
والإِنْسَ «١»، وهذان القولانِ لا يقتضيهما اللفظُ، ولا يثبتان إلا بسندٍ يقطعُ العُذْر، ثم استثنى اللَّه سبحانه التائبين.
وَأَصْلَحُوا، أي: في أعمالهم وأقوالهم.
وَبَيَّنُوا، أي: أمر محمّد صلّى الله عليه وسلم.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٦١ الى ١٦٢]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٦١) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (١٦٢)
وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ... الآية: هذه الآية محكمةٌ في الذين وَافَوْا على كفرهم، واختلف في معنى قوله: وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ: والكُفَّار لا يلعنُون أنفسهم.
فقال قتادة، والربيع: المراد ب النَّاسِ: المؤمنون خاصَّة «٢»، وقال أبو العالية:
معنى ذلك في الآخرة «٣».
وقوله: خالِدِينَ فِيها، أي: في اللعنة، وقيل: في النار، وعاد الضمير علَيْها، وإِن لم يَجْرِ لها ذكر لثبوتها في المعنى.
وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ، أي: لا يُؤَخَّرون عن العذاب، ويحتمل أن يكون من النّظر ٤١ أنحو قوله تعالى: وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ/ يَوْمَ الْقِيامَةِ [آل عمران: ٧٧] والأول أظهر لأن النظر بالعين إنما يعدَّى ب «إلى» إلا شاذًّا في الشعر.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٦٣ الى ١٦٤]
وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لاَّ إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (١٦٣) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٦٤)
حدثنا أسباط عن السدي قال:
قال البراء بن عازب | » ثم ذكر الخبر بنحوه. |
(٣) أخرجه الطبري (٢/ ٦٢) برقم (٢٤٠٢) بلفظ: «إن الكافر يوقف يوم القيامة، فيلعنه الله، ثم تلعنه الملائكة، ثم يلعنه الناس أجمعون». وذكره ابن عطية (١/ ٢٣٢)، والبغوي في «تفسيره» (١/ ١٣٤)، والسيوطي في «الدر» (١/ ٢٩٨)، وعزاه لابن جرير.

وقوله تعالى: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ... الآية: إِعلام بالوحدانيّة.
قال عطاءٌ: لما نزلَتْ هذه الآية بالمدينَةِ، قال كفَّار قريشٍ بمكَّة: ما الدليلُ على هذا، وما آيته، وعلامته «١» ؟ ونحوه عن ابن المُسَيَّب «٢»، فنزل عنْد ذلك قولُه تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ... الآية، أي: في اختراعها وإنشائها.
وَالنَّهارِ: من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، يقضي بذلك قول النبيّ صلّى الله عليه وسلم لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: «إِنَّمَا هُوَ بَيَاضُ النَّهَارِ، وَسَوَادُ الَّليْلِ» «٣»، وهذا هو مقتضى الفقْهِ في
(٢) المصدر السابق.
(٣) ورد ذلك من حديث عدي بن حاتم، وسهل بن سعد: فأما حديث عدي بن حاتم: فأخرجه البخاري (٤/ ١٥٧) في الصوم: باب قول الله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ... ، وفي (٨/ ٣١) في التفسير، باب: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ... (٤٥٠٩)، ومسلم (٢/ ٧٦٦) في الصيام: باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر (٣٣- ١٠٩٠)، وأبو داود (١/ ٧١٧) في الصيام، باب في وقت السحور (٢٣٤٩)، والترمذي (٥/ ١٩٥) في التفسير: باب ومن سورة البقرة (٢٩٧٠، ٢٩٧١)، وأحمد (٤/ ٣٧٧)، وابن أبي شبية في «مصنفه» (٣/ ٢٨٩) برقم (٩٠٧٩)، وابن جرير في «تفسيره» (٢٩٨٩)، والدارمي (٢/ ٥، ٦)، في الصوم، باب متى يمسك المتسحر من الطعام والشراب، والطبراني في «الكبير» (١٧/ ٧٩، ٨٠) برقم (١٧٦)، والبيهقي (٤/ ٢١٥) من طريق الشعبي، عن عدي بن حاتم به.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ٣٦٠)، فزاد في نسبته إلى سفيان بن عيينة، وسعيد بن منصور، وابن المنذر.
وأخرجه البخاري في التفسير (٤٥١٠)، والنسائي (٤/ ١٤٨) في الصيام: باب قول الله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ، وابن جرير (٢٩٨٩)، والطبراني (١٧٧، ١٧٨) من طريق مطرف عن الشعبي، عن عدي قال: قلت: يا رسول الله، ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود؟ أهما الخيطان؟ قال: إنك لعريض القفا، إن أبصرت الخيطين، ثم قال: لا، بل هو سواد الليل، وبياض النهار. وصحّحه ابن خزيمة (٣/ ٢٠٩) برقم (١٩٢٦)، وذكره السيوطي في «الدر»، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد.
وأخرجه أحمد (٤/ ٣٧٧)، والطبراني في «الكبير» (١٧٢، ١٧٣، ١٧٤، ١٧٥)، وابن جرير (٢٩٨٨) من طريق مجالد: حدثني عامر حدثني عدي بن حاتم. قال: علمني رسول الله صلّى الله عليه وسلم الصلاة والصيام.
فقال: صل كذا، وصل كذا، وصم كذا. فإذا غابت الشمس فكل واشرب، حتى يتبين لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، وصم ثلاثين يوما، إلا أن ترى الهلال قبل ذلك. فأخذت خيطين من شعر أسود وأبيض، فكنت أبصر فيهما فلا يتبين لي، فذكرت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فضحك، فقال:
يا ابن حاتم، إنما ذلك بياض النهار من سواد الليل.
وأما حديث سهل بن سعد: فأخرجه البخاري البخاري (٤/ ١٥٧) في الصوم، باب قول الله تعالى: وَكُلُوا-

الأيْمَانِ ونحوها، وأما على ظاهر اللغة، وأخذه من السعة، فهو من الإِسْفَار، وقال الزَّجَّاج في «كتاب الأنوار» : أَوَّلُ النهارِ ذُرُورُ الشمسِ، قال: وزعم النَّضْرُ بن شُمَيْلٍ «١» أن أول النهار ابتداءُ طلوعِ الشمسِ، ولا يعدُّ ما قبل ذلك من النَّهار.
قال ع «٢» : وقول النبيّ صلّى الله عليه وسلم هو الحَكَم.
وَالْفُلْكِ: السُّفُن، ومفرده وجمعه بلفظ واحد.
وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ يعني به الأمطارَ، وَبَثَّ: معناه: فرق، وبسط، ودَابَّةٍ: تجمع الحيوان كلّه.
وتَصْرِيفِ الرِّياحِ: إِرسالها عقيماً، وملقَّحة وَصِرًّا ونَصْراً وهلاكاً وجنوباً وشَمالاً وغير ذلك، والرِّيَاحُ: جمع ريحٍ، وجاءت في القرآن مجموعةً مع الرحمة، مفردةً مع العذاب، إِلا في «يُونُسُ» في قوله سبحانَه: وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ [يونس: ٢٢] وهذا، أغلب وقوعها في الكلام، وفي الحديثِ: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم إِذَا هَبَّتْ رِيحٌ، يَقُولُ:
اللَّهُمَّ، اجعلها رِيَاحاً، وَلاَ تَجْعَلْهَا رِيحاً» «٣»، وذلك لأن ريح العذابِ شديدة ملتئمة
(١) النضر بن شميل بن خرشة بن يزيد المازني، التميمي، أبو الحسن: أحد الأعلام بمعرفة أيام العرب ورواية الحديث وفقه اللغة، ولد ب «مرو» (من بلاد «خراسان» ) سنة ١٢٢ هـ. من مصنفاته: «الصفات» كبير، من صفات الإنسان، والبيوت، والجبال، والإبل، والغنم، والطير، والكواكب، والزروع، و «كتاب السلاح»، و «المعاني» و «غريب الحديث» و «الأنواء». وتوفي ب «مرو» سنة ٢٠٣ هـ.
ينظر: «الأعلام» (٨/ ٣٣)، و «وفيات الأعيان» (٢/ ١٦١)، و «غاية النهاية» (٢/ ٣٤١). [.....]
(٢) «المحرر الوجيز» (١/ ٢٣٣).
(٣) أخرجه أبو يعلى (٤/ ٣٤١) رقم (٢٤٥٦) من طريق حسين بن قيس عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا.
وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (١٠/ ١٣٨)، وقال: رواه الطبراني، وفيه حسين بن قيس. الملقب بحنش، وهو متروك، وقد وثقه حصين بن نمير، وبقية رجاله رجال الصحيح. اهـ.
والحديث ذكره الحافظ في «المطالب العالية» رقم (٣٣٧١)، وعزاه إلى مسدد وأبي يعلى.