آيات من القرآن الكريم

وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً ۚ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ
ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ

(وَمَثَلُ الَّذِين كفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً).
وقد تكلم المفسرون في هذا التمثيل البليغ، فقال بعضهم: إن ذلك التمثيل هو تمثيل لدعوة النبي - ﷺ - والذين كفروا كمثل الراعي الذي يرعى غنمه، فينعق: أي فيصيح بالغنم التي لَا تسمع إلا دعاء ونداء زاجرا لينتقل بهم من كلأ إلى كلأ، ولكن هذا التشبيه لَا يليق بدعوة النبي - ﷺ -؛ لأنها لَا تسمى بهذا الاسم وهو النعيق.
وقال بعضهم: إن ذلك تشبيه للذين كفروا في دعوتهم إلى أصنامهم التي لا تملك نفعا ولا ضرا، كمثل الراعي الذي ينادي غنما لَا تسمع إلا دعاء ونداء ما يزجره في الانتقال من كلأ إلى كلأ، وهذا تشبيه حنسن في ذاته، ولكن القرآن نسق واحد في البيان تأخذ كلماته بعضها بحجز بعض، وربما لَا يتقارب هذا التفسير مع

صفحة رقم 504

قوله بعد ذلك (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) لأ ن هذه أوصاف للكافرين وليست أوصافا للغنم.
بقي التخريج الثالث للمثل وهو بأن يشبه الذين كفروا وما معهم من غنم يرعونها، يشبهون بالبهائم التي تنعق بأن تصيح بما لَا يسمع إلا دعاء إن كانوا في كرب، ونداء إن كانوا بعيدا.
والكافرون مع غنمهم مثلهم كناعق ينعق بما لَا يسمع إلا دعاء ونداء، فأصوات الغنم تتبادل بنعيق لَا يفهم، وبصياح مجاوب للنداء، فالجميع يتصايح بالنعيق، والجميع لَا يفهم إلا دعاء ونداء.
ولذا صح أن يوصف المشركون بالأوصاف التي ذكرها الله عنهم، فقال (صمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) أي أنهم في عدم سماعهم للحق الذي دعوا إليه كالصم الذين لَا يسمعون، وهو تشبيه حالهم المعنوية في عدم سماعهم لدعوة الحق إذا نادى المنادي به بحال الأصم الذي لَا يشمع شيئا، وفي عدم نطقهم بالحق، واستجابتهم له بحال الأبكم الذي لَا يتكلم. شبه عدم إدراكهم الحق الذي بدت معالمه، وظهر نوره بحال الأعمى الذي لَا يبصر (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصّدُورِ).
وقد ختم سبحانه وتعالى الآية بقوله تعالى: (لا يَعْقِلُونَ) ما يدعون إليه، ويتفكرون فيه ويبدون وكأنهم لم يسمعوه، ولا يفكرون في الاستجابة بالإذعان والتسليم ولا يستضيئون بنوره.
فتح الله قلوبنا للحق إذ نسمع داعيه، ورطب ألسنتنا بالحق لنجيب نداءه، وأنار بصرنا وبصيرتنا لنراه إنه سميع الدعاء.
* * *

صفحة رقم 505

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١٧٢) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٧٣)
* * *
بين الله سبحانه وتعالى أننا فيما أباحه الله لنا لَا نتبع خطوات الذي يغوينا بتحريم ما أحل لنا، وذكر حال المشركين في اعتقاداتهم ثم بين بعد ذلك ما أحله وما حرمه، فقال تعالى:

صفحة رقم 506
زهرة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة
الناشر
دار الفكر العربي
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية