦- ١٩٧).
(٥) أخرجه الطبري في «التفسير» (٢/ ٢٩٨) رقم (٣٧٩٨)، وذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (١/ ٢٧٤)، والسيوطي في «الدر المنثور» (١/ ٤٠١)، وعزاه إلى وكيع، وابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس.
(٦) المشعر الحرام، بفتح الميم، قال الجوهري: وكسر الميم لغة، وهو موضع معروف ب «مزدلفة»، ويقال له: «قزح». وقد تقدم أن المشعر الحرام و «قزح»، من أسماء المزدلفة، فتكون «مزدلفة» كلها سميت بالمشعر الحرام، و «قزح»، تسمية للكل باسم البعض، كما سمي المكان كله: «بدرا» باسم ماء به، ويقال له: «بدر». ينظر: «المطلع» (١٩٧).
(٧) بضم العين، وفتح الراء والنون بين عرفة والمزدلفة. وكل طريق بين جبلين فهو مأزم، وموضع الحرب أيضا: مأزم. قال الجوهري: ومنه سمي الموضع الذي بين المشعر الحرام وعرفة: مأزمين.
ينظر: «المطلع» (١٩٦).
(٨) بدون الاستثناء لعرفة ومحسر: أخرجه: مسلم (٢/ ٨٨٦: ٨٩٢) كتاب «الحج»، باب حجة النبي صلّى الله عليه وسلم، حديث (١٤٧/ ١٢١٨)، وغيره من حديث جابر في حديثه الطويل في صفة حج النبي صلّى الله عليه وسلم، المعروف من رواية محمد بن علي، عن جابر. -

ولفظه، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «كل عرفة موقف، وكل مزدلفة موقف، ومنى كلها منحر، وكل فجاج مكة طريق ومنحر».
وورد أيضا من حديث علي: أخرجه أبو داود (٢/ ٤٧٨)، كتاب «المناسك» (الحج)، باب الصلاة بجمع (١٩٣٥)، والترمذي (٣/ ٢٣٢)، كتاب «الحج»، باب ما جاء أن عرفة كلها موقف، حديث (٨٨٥)، وابن ماجة (٢/ ١٠٠١)، كتاب «المناسك»، باب الموقف بعرفات، حديث (٣٠١٠)، والبيهقي (٥/ ١٢٢)، كتاب «الحج»، باب حيث ما وقف من «المزدلفة» أجزأه، وأحمد (١/ ٧٦).
وقال الترمذي: حسن صحيح.
أما بزيادة الاستثناء المذكور، فورد من حديث جبير بن مطعم، وجابر، وابن عباس، وأبي هريرة، وحبيب بن حماشة، وابن عمر.
حديث جبير بن مطعم:
أخرجه أحمد (٤/ ٨٢)، والبزار (٢/ ٢٧)، كتاب «الحج»، باب عرفة كلها موقف، حديث (١١٢٦)، والطبراني (٢/ ١٣٨)، رقم (١٥٨٣)، وابن حبان في «موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان للهيثمي» (ص ٢٤٩)، كتاب «الحج»، باب ما جاء في الوقوف بعرفة والمزدلفة، حديث (١٠٠٨)، والبيهقي (٥/ ٢٣٩)، كتاب «الحج»، باب النحر يوم النحر، وأيام منى كلها، وابن حزم في «المحلى» (٧/ ١٨٨) عنه، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «كل عرفات موقف، وارفعوا عن عرنة، وكل مزدلفة موقف، وارفعوا عن محسر، وكل فجاج منى منحر، وكل أيام التشريق ذبح».
والحديث ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٣/ ٢٥٤)، وقال: رواه أحمد، والبزار، والطبراني في «الكبير».... ورجاله موثقون. اهـ. وصححه ابن حبان.
وحديث جابر:
أخرجه ابن ماجه (٢/ ١٠٠٢)، كتاب «المناسك»، باب الموقف بعرفات، حديث (٣٠١٢)، من طريق القاسم بن عبد الله العمري، ثنا محمد بن المنكدر، عن جابر، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «كل عرفة موقف، وارتفعوا عن بطن عرنة، وكل المزدلفة موقف، وارتفعوا عن بطن محسر، وكل منى منحر إلا ما وراء العقبة».
قال الحافظ البوصيري في «الزوائد» (٣/ ٢٧) : هذا إسناد ضعيف القاسم بن عبد الله بن عمر قال فيه أحمد بن حنبل: كان كذابا يضع الحديث، ترك الناس حديثه. وقال البخاري: سكتوا عنه. وقال أبو حاتم، وأبو زرعة، والنسائي: متروك الحديث اهـ.
وذكره مالك في «الموطأ» (١/ ٣٨٨) كتاب «الحج»، باب الوقوف بعرفة والمزدلفة (١٦٦) بلاغا.
وللحديث طريق آخر عن محمد بن المنكدر مرسلا.
أخرجه البيهقي (٥/ ١١٥) كتاب «الحج»، باب حيث ما وقف من عرفة أجزأه من طريق عبد الوهاب بن عطاء، عن ابن جريج قال: أخبرني محمد بن المنكدر به. -

الزُّبَيْرِ «١» في خطبته، وذِكْرُ اللَّه تعالى عند المشعر
أخرجه الحاكم (١/ ٤٦٢)، كتاب «المناسك»، والبيهقي (٥/ ١١٥)، كتاب «الحج»، باب حيث ما وقف من عرفة أجزأه، من طريق سفيان بن عيينة، عن زياد بن سعد، عن أبي الزبير، عن أبي معبد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «عرفة كلها موقف، وارفعوا عن بطن عرنة، والمزدلفة كلها موقف، وارفعوا عن بطن محسر، وشعاب منى كلها منحر».
وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وشاهده على شرط الشيخين صحيح، إلا أن فيه تقصيرا في سنده، ثم أخرجه من طريق يحيى القطان، عن ابن جريج، أخبرني عطاء، عن ابن عباس قال: كان يقال: «ارتفعوا عن محسر، وارتفعوا عن عرفات».
حديث أبي هريرة:
أخرجه ابن عدي في «الكامل» (٧/ ٢٧١٦)، من جهة يزيد بن عبد الملك النوفلي، عن داود بن فراهج، عنه، والنوفلي ضعيف.
قال الذهبي في «المغني» (٢/ ٧٥١) : مجمع على ضعفه.
وله طريق صحيح، ذكره ابن عبد البر كما في «تلخيص الحبير» (٢/ ٢٥٥)، رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن محمد بن المنكدر عن أبي هريرة به.
حديث حبيب بن خماشة:
أخرجه الحارث بن أبي أسامة (٣٨٠- بغية)، في «مسنده»، قال: حدثنا محمد بن عمر، ثنا صالح بن خوات، عن يزيد بن رومان، عن حبيب بن عمير بن عدي، عن حبيب بن خماشة الجهني، قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول بعرفة: «عرفة كلها موقف إلا بطن عرنة، والمزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر»، وذكره الحافظ في «التلخيص» (٢/ ٢٥٥)، وقال: رواه ابن قانع في «معجم الصحابة»، وفي إسناده الواقدي، وهو كذاب.
حديث ابن عمر: أخرجه ابن عدي (٤/ ١٥٨٩، ١٥٩٠)، وفيه عبد الرحمن بن عبد الله العمري.
تركوه، واتهمه بعضهم. وقال الحافظ: متروك.
ينظر: «المغني» للذهبى (٢/ ٣٨٢)، و «التقريب» (١/ ٤٨٧- ٤٨٨). [.....]
(١) هو:
عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى | أبو بكر. وقيل أبو خبيب الأسدي. القرشي. |
توفي في جمادى الأولى سنة (٧٣) هـ.
ينظر ترجمته في: «أسد الغابة» (٣/ ٢٤٢)، «الإصابة» (٤/ ٦٩)، «الثقات» (٣/ ٢١٢)، «الاستيعاب» (٣/ ٩٥)، «الاستبصار» (٧٣)، «صفة الصفوة» (٩/ ١١٧)، «التاريخ الكبير» (٣/ ٦)، «الجرح والتعديل» (٥/ ٥٦)، «التاريخ الصغير» (١/ ١٥٩)، «التاريخ لابن معين» (٢/ ٤٩)، «تهذيب الكمال» (٢/ ٦٨٢)، «غاية النهاية» (١/ ٤١٩)، «الأعلام» (٤/ ٨٧)، «الرياض المستطابة» (٢٠١)، «رياض النفوس» (١/ ٤٢)، «حلية الأولياء» (١/ ٣٢٩)، «شذرات الذهب» (١/ ٤٢)، «العبر» (١/ ٤، ٦٠).

الحرام «١» ندْبٌ عند أهل العلْم، قال مالك: ومن مَرَّ به، ولم ينزلْ، فعليه دَمٌ.
وقوله تعالى: وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ تعديد للنعمة، وأمر بشكرها.
ص: كَما هَداكُمْ: الكاف للتشبيهِ، وهو في موضع نصْبٍ على النعت لمصدرٍ محذوفٍ، و «مَا» مصدريةٌ، أي: كهدايتِهِ، فتكون «مَا» وما بعدها في موضع جَرٍّ، إِذ يَنْسَبِكُ منْها مع الفعل مصْدَرٌ، ويَحتملُ أن تكون للتعليلِ على مذهب الأخفش، وابن بَرْهَانَ «٢»، وجوَّز ابن عطيَّة وغيره، أنْ تكون «مَا» كافَّة للكاف عن العَمَل، والأول أولى «٣» لأن فيه إِقرار الكافِ على عملها الجرّ، وقد منع صاحبُ «المستوفى» «٤» أنْ تكون الكافُ مكفوفةً ب «مَا» واحتج من أثبته بقوله: [الوافر]
لَعَمْرُكَ إِنَّنِي وَأَبَا حُمَيْدٍ | كَمَا النِّسْوَانُ وَالرَّجُلُ الْحَلِيمُ |
أُريدُ هِجَاءَهُ وَأَخَافُ رَبِّي | وَأَعْلَمُ أَنَّهُ عبد لئيم |
(٢) عبد الواحد بن عليّ بن عمر بن إسحاق بن إبراهيم بن برهان أبو القاسم الأزديّ العكبري النّحوي.
صاحب العربيّة واللغة والتواريخ وأيّام العرب، قرأ على عبد السلام البصريّ وأبي الحسن وكان أوّل أمره منجما فصار نحويّا، وكان حنبليّا فصار حنفيّا. مات في جمادى الآخرة سنة ست وخمسين وأربعمائة.
ينظر: «بغية الوعاة» (٢/ ١٢٠- ١٢١).
(٣) ينظر: «البحر المحيط» (٢/ ١٠٦)، و «الدر المصون» (١/ ٤٩٥).
(٤) «المستوفى» في النحو، قال السيوطي في «بغية الوعاة» (٣٥٥) :«أكثر أبو حيان من النقل عنه». وهو لأبي سعد كمال الدين علي بن مسعود بن محمود بن الحكم الفرّخان القاضي. وفي «كشف الظنون» أنه علي بن مسعود الفرغاني. لكن قال السيوطي: «كذا، وسماه هكذا ابن مكثوم في «تذكرته».
(٥) البيتان لزياد الأعجم في ديوانه (ص ٩٧) و «الجنى الداني» (ص ٤٨١) و «شرح شواهد المغني» (ص ٥٠١) و «المقاصد النحوية» (٣/ ٣٤٨) وبلا نسبة في «مغني اللبيب» (١/ ١٧٨)، «خزانة الأدب» (١٠/ ٢٠٦- ٢٠٨)، «العيني» (٣/ ٤٨)، و «شرح أبيات المغني» للبغدادي (٤/ ١٢٥- ١٢٦)، و «الدر المصون» (١/ ٤٩٥).
ويروي البيت الثاني هكذا:
أريد حباءه ويريد قتلي | واعلم أنه الرجل اللئيم |
فإن الخمر من شر المطايا | كما الحفظان شربني تميم |
وتحمّل لما يثقل على النفس. يقول: أنا وأبو حميد كالسّكران والحليم، أتحمّل منه وهو يعبث بي.
كالسّكران يسفه على الحليم وهو متحمّل. وهذا تشبيه تمثيلي. شبّه حالته معه بحالة الحليم مع السّكران.
ينظر: «خزانة الأدب» (١٠/ ٢٠٩).

ثم ذكّرهم سبحانه بحالِ ضلالهم ليظهر قدر إِنعامه عليهم.
وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ، أي: من قبل الهدى.
وقوله سبحانه: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ المخاطب بهذه الآيةِ قريشٌ، ومن وَلَدَتْ، قاله ابن عبَّاس وغيره «١»، وذلك أنهم كانوا لا يخرجُونَ من الحَرَم، ويَقِفُون بجَمْعٍ، ويفيضون منْه، مع معرفته أنَّ عرفة هي موقفُ إِبراهيم، فقِيلَ لهم: أفيضُوا من حيثُ أفاضَ النَّاس، أي: من عرفة، و «ثُمَّ» ليست في هذه الآية للترتيبِ، إِنما هي لعطف جملة كلامٍ على جملة هي منها منقطعةٌ.
وقال الضَّحَّاك: المخاطب بالآيةِ جملةُ الأمَّة، والمرادُ بالناسِ إبراهيم، ويحتملُ أن تكون إِفاضةً أخرى، وهي التي من المزدلفة «٢»، وعلى هذا عوَّل الطَبريُّ «٣»، فتكون «ثُمَّ» على بابها، وقرأ سعيدُ بن جُبَيْر: «النَّاسِي» «٤»، وتأوَّله آدم- عليه السلام-، وأمر عز وجل بالاستغفار لأنها مواطنه، ومظَانُّ القبولِ، ومساقطُ الرحْمَةِ، وفي الحديث أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم خَطَب عشيَّة عَرَفَةَ، فقال: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَطَاوَلَ عَلَيْكُمْ فِي مَقَامِكُمْ هَذَا، فَقَبِلَ مِنْ مُحْسِنِكُمْ وَوَهَبَ مُسِيئَكُمْ لِمُحْسِنِكُمْ، إِلاَّ التَّبِعَاتِ فِيمَا بَيْنَكُمْ، أَفِيضُوا عَلَى اسم اللَّهِ»، فَلَمَّا كَانَ غَدَاةَ جَمْعٍ، خَطَبَ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ تَطَاوَلَ عَلَيْكُمْ، فَعَوَّضَ التّبعات من عنده» «٥».
(٢) ذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (١/ ٢٧٥).
(٣) الطبري لم يصرح بموافقته لتأويل الضحاك، وإنما احترز بوجود الإجماع على خلافه، ولولا الإجماع لقال بقوله. ينظر: «جامع البيان» (٤/ ١٩٠- ١٩١).
(٤) واستدل بها أبو الفتح على أن لام التعريف تدخل على الأعلام للذم كما تدخلها للمدح، فمن الأول قولهم: فلان بن الصّعق لأن ذلك داء ناله، فهى بلوى. ومن الثاني: المظفر، والعباس ونحوهما.
ينظر: «المحتسب» (١/ ١١٩)، و «الشواذ» (ص ٢٠)، و «المحرر الوجيز» (١/ ٢٧٦)، و «البحر المحيط» (٢/ ١٠٩)، و «الدر المصون» (١/ ٤٩٧).
(٥) ذكر ابن الجوزي في «الموضوعات» (٢/ ٢١٥) أحاديث بهذا المعنى عن أنس، وابن عمر، وعبادة.
وقال: ليس في هذه الأحاديث شيء يصح.