
قوله تعالى: ﴿حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم﴾ :«حيث» منصوبٌ بقوله: «اقتلوهم»، و «ثَقِفْتُموهم» في محلِّ خفضٍ بالظرف، وثَقِفْتموهم أي: ظَفِرتْم بهم، ومنه: «رجلٌ ثقيف» : أي سريعُ الأخذ لأقرانِه، قال:
٨٦٧ - فإمَّا تَثْقَفوني فاقتلوني | فَمَنْ أَثْقَفْ فليسَ إلى خلودِ |
٦٨٦ - ذَكَرْتُكِ والخَطِيُّ يَخْطِرُ بَيْننا | وقد نَهِلَتْ مِنَّا المثقَّفَةُ السُّمْرُ |
٨٦٩ - فإنْ تَقْتُلونا نُقَتِّلْكُمُ | وإنْ تَفْصِدوا الدَّمَ نَفْصِدِ |
و «عند» منصوبٌ بالفعل قبله. و «حتى» متعلقةٌ به أيضاً غايةٌ له بمعنى «إلى»، والفعلُ بعدها منصوبٌ بإضمار «أَن» كما تقرَّر. والضميرُ في «فيه» يعودُ صفحة رقم 307

على «عند»، إذ ضميرُ الظرفِ لا يتعدَّى إليه الفعلُ إلا ب «في»، لأنَّ الضميرَ يَرُدُّ الأشياءَ إلى أصولِها، وأصلُ الظرفِ على إضمارِ «في» اللهم إلا أَنْ يُتَوَسَّعَ في الظرفِ فَيَتَعدَّى الفعلُ إلى ضميره مِنْ غيرِ «في»، لا يُقال: «الظرف ليس حكمه حكمَ ظاهره، ألا ترى أنَّ ضميرَه يُجَرُّ بفي وإن كان ظاهرُه لا يجوزُ ذلك فيه. ولا بدَّ مِنْ حذفٍ في قوله: ﴿فَإِن قَاتَلُوكُمْ فاقتلوهم﴾ أي: فإنْ قاتلوكم فيه فاقتلوهم فيه، فَحَذَفَ لدلالةِ السياقِ عليه.
قوله: ﴿كَذَلِكَ جَزَآءُ﴾ فيه وجهان: أحدُهما: أنَّ الكافَ في محلِّ رفعٍ بالابتداءِ، و «جزاءُ الكافرين» خبرُه، أي: مثلُ ذلك الجزاءِ جزاؤهم، وهذا عند مَنْ يرى أن الكافَ اسمٌ مطلقاً، وهو مذهبُ الأخفش. والثاني: أن يكونَ «كذلك» خبراً مقدماً، و «جزاءٌ» مبتدأ مؤخراً، والمعنى: جزاءُ الكافرين مثلُ ذلك الجزاءِ وهو القتلُ. و «جزاء» مصدرٌ مضافٌ لمفعولِه أي: جزاءُ الله الكافرين. وأجاز أبو البقاء أن يكونَ «الكافرين» مرفوعَ المحلِّ على أن المصدرَ مقدرٌ من فعلٍ مبنيٍّ للمفعولِ، تقديرُه: كذلك يُجْزى الكافرون، وقد تقدَّم لنا في ذلك خلافٌ.