آيات من القرآن الكريم

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ
ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ

كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ، وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ. وَقِيلَ إِنَّهُ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ، فَإِنْ تَرَكَهُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا جَبَرَهُ بِدَمٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أحمد وبه يقول طَائِفَةٌ، وَقِيلَ بَلْ مُسْتَحَبٌّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ، وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تعالى: وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَرْجَحُ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ طَافَ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ: «لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» فَكُلُّ مَا فَعَلَهُ فِي حَجَّتِهِ تِلْكَ وَاجِبٌ لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهِ فِي الْحَجِّ، إِلَّا مَا خَرَجَ بِدَلِيلٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ «اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ» فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الطَّوَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ، أَيْ مِمَّا شرع الله تعالى لإبراهيم فِي مَنَاسِكِ الْحَجِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ طواف هَاجَرَ وَتَرْدَادِهَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي طَلَبِ الماء لولدها لما نفذ ماؤهما وزادهما حين تركهما إبراهيم عليه السلام هنالك، وليس عندهما أحد من الناس، فلما خافت على ولدها الضيعة هنالك، ونفذ ما عندهما، قَامَتْ تَطْلُبُ الْغَوْثَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فلم تزل تتردد فِي هَذِهِ الْبُقْعَةِ الْمُشَرَّفَةِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، مُتَذَلِّلَةً خَائِفَةً وَجِلَةً مُضْطَرَّةً فَقِيرَةً إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، حَتَّى كَشَفَ اللَّهُ كُرْبَتَهَا، وَآنَسَ غُرْبَتَهَا، وَفَرَّجَ شِدَّتَهَا، وَأَنْبَعَ لَهَا زَمْزَمَ التِي مَاؤُهَا «طَعَامُ طَعْمٍ، وَشِفَاءُ سُقْمٍ» فَالسَّاعِي بَيْنَهُمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَحْضِرَ فَقْرَهُ وَذُلُّهُ وَحَاجَتَهُ إِلَى اللَّهِ، فِي هِدَايَةِ قَلْبِهِ وَصَلَاحِ حَالِهِ وَغُفْرَانِ ذَنْبِهِ، وَأَنْ يَلْتَجِئَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وجل، لتفريج مَا هُوَ بِهِ مِنَ النَّقَائِصِ وَالْعُيُوبِ، وَأَنْ يَهْدِيَهُ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَأَنْ يُثَبِّتَهُ عَلَيْهِ إِلَى مَمَاتِهِ وَأَنْ يُحَوِّلَهُ مِنْ حَالِهِ الذِي هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي، إِلَى حَالِ الْكَمَالِ وَالْغُفْرَانِ وَالسَّدَادِ وَالِاسْتِقَامَةِ كَمَا فَعَلَ بِهَاجَرَ عليها السلام.
وقوله وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً قِيلَ زَادَ فِي طَوَافِهِ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الْوَاجِبِ، ثَامِنَةً وَتَاسِعَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَقِيلَ يَطُوفُ بَيْنَهُمَا فِي حَجَّةِ تَطَوُّعٍ أَوْ عُمْرَةِ تَطَوُّعٍ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ تَطَوَّعَ خَيْرًا فِي سائر العبادات، حكى ذلك الرَّازِيُّ، وَعَزَى الثَّالِثَ إِلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَوْلُهُ فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ أَيْ يُثِيبُ عَلَى الْقَلِيلِ بِالْكَثِيرِ، عَلِيمٌ بِقَدْرِ الْجَزَاءِ فلا يبخس أحدا ثوابه، ولا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً [النساء: ٤٠].
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٥٩ الى ١٦٢]
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ (١٥٩) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٦٠) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٦١) خالِدِينَ فِيها لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (١٦٢)
هَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ لمن كتم ما جاء بِهِ الرُّسُلُ مِنَ الدَّلَالَاتِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمَقَاصِدِ الصَّحِيحَةِ، وَالْهُدَى النَّافِعِ لِلْقُلُوبِ مِنْ بَعْدِ مَا بينه الله تعالى لعباده من كُتُبِهِ التِي أَنْزَلَهَا عَلَى رُسُلِهِ.

صفحة رقم 342

قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، كَتَمُوا صِفَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ يَلْعَنُهُمْ كُلُّ شَيْءٍ عَلَى صَنِيعِهِمْ ذَلِكَ، فَكَمَا أَنَّ الْعَالِمَ يَسْتَغْفِرُ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى الْحُوتُ فِي الْمَاءِ، وَالطَّيْرُ في الهواء، فهؤلاء بخلاف العلماء، فَيَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الحديث المسند من طرائق يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، قَالَ: «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ، أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ» وَالذِي فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَوْلَا آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَا حَدَّثْتُ أَحَدًا شَيْئًا إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى الْآيَةَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنِ المنهال بن عمرو، عن زاذان بن عمرو، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةٍ، فَقَالَ: «إِنَّ الْكَافِرَ يُضْرَبُ ضَرْبَةً بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فيسمع صوته كُلُّ دَابَّةٍ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ، فَتَلْعَنُهُ كُلُّ دَابَّةٍ سَمِعَتْ صَوْتَهُ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى، أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ يَعْنِي دَوَابُّ الْأَرْضِ» وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ عامر بْنِ مُحَمَّدٍ بِهِ، وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: كُلُّ دَابَّةٍ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إذا أجدبت الأرض، قال الْبَهَائِمُ: هَذَا مِنْ أَجْلِ عُصَاةِ بَنِي آدَمَ، لَعَنَ اللَّهُ عُصَاةَ بَنِي آدَمَ، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَقَتَادَةُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ يعني تلعنهم الملائكة وَالْمُؤْمِنُونَ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْعَالِمَ يستغفر له كل شيء، حتى الحيتان في البحر، وَجَاءَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ كَاتِمَ الْعِلْمِ يَلْعَنُهُ اللَّهُ وَالْمَلَائِكَةُ وَالنَّاسُ أَجْمَعُونَ وَاللَّاعِنُونَ أَيْضًا، وَهُمْ كُلُّ فَصِيحٍ وَأَعْجَمِيٍّ، إِمَّا بِلِسَانِ الْمَقَالِ، أَوِ الْحَالِ، أَوْ لَوْ كَانَ لَهُ عَقْلٌ ويوم الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ اسْتَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ تَابَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا أَيْ رَجَعُوا عَمَّا كانوا فيه وأصلحوا أعمالهم وبينوا للناس ما كانوا يكتمونه فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الدَّاعِيَةَ إِلَى كَفْرٍ، أَوْ بِدْعَةٍ إِذَا تَابَ إِلَى اللَّهِ تَابَ الله عليه.
وقد ورد أن الأمم السالفة لَمْ تَكُنِ التَّوْبَةُ تُقْبَلُ مِنْ مِثْلِ هَؤُلَاءِ مِنْهُمْ وَلَكِنَّ هَذَا مِنْ شَرِيعَةِ نَبِيِّ التَّوْبَةِ وَنَبِيِّ الرَّحْمَةِ صَلَوَاتُ اللَّهُ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَمَّنْ كَفَرَ بِهِ وَاسْتَمَرَّ بِهِ الْحَالُ إِلَى مَمَاتِهِ بِأَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خالِدِينَ فِيها أَيْ فِي اللَّعْنَةِ التَّابِعَةِ لَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ المصاحبة فهم فِي نَارِ جَهَنَّمَ التِي لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ فِيهَا أَيْ لَا يَنْقُصُ عَمَّا هُمْ فِيهِ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ أَيْ لَا يُغَيَّرُ عَنْهُمْ سَاعَةً وَاحِدَةً وَلَا يُفَتَّرُ بَلْ هُوَ متواصل دائم فنعوذ بالله من ذلك. قال أَبُو الْعَالِيَةِ وَقَتَادَةُ إِنَّ الْكَافِرَ يُوقَفُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَلْعَنُهُ اللَّهُ ثُمَّ تَلْعَنُهُ الْمَلَائِكَةُ، ثُمَّ يَلْعَنُهُ النَّاسُ أَجْمَعُونَ.
[فَصْلٌ] لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ لَعْنِ الْكُفَّارِ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ومن بَعْدَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ، يَلْعَنُونَ الْكَفَرَةَ فِي الْقُنُوتِ وَغَيْرِهِ، فَأَمَّا الْكَافِرُ الْمُعَيَّنُ، فَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَا يُلْعَنُ لِأَنَّا لا ندري بما يختم الله له، واستدل بعضهم بالآية إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا

صفحة رقم 343
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية