
وقوله: ﴿وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ﴾.
أي لم يكونوا في علم الله السابق ممن يهتدي فيؤثر الهدى على الضلالة.
قوله: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الذي استوقد نَاراً﴾ الآية.
معناه مثل هؤلاء المنافقين في حقنهم دماءهم بما أظهروا من الإيمان وَسِتْرِهم على غير ذلك، كمثل الذي استوقد ناراً، فلما أضاءت ما حوله، ذهب الله بنورهم. فضياء ما حولهم هو ما حقن إقرارهم من دمائهم ومنع من أموالهم في الدنيا.
وقوله: ﴿ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ﴾.
هو ما يجدون يوم القيامة من عدم نورهم لأنهم لا ينتفعون بما أظهروا من الإيمان إذ كان باطنهم خلاف [ما أظهروا].
وقوله: ﴿استوقد نَاراً﴾. أي استوقدها من غيره.
وقيل: معناه: أوقد، أي أوقدها هو.
واستفعل في كلام العرب يأتي على وجهين:
- يكون بمعنى استدعى الفعل من غيره نحو قوله:

﴿وَإِذِ استسقى موسى لِقَوْمِهِ﴾ [البقرة: ٦٠]. أي استدعى أن يسقوا.
- ويكون بمعنى فعل، نحو قوله: ﴿واستغنى الله﴾ [التغابن: ٦] فلم يستدع غني من واحد، وبعده: ﴿والله غَنِيٌّ﴾ [التغابن: ٦] يدل على ذلك.
و" ما " في قوله: ﴿أَضَآءَتْ مَا حَوْلَهُ﴾ في موضع نصب بِ " أَضَاءَتْ ".
وقيل: هي زائدة / لا موضع لها من الإعراب. والمعنى: " فلما أضاءت النار، الموضع الذي بحوله. " فما " غير زائدة.
قال قتادة: " هي لا إله إلا الله، قالوها بأفواههم فَسَلِمُوا بها من القتل حتى إذا ماتوا ذهب الله بنورهم ".
قال مجاهد: " هو إقبالهم على المؤمنين والهدى. وذهاب النور، هو إقبالهم على الكفار.
وقيل: ذهب الله بنورهم، أي أظهر المؤمنين على ما أبطنوا من الكفر والنفاق.

فبعد أن كان لهم عند المؤمنين نور بما أظهروا من الإيمان صاروا لا نور لهم عندهم، لما أعلمهم به من سوء / ما أبطنوا.
والقول الأول عليه أكثر المفسرين؛ أن ذهاب نورهم إنما يكون يوم القيامة وهو الذي ذكره الله في قوله: ﴿يَوْمَ يَقُولُ المنافقون والمنافقات لِلَّذِينَ آمَنُواْ انظرونا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ﴾ [الحديد: ١٣].
والهاء والميم تعود على " الذي " لأنه بمعنى " الذين كما قال: ﴿والذي جَآءَ بالصدق وَصَدَّقَ بِهِ أولئك هُمُ المتقون﴾ [الزمر: ٣٣]. وفي هذا اختلاف ستراه في موضعه إن شاء الله.
ومنه قول الشاعر:
إنَّ الَّذي حَانَتْ بِفَلْجٍ دِمَاؤُهُمْ | هُمُ الْقَوْمُ كُلَّ الْقَوْمِ يَا وأُمَّ خَالِدِ |
وجواب " لما " محذوف تقديره: فلما أضاءت ما حوله طفئت، ذهب الله بنورهم.
قوله: ﴿وَتَرَكَهُمْ فِي ظلمات لاَّ يُبْصِرُونَ﴾.
هذا تمثيل للكفر الذي هم فيه يسيرون. صفحة رقم 172