آيات من القرآن الكريم

وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ
ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ ﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ

في غزوة بدر، وكانوا أربعة عشر رجلا لما قتلوا حزن عليهم أقاربهم، فنزلت الآية مبينة لمنزلة الشهداء عند الله وتسلية لأقاربهم، ولا يخصها نزولها فيهم بل حكمها على العموم في الشهداء وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ أي نختبركم، وحيث ما جاء الاختبار في حق الله فمعناه: أن يظهر في الوجود ما في علمه، لتقوم الحجة على العبد، وليس كاختبار الناس بعضهم بعضا، لأن الله يعلم ما كان وما يكون، والخطاب بهذا الابتلاء للمسلمين، وقيل: لكفار قريش، والأول أظهر لقوله بعد هذا وبشر الصابرين بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ من الأعداء وَالْجُوعِ بالجدب وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ بالخسارة وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ بالجوانح، وقيل ذلك كله بسبب الجهاد إِنَّا لِلَّهِ اللام للملك، والمالك يفعل في ملكه ما يشاء راجِعُونَ تذكروا الآخرة لتهون عليهم مصائب الدنيا، وفي الحديث الصحيح: أن رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم قال: من أصابته مصيبة فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها أخلف الله له خيرا مما أصابه. قالت أمّ سلمة فلما مات زوجي أبو سلمة قلت ذلك فأبدلني الله به رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم [أخرجه أحمد عن أم سلمة ج ٦ ص ٣٥٨].
فائدة: ورد ذكر الصبر من القرآن في أكثر من سبعين موضعا، وذلك لعظمة موقعه في الدين. قال بعض العلماء: كل الحسنات لها أجر محصور من عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلّا الصبر فإنه لا يحصر أجره، لقوله تعالى: إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ [الزمر: ١٠]. وذكر الله للصابرين ثمانية أنواع من الكرامة: أوّلها: المحبة، قال: وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [آل عمران: ١٤٦]. والثاني: النصر قال: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة: ١٥٣]. والثالث: غرفات الجنة،. قال: يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا [الفرقان: ٧٥] والرابع: الأجر الجزيل قال: إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ [الفرقان: ٤] والأربعة الأخرى المذكورة في هذه الآية، ففيها البشارة، قال: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [الزمر: ١٠] والصلاة والرحمة والهداية أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ والصابرون على أربعة أوجه: صبر على البلاء، وهو منع النفس من التسخيط والهلع والجزع. وصبر على النعم وهو تقييدها بالشكر، وعدم الطغيان، وعدم التكبر بها. وصبر على الطاعة بالمحافظة والدوام عليها. وصبر عن المعاصي بكف النفس عنها، وفوق الصبر التسليم وهو ترك الاعتراض والتسخيط ظاهرا، وترك الكراهة باطنا، وفوق التسليم: الرضا بالقضاء، وهو سرور النفس بفعل الله وهو صادر عن المحبة، وكل ما يفعل المحبوب محبوب
إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ جبلان صغيران بمكة مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ أي معالم دينه واحدها شعيرة أو شعارة فَلا جُناحَ عَلَيْهِ إباحة للسعي بين

صفحة رقم 103

الصفا والمروة، والسعي بينهما واجب عند مالك والشافعي، وإنما جاء بلفظ يقتضي الإباحة لأن بعض الصحابة امتنعوا من السعي بينهما، لأنه كان في الجاهلية على الصفا صنم يقال له أساف، وعلى المروة صنم يقال له نائلة، فخافوا أن يكون السعي بينهما تعظيما للصنمين، فرفع الله ما وقع في نفوسهم من ذلك، ثم إنّ السعي بينهما للسنّة، قالت عائشة رضي الله عنها، «سن رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم السعي بين الصفا والمروة، وليس لأحد تركه، وقيل: إنّ الوجوب يؤخذ من قوله «شعائر الله» وهذا ضعيف لأنّ شعائر الله: منها واجبة، ومنها مندوبة، وقد قيل: إنّ السعي مندوب يَطَّوَّفَ أصله يتطوف ثم أدغمت التاء في الطاء وهذا الطواف يراد به السعي سبعة أشواط وَمَنْ تَطَوَّعَ عاما في أفعال البر، وخاصة في الوجوب من السنة أو معنى التطوّع بحج بعد حج الفريضة إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ أمر محمد صلّى الله عليه واله وسلّم في الكتاب التوراة هنا اللَّاعِنُونَ الملائكة والمؤمنون، وقيل: المخلوقات إلّا الثقلين، وقيل: البهائم لما يصيبهم من الجدب لذنوب الكاتمين للحق وبينوا أي شرط في توبتهم أن يبينوا لأنهم كتموا وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ هم المؤمنون فهو عموم يراد به الخصوص، لأنّ المؤمنين هم الذين يعتد بلعنهم للكافرين، وقيل يلعنهم جميع الناس خالِدِينَ فِيها أي في اللعنة، وقيل في النار وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ من أنظر إذا أخر، أي لا يؤخرون عن العذاب ولا يمهلون أو من نظر لقوله: «لا ينظر إليهم» إلّا أن يتعدّى بإلى وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ الواحد له ثلاثة معان كلها صحيحة في حق الله تعالى: أحدها: أنه لا ثاني له فهو نفي للعدد، والآخر: أنه لا شريك له، والثالث: أنه لا يتبعض ولا ينقسم، وقد فسر المراد به هنا في قوله لا إله إلّا هو.
واعلم أن توحيد الخلق لله تعالى على ثلاث درجات الأولى: توحيد عامة المسلمين وهو الذي يعصم النفس من الهلك في الدنيا، وينجي من الخلود في النار في الآخرة وهو نفي الشركاء والأنداد، والصاحبة والأولاد، والأشباه والأضداد. الدرجة الثانية: توحيد الخاصة، وهو أن يرى الأفعال كلها صادرة من الله وحده ويشاهد ذلك بطريق المكاشفة لا بطريق الاستدلال الحاصل لكل مؤمن، وإنما مقام الخاص في التوحيد يغني «١» في القلب بعلم ضروري لا يحتاج إلى دليل، وثمرة هذا العلم الانقطاع إلى الله والتوكل عليه وحده واطراح جميع الخلق، فلا يرجو إلّا الله، ولا يخاف أحدا سواه إذ ليس يرى فاعلا إلّا إياه

(١). لعل مراد المؤلف رحمه الله: يقع أو يحصل. والله أعلم.

صفحة رقم 104
التسهيل لعلوم التنزيل
عرض الكتاب
المؤلف
أبو القاسم، محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله، ابن جزي الكلبي الغرناطي
تحقيق
عبد الله الخالدي
الناشر
شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم - بيروت
سنة النشر
1416
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية