
المعلى، وحارثة بن سراقة، ومعوذ بن عفراء، وعوف بن عفراء. وكان الناس يقولون: مات فلان ومات فلان، فنهى الله تعالى أن يقال فيهم إنهم ماتوا. وقال آخرون: إن الكفار والمنافقين قالوا: إن الناس يقتلون أنفسهم طلبا لمرضاة محمد من غير فائدة فنزلت تلك الآية وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ أي والله لنصيبنكم إصابة من يختبر أحوالكم أتصبرون على البلاء وتستسلمون للقضاء أم لا؟
بِشَيْءٍ أي بقليل مِنَ الْخَوْفِ من العدو وَالْجُوعِ في قحط السنين وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ بالهلاك وَالْأَنْفُسِ بالقتل والموت وَالثَّمَراتِ بالجوانح.
قال الشافعي رضي الله عنه: الخوف: خوف الله، والجوع: صيام شهر رمضان، والنقص من الأموال: الزكاة والصدقات، والنقص من الأنفس: الأمراض، ومن الثمرات: موت الأولاد. وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الخطاب لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو لكل من يتأتى منه البشارة. الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا باللسان والقلب معا إِنَّا لِلَّهِ أي نحن عبيد الله وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (١٥٦) بعد الموت. قال أبو بكر الوراق: «إنا لله» إقرار منا بالملك له تعالى وإنا إليه راجعون إقرار على أنفسنا بالهلاك أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ أي مغفرة مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ أي لطف وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (١٥٧) للاسترجاع حيث سلموا لقضاء الله تعالى إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ أي من علامات مواضع العبادات لله بالحج والعمرة. فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما أي فلا إثم عليه في أن يسعى بينهما سبعا.
قال ابن عباس: كان على الصفا صنم اسمه أساف، وعلى المروة صنم آخر اسمه نائلة.
وكان أهل الجاهلية يطوفون بهما ويتمسحون بهما فلما جاء الإسلام كره المسلمون الطواف بينهما لأجل الصنمين فأذن الله تعالى فيه وأخبر أنه من شعائر الله لا من شعائر الجاهلية وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً أي زاد على ما فرض الله عليه من حج أو عمرة حتى طاف بالصفا والمروة تطوعا فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ أي مجاز على الطاعة عَلِيمٌ (١٥٨) أي يعلم قدر الجزاء فلا يبخس المستحق حقه. إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ هي كل ما أنزله الله على الأنبياء وَالْهُدى أي ما يهدى في وجوب اتباعه صلّى الله عليه وسلّم والإيمان به من الدلائل العقلية والنقلية مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ أي لبني إسرائيل فِي الْكِتابِ أي التوراة أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ أي يبعدهم من رحمته وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (١٥٩) أي يسألون الله أن يلعنهم ويقولون: اللهم العنهم، وهؤلاء دواب الأرض. كذا قال مجاهد أخرجه سعيد بن منصور وغيره. وقال قتادة والربيع هم الملائكة والمؤمنون أخرجه ابن جرير. إِلَّا الَّذِينَ تابُوا أي ندموا على ما فعلوا وَأَصْلَحُوا بالعزم على عدم العود وَبَيَّنُوا ما كتموه فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ أي أقبل توبتهم وَأَنَا التَّوَّابُ أي القابل لتوبة من تاب الرَّحِيمُ (١٦٠) أي المبالغ في نشر الرحمة لمن مات على التوبة
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بالكتمان وغيره وَماتُوا وَهُمْ

كُفَّارٌ
بالله ورسوله أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٦١) حتى أهل دينهم فإنهم يوم القيامة يلعن بعضهم بعضا خالِدِينَ فِيها أي اللعنة لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ طرفة عين وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (١٦٢) أي يؤجلون من العذاب فإذا استمهلوا لا يمهلون، وإذا استغاثوا لا يغاثون وَإِلهُكُمْ أي المستحق منكم العبادة إِلهٌ واحِدٌ أي فرد في الإلهية لا إِلهَ إِلَّا هُوَ أي لا معبود لنا موجود إلّا الإله الواحد الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (١٦٣) خبران آخران للمبتدأ، فالرحمن المبالغ في النعمة والرحيم كثير النعمة إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٦٤) اعلم أنه تعالى لما حكم بالوحدانية ذكر ثمانية أنواع من الدلائل التي يمكن أن يستدل بها على وجوده تعالى وعلى براءته من الأنداد.
النوع الأول: السموات والأرض والآيات في السماء هي: سمكها وارتفاعها بغير عمد ولا علاقة وما يرى فيها من الشمس والقمر والنجوم، والآيات في الأرض مدّها وبسطها على الماء، وما يرى فيها من الجبال والبحار والمعادن والجواهر والأنهار والأشجار، والثمار.
النوع الثاني: الليل والنهار والآيات فيهما تعاقبهما بالمجيء والذهاب، واختلافهما في الطول والقصر، والزيادة والنقصان. والنور والظلمة وانتظام أحوال العباد في معاشهم بالراحة في الليل والسعي في الكسب في النهار.
النوع الثالث: السفن والآيات فيها جريانها على وجه الماء وهي موقرة بالأثقال والرحال فلا ترسب، وجريانها بالريح مقبلة ومدبرة وتسخير البحر لحمل السفن مع قوة سلطان الماء، وهيجان البحر فلا ينجي منه إلا الله تعالى.
النوع الرابع: ركوب السفن والحمل عليها في التجارة والآيات في ذلك أن الله تعالى لو لم يقو قلوب من يركب هذه السفن لما تمّ الغرض في تجاراتهم ومنافعهم، وأيضا فإن الله تعالى خصّ كل قطر من أقطار العالم بشيء معين فصار ذلك سببا يدعوهم إلى اقتحام الأخطار في الأسفار من ركوب السفن وجوف البحر وغير ذلك فالحامل ينتفع لأنه يربح والمحمول إليه ينتفع بما حمل إليه.
النوع الخامس: نزول المطر من السماء والآيات في ذلك أن الله جعل الماء سببا لحياة جميع الموجودات من حيوان ونبات، وأنه ينزله عند الحاجة إليه بمقدار المنفعة
وعند الاستسقاء وينزله بمكان دون مكان.

النوع السادس: انتشار كل دابة في الأرض والآيات في ذلك أن جنس الإنسان يرجع إلى أصل واحد وهو آدم مع ما فيهم من الاختلاف في الصور والأشكال والألوان والألسنة والطبائع والأخلاق والأوصاف إلى غير ذلك، ثم يقاس على بني آدم سائر الحيوان.
النوع السابع: الريح والآيات فيه أنه جسم لطيف لا يمسك ولا يرى، وهو مع ذلك في غاية القوة بحيث يقلع الشجر والصخر ويخرب البنيان وهو مع ذلك حياة الوجود فلو أمسك طرفة عين لمات كل ذي روح وأنتن على ما وجه الأرض.
النوع الثامن: السحاب والآيات في ذلك أن السحاب مع ما فيه من المياه العظيمة التي تسيل منها الأودية العظيمة يبقى معلقا بين السماء والأرض بلا علاقة تمسكه ولا دعامة تسنده.
قال القاضي زكريا: إن السحاب من شجرة مثمرة في الجنة والمطر من بحر تحت العرش وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً أي ومن الكفار من يعبد من غير الله أوثانا يُحِبُّونَهُمْ حبا كائنا كَحُبِّ اللَّهِ أي كحبهم لله تعالى أي يسوّون بينه تعالى وبين الأصنام في الطاعة والتعظيم أو يحبون عبادتهم أصنامهم كحب المؤمنين إلى الله تعالى بالعبادة وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ من الكفار لأصنامهم فإن المؤمنين لا يتضرعون إلا إلى الله تعالى بخلاف المشركين فإنهم يعدلون إلى الله عند الحاجة وعند زوال الحاجة يرجعون إلى الأصنام. وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ (١٦٥).
قرأ الجمهور ولو يرى بالياء المنقوطة من تحت مع فتح الهمزة من أن عند القراء السبع.
والمعنى لو لم يعلم الذين أشركوا بالله شدة عذاب الله وقوته لما اتخذوا من دونه أندادا، وعلى قراءة بعض القراء غير السبع بكسر الهمزة من إن كان التقدير ولو يعلم الذين ظلموا بعبادة الأصنام عجزها حال مشاهدتها عذاب الله لقالوا: إن القوة لله. وقرأ نافع وابن عامر «ترى» بالتاء المنقوطة من فوق مع فتح الهمزة على الخطاب للرسول صلّى الله عليه وسلّم أو لكل أحد ممن يصلح للخطاب والمعنى ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب، ترى أن القوة لله جميعا ولو كسرت الهمزة كان المعنى ولو ترى الذين أشركوا إذ يرون العذاب لقلت: إن القوة لله جميعا. وقرأ ابن عامر يرون بضم الياء إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا أي القادة وهم الرؤساء من مشركي الإنس مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا أي السفلة وَرَأَوُا الْعَذابَ أي وقد رأى القادة والسفلة العذاب في الآخرة وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ (١٦٦) أي تقطعت عنهم المواصلات والأرحام والأعمال والعهود والألفة بينهم أي أنكر القادة إضلال السفلة يوم القيامة حين يجمعهم الله وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا أي السفلة لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً أي ليت لنا رجعة إلى الدنيا فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ أي القادة هناك كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا اليوم كَذلِكَ أي كما أراهم