آيات من القرآن الكريم

وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً ۚ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ

فاستؤنفت «إن- (وإن) «١» » ولو فتحتهما على تكرير الرّؤية من «ترى» ومن «يَرَى» لكان صوابا كأنه قال: «وَلَوْ تَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ» يرون «أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً».
وقوله: أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ... (١٧٠)
تنصب هذه الواو لأنها ولو عطف أدخلت عليها ألف الاستفهام، وليست ب (أو) التي واوها ساكنة لأن الألف من أو لا يجوز إسقاطها، وألف الاستفهام تسقط فتقول: ولو كان، أو لو كان إذا استفهمت.
وإنما غيّرهم اللَّه بهذا لما قَالُوا «بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا» قال اللَّه تبارك وتعالى: يا مُحَمَّد قل «أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ» فقال «آباؤُهُمْ» لغيبتهم، ولو كانت «آباؤكم» لجاز لأن الأمر بالقول يقع مخاطبا مثل قولك: قل لزيد يقم، وقل له قم. ومثله «أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ» «٢»، «أَوَلَمْ يَسِيرُوا» «٣».
ومن «٤» سكن الواو من قوله: «أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ» «٥» فى الواقعة وأشباه «٦» ذلك فِي القرآن، جعلها «أو» التي تثبت الواحد من الاثنين. وهذه الواو فِي فتحها بمنزلة قوله «أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ» «٧» دخلت ألف الاستفهام على «ثُمَّ» وكذلك «أَفَلَمْ يَسِيرُوا» «٨».

(١) سقط ما بين القوسين فى أ.
(٢) آية ٢١ سورة لقمان.
(٣) آية ٩ سورة الروم.
(٤) من هؤلاء ابن عامر، ونافع فى رواية قالون، وأبو جعفر. وانظر البحر ٧/ ٣٥٥.
(٥) آية ٤٨ سورة الواقعة.
(٦) كالآية ١٧ من الصافات.
(٧) آية ٥١ سورة يونس.
(٨) آية ١٠٩ سورة يوسف.

صفحة رقم 98

وقوله: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ... (١٧١)
أضاف المثل إلى الذين كفروا، ثُمَّ شبههم بالراعي. ولم يقل: كالغنم. والمعنى- والله أعلم- مثل الذين كفروا (كمثل البهائم) «١» التي لا تفقه ما يقول الراعي أكثر من الصوت، فلو قال لها: أرعى أو اشربي، لم تدر ما يقول لها. فكذلك مثل الذين كفروا فيما يأتيهم من القرآن وإنذار الرَّسُول. فأضيف التشبيه إلى الراعي، والمعنى- والله أعلم- فِي المرعى. وهو ظاهر فِي كلام العرب أن يقولوا:
فلان يخافك كخوف الأسد، والمعنى: كخوفه الأسد لأن الأسد هُوَ المعروف بأنه «٢» المخوف «٣». وقال الشاعر «٤» :
لقد خفت حَتَّى ما تزيد مخافتي... على وعلٍ فِي ذي المطارة عاقِل «٥»
والمعنى: حَتَّى ما تزيد مخافة وعلٍ على مخافتي. وقال الآخر «٦» :
كانت فريضة ما تقول كما... كان الزناء فريضة الرجم
والمعنى: كما كان الرجم فريضة الزناء. فيتهاون الشاعر بوضع الكلمة على صحتها لاتضاح المعنى عند العرب. وأنشدني بعضهم:
إن سراجًا لكريم مفخره... تَحْلَى بِهِ الْعَيْنُ إذا ما تجهره «٧»
والعين لا تحلى به، إنما يحلى هُوَ بها.

(١) فى أ: «كالبهائم».
(٢) فى أ: «أنه».
(٣) فى أ: «مخوف».
(٤) هو النابغة الذبيانىّ. وانظر الديوان.
(٥) ذو المطارة: اسم جبل. وفى معجم البلدان فى رواية البيت: من ذى مطارة. و (عاقل) : صفة وعل. يقال: عقل الظبى والوعل إذا امتنع وصعد فى الجبل العالي. وانظر أمالى ابن الشجري ١/ ٥٢
(٦) هو النابغة الجعدىّ. وانظر اللسان (زنى) والإنصاف ١٦٥، والخزانة ٤/ ٣٢. [.....]
(٧) يقال: حلى الشيء بعيني إذا أعجبك، ومن ثم كان ما فى البيت من المقلوب. ويقال:
جهرت فلانا إذا راعك وأعجبك. والرجز فى اللسان (حلى)، وهو فى مدح من يدعى سراجا.

صفحة رقم 99
معاني القرآن للفراء
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي الفراء
تحقيق
أحمد يوسف نجاتي
الناشر
دار المصرية للتأليف والترجمة - مصر
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
ألفاظ القرآن
اللغة
العربية