
زاد، ويتكففون، فنهوه عن ذلك، فلا يمتنع أن يكون مراد بالآية مما تقدم، فالتكففُ قل يكون منافياً للتقوى "، وقوله: ﴿وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾ لما أمر بالتقوى، أمر أن يكون هو تعالى المقصود بها، وقيل: تقواه حفظ النفس إن نالها عقابه أو يتخطاها ثوابه، وذلك منعها متابعة الهوى، وحملها على طريق الهدى، وذلك على ثلاثة منازل...
الأول: ترك الكفر والكبائر، والثاني: ترك المحارم وأداء الفرائض اللذين يقتضيهما إلتزام الشرائع، والثالث: حفظ القلوب عن التلفت إلى الذنوب، وهو المغنى، بقول من قال: " التقوى هي التبرؤ من كل شك سوى الله تعالي، ولا يحصل الثالث إلا بحصول الثاني، ولا الثاني إلا بحصول الأول "، وعنى هاهنا الغاية، ولهذا خص أولوا الألباب بالخطاب، فاللب أشرف أوصاف العقل، وهو اسم الجزء الذي بإضافته إلى سائر أجزاء الإنسان، كلب الشيء إلى القشور، وباعتبار اللب، قيل لضعيف العقلي " يراعة "، " وقصبة "، و " منخوب " و " خاوي الصدر "، وقال- عز
وجل- ﴿وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ﴾، وقال تعالى: ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا﴾.
قوله - عز وجل -:
﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ﴾
الآية (١٩٨) - سورة البقرة.
فاض الإناء، انصب عن امتلاء ومنه: فاض صدره بسره، ورجل فياض سخي- تشبيها بنهر فياض، ودرع مفوضة: افتضت على لابسها كقولهم: مسنونة، وعنه استعير: " أفاض من عرفة "، و " أفاض بالقداح " و " أفاض البعير بحريه "، و " حديث مستفيض "، كقولهم: شائع وسائر، وكانت العرب تتحاشى من التجارة في الحج حتى إنهم كانوا يتجنبون المبايعة إذا دخل العشر الأواخر، وحتى سموا

من يوالي متجراً في الحج: الداج دون الحاج، فأباح الله ذلك، وعلى إباحة ذلك دل قوله: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ﴾ إلى قوله: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾، وقوله: ﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾، وأمر الله بذكر الله تعالى عند المشعر الحرام أي المزدلفة، وقيل: عنى بذكره عند الجمع بين المغرب والعشاء، وهذا يدخل في عموم الذكر، فقد سمي الصلاة ذكرا في قوله ﴿فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ وقيل لبعض العلماء: " لم أمر الناس بالمقام عند المشعر الحرام، وبالذكر؟، فقال: لأن الكعبة بيت الله الحرام حجابه، والشعر بابه، والوافد إذا قصد الباب أقام وتضرع، فإذا وصل إلى الحجاب، قدم قربانات، وقضى التفث، وتطهر، ثم يؤذن له في الدخول، وأعاد الأمر بالذكر ثانياً، وأوجب أن يكون ذكره كهدايته أي مولداً لهدايته لنا ثم قال: (وإن كنتم)، أي وإنكم كنتم قبل لضالين، وإن محققة من الثقيلة بدلالة- دخول اللام معها، والضلال هاهنا الجهل بالمعارف الحقيقية نحو: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى﴾.
صفحة رقم 420