آيات من القرآن الكريم

إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ
ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ

البلاغة:
الإيجاز في الآية وذلك بحذف جواب لو كما تقدم وهو كثير شائع في كلامهم وورد في القرآن كثيرا، وقد تعلّق بأهداب هذه البلاغة أبو تمام الطائي حين قال في قصيدته «فتح عمورية» :

لو يعلم الكفر كم من أعصر كمنت له المنيّة بين السّمر والقضب
وتقديره لو يعلم الكفر ذلك لأخذ أهبته واحتاط لنفسه وهيهات.
الفوائد:
(دُونِ) ظرف للمكان وهو نقيض فوق، نحو هو دونه أي أحط منه رتبة أو منزلة، ويأتي بمعنى أمام نحو: الشيء دونك أي أمامك، وبمعنى وراء نحو: قعد دون الصف، أي وراءه، وقد يأتي بمعنى رديء وخسيس فلا يكون ظرفا، نحو: هذا شيء دون، وهو حينئذ يتصرف في وجوه الإعراب. ويأتي بمعنى غير كما في الآية، وأكثر ما يستعمل حينئذ مجرورا بمن.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٦٦ الى ١٦٧]
إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ (١٦٦) وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ (١٦٧)

صفحة رقم 231

الإعراب:
(إِذْ) ظرف لما مضى من الزمن وهي مع مدخولها بدل من إذ المتقدمة في الآية السابقة (تَبَرَّأَ الَّذِينَ) فعل ماض وفاعل (اتُّبِعُوا) فعل ماض مبني للمجهول والواو نائب فاعل، والجملة صلة الموصول، وجملة تبرأ في محل جر باضافة الظرف إليها وهم الرؤساء (مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا) الجار والمجرور متعلقان بتبرأ واتبعوا فعل ماض مبني للمعلوم والواو فاعل وهم الاتباع والجملة صلة (وَرَأَوُا) الواو حالية أو عاطفة ورأوا فعل وفاعل (الْعَذابَ) مفعول به والجملة حالية بتقدير قد، أي تبرءوا منهم في حال رؤيتهم العذاب، أو معطوفة على جملة تبرأ (وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ) عطف على ما تقدم (وَقالَ) الواو عاطفة وقال فعل ماض (الَّذِينَ) فاعل (اتَّبَعُوا) الجملة صلة الموصول واتبعوا فعل ماض مبني للمجهول والواو نائب فاعل (لَوْ) شرطية غير جازمة متضمنة معنى التمني (أَنَّ لَنا كَرَّةً) ان وخبرها المقدم واسمها المؤخر وان وما في حيزها مقول القول (فَنَتَبَرَّأَ) الفاء هي السببية ونتبرأ فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد فاء السببية المسبوقة بالتمني الذي تضمنته لو وفاعله ضمير مستتر تقديره نحن (مِنْهُمْ) الجار والمجرور متعلقان بنتبرأ (كَما) الكاف مع مجرورها في موضع نصب مفعول مطلق وما مصدرية (تَبَرَّؤُا) فعل ماض وفاعل (مِنَّا) جار ومجرور متعلقان بتبرءوا (كَذلِكَ) الجار والمجرور صفة لمصدر محذوف أي اراءة مثل تلك الإراءة. واختار سيبويه النصب على الحال وهو صحيح (يُرِيهِمُ) فعل مضارع والرؤية هنا تحتمل أن تكون بصرية فتتعدى

صفحة رقم 232

لمفعولين أولهما الضمير والثاني أعمالهم وتحتمل أن تكون قلبية ولعله أرجح فتتعدى لثلاثة (اللَّهُ) فاعل (أَعْمالَهُمْ) مفعول به ثان (حَسَراتٍ) مفعول به ثالث أو حال (عَلَيْهِمْ) متعلقان بمحذوف صفة لحسرات (وَما) الواو عاطفة وما حجازية (هُمْ) اسم ما الحجازية (بِخارِجِينَ) الباء حرف جر زائد وخارجين مجرور لفظا منصوب خبر ما محلا (مِنَ النَّارِ) الجار والمجرور متعلقان بخارجين.
البلاغة:
١- في الآية فن اللفّ والنشر المشوش، وهو ذكر متعدد على وجه التفصيل أو الإجمال، ثم ذكر ما لكل واحد وردّه الى ما هو له، فتبرؤ بعضهم من بعض راجع لقوله: إذ تبرأ، وإراءتهم شدة العذاب راجع لقوله: ورأوا العذاب، والمراد أنه أراهم هذين الامرين عقوبة لهم على اتخاذهم الأنداد لله، فكما عاقبهم على عقائدهم عاقبهم على أعمالهم. ولهذا الفن فروع متعددة مبسوطة في كتب البلاغة، ومنه في الشعر قول أبي فراس الحمداني:

وشادن قال لي لمّا رأى سقمي وضعف جسمي والدّمع الذي انسجما
أخذت دمعك من خدّي وجسمك من خصري وسقمك من طرفي الذي سقما
٢- في قوله: إذ تبرأ الذين اتبعوا.. الآية، فنّ يقال له فنّ الترصيع، وهو أن يكون الكلام مسجوعا، وهو في الآية في موضعين، وقد كثر في القرآن، وأما في الشعر فمنه قول أبي الطيب المتنبي:

صفحة رقم 233

في تاجه قمر في ثوبه بشر في درعه أسد تدمى أظافره
وقال أبو تمام:
تدبير معتصم بالله منتقم لله مرتغب في الله مرتقب
٣- في قوله: «وتقطعت بهم الأسباب» مجاز مرسل علاقته السببية، فان السبب في الأصل الحبل الذي يرتقى به الى ما هو عال ثم أطلق على كل ما يتوصل به الى شيء، مادة كان أم معنى. ولك أن تجعله من باب الاستعارة التصريحية، فقد شبه الأعمال التي كانوا يمارسونها في الدنيا بالأسباب التي يتشبّث بها الإنسان للنجاة. ثم حذف المشبّه وأبقى المشبّه به. قال زهير بن أبي سلمى:
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه وإن يرق أسباب السماء بسلم
٤- فن الحذف، فقد حذف جواب لو الشرطية وهو مقدر في الآية تقديره- لكان منهم ما لا يدخل تحت الوصف.
الفوائد:
كل اسم كان واحده على وزن «فعلة» مفتوح الاول ساكن الثاني، فإن جمعه على فعلات بفتح الفاء والعين، مثل شهوة وتمرة وجمعهما شهوات وتمرات، متحركة الثواني من حروفها. فأما إذا كان وصفا فإنك تدع ثانيه ساكنا مثل ضخمة وعبلة، فتجمعها على ضخمات وعبلات، بإسكان الثواني.

صفحة رقم 234
إعراب القرآن وبيانه
عرض الكتاب
المؤلف
محيي الدين بن أحمد مصطفى درويش
الناشر
دار الإرشاد للشئون الجامعية - حمص - سورية ، (دار اليمامة - دمشق - بيروت) ، ( دار ابن كثير - دمشق - بيروت)
سنة النشر
1412 - 1992
الطبعة
الرابعة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية