آيات من القرآن الكريم

الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ۖ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ

[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٤٦ الى ١٤٧]

الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤٦) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١٤٧)
وقوله تعالى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ... الآية: الضمير في يعرفونه عائدٌ على الحق في القبلة، والتحوُّل إلى الكعبة، قال ابن عبَّاس وغيره «١»، وقال مجاهدٌ وغيره:
هو عائدٌ على محمّد صلّى الله عليه وسلم، أي: يعرفون صدْقَه ونبوَّته «٢».
ت: بل وصفاتِهِ.
وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ: الفريقُ: الجماعةُ، وخص، [لأن] منهم من أسلم ولم يكتم والإشارة بالحق إلى ما تقدَّم على الخلاف في ضمير يَعْرِفُونَهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ظاهرٌ في صحَّة الكفر عناداً.
وقوله تعالى: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ، أي: هو الحق، فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ:
الخطاب للنبيّ/ صلّى الله عليه وسلم والمرادُ أمَّته، وامترى في الشيء، إِذا شك فيه ومنه: المراء، لأن ٣٨ ب هذا يشك في قول هذا.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٤٨ الى ١٥١]
وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٤٨) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٤٩) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٠) كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (١٥١)
وقوله تعالى: لِكُلٍّ وِجْهَةٌ
: الوجهةُ: من المواجهة كالقبلة، والمعنى: ولكلِّ صاحبِ ملَّة وجهةٌ هو مولِّيها نفْسَه، قاله ابن عبّاس وغيره «٣».
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٢/ ٢٨) برقم (٢٢٦٧) عن ابن عباس، كما أخرج عدة آثار بهذا المعنى عن قتادة، والربيع، والسدي وغيرهم.
والأثر ذكره ابن عطية في «تفسيره» (١/ ٢٢٣)، والسيوطي في «الدر» (١/ ٢٧٠).
(٢) ذكره ابن عطية (١/ ٢٢٤).
(٣) أخرجه الطبري (٢/ ٣١) برقم (٢٢٨٠) عن الربيع وبرقم (٢٢٨١) عن عطاء وبرقم (٢٢٨٣) عن ابن عباس.
وذكره ابن عطية الأندلسي (١/ ٢٢٤)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ٢٧١)، وعن ابن عباس، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم.

صفحة رقم 331

وقرأ ابن عامر «١» :«هُوَ مَولاَّهَا»، أيْ: اللَّه مُوَلِّيها إياهم، ثم أمر تعالى عباده باستباق الخَيْرات، والبدارِ، إلى سبيل النجاة، وروى ابن المبارك في «رقائقه» بسنده أَن النبيّ صلّى الله عليه وسلم قال: «مَنْ فُتِحَ لَهُ بَابٌ مِنَ الخَيْرِ فَلْيَنْتَهُزْهُ «٢»، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي، متى يُغْلَقُ عَنْهُ». انتهى.
ثم وعظهم سبحانه بذكْر الحشر موعظةً تتضمَّن وعيداً وتحذيراً.
ص: «أينما» ظرفٌ مضمَّن معنى الشرط في موضعِ خَبَرِ «كان». انتهى.
وقوله: أْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً
يعني به البعْثَ من القبور.
وقوله تعالى: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ معناه: حيثُ كنْتَ، وأَنى توجَّهْتَ من مشارقِ الأرض، ومغاربِها، وكرَّرت هذه الآية تأكيداً من اللَّه سبحانه لأن موقع التحويلِ كان صَعْباً في نفوسهم جدًّا، فأكَّد الأمر ليرى الناسُ التهمُّم به، فيخفَّ عليهم وتسكُنَ نفوسُهم إليه.
وقوله تعالى: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ... الآية: المعنى: عرفتكم وجه الصواب في قبلتكم، والحجة لذلك لئلاَّ يكون للناسِ عليكم حجةٌ، والمراد ب «النَّاس» العمومُ في اليهودِ والعربِ وغيرهم إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ، أي: من المذكورين ممَّن تكلَّم في النازلة في قولهم: مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ [البقرة: ١٤٢].
وقوله تعالى: فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي... الآية: [فيه] تحقيرٌ لشأنهم، وأمر باطراح أمرهم، ومراعاة أمره سبحانه، قال الفَخْر «٣» : وهذه الآية تدلُّ على أن الواجب علَى المَرْء في كلِّ أفعاله وتروكه أن ينصب بين عينيه خشيةَ ربه تعالى، وأن يعلم أنه ليس في أيدي الخَلْقِ شيء البتَّةَ وألاَّ يكون مشتغل القَلْب بهم، ولا ملتفت الخاطر إليهم. انتهى.

(١) وحجته في هذه القراءة أنه: قدر له أن يتولاها، ولم يسند إلى فاعل بعينه، فيجوز أن يكون «هو» كناية عن الاسم الذي أضيفت إليه «كل». وهو الفاعل، ويجوز أن يكون فاعل التولية «الله»، و «هو» كناية عنه. والتقدير: ولكل ذي ملة قبلة الله موليها وجهه. ثم ردّ ذلك إلى ما لم يسمّ فاعله.
ينظر: «حجة القراءات» (١١٧)، و «الحجة للقراء السبعة» (٢/ ٢٣٠)، و «العنوان» (٧٢)، و «شرح طيبة النشر» (٤/ ٧٤، ٧٥)، و «شرح شعلة» (٢٧٨)، و «معاني القراءات» (١/ ١٨١)، و «إتحاف فضلاء البشر» (١/ ٤٢٢).
(٢) النهزة: الفرصة، وانتهزتها: اغتنمتها. ينظر: «النهاية» (٥/ ١٣٥).
(٣) «التفسير الكبير» (٤/ ١٢٧).

صفحة رقم 332

قال ص: إِلَّا الَّذِينَ استثناءٌ متَّصِلٌ، قاله ابن عباس وغيره، أي: لئلاَّ تكون حجةٌ من اليهود المعاندين القائلين ما ترك قبلتنا، وتوجَّه للكعبة إِلاَّ حبًّا لبلده، وقيل:
منقطع، أي: لكن الذين ظلموا منهم فإِنهم يتعلَّقون عليكم بالشُّبَه، وزعم أبو عُبَيْدة مَعْمَرُ بْنُ المثنى: إن «إِلاَّ» في الآية بمعنى «الواو»، قال ومنه: [الوافر] :

وَكُلُّ أَخٍ مُفَارِقُهُ أَخُوه لَعَمْرُ أَبِيكَ إِلاَّ الفَرْقَدَانِ «١»
أي: والَّذين ظلموا، وَالفَرْقَدَان، ورُدَّ بأنَّ «إِلاَّ» بمعنى الواو ولا يقوم علَيْه دليلٌ.
انتهى.
وقوله تعالى: فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ أمر باستقبال القبْلَة، وهو شرطٌ في الفرض إِلاَّ في القتالِ حالة الالتحامِ، وفي النوافل إِلا في السفرِ الطويلِ للرَّاكب، والقدرةُ على اليقينِ في مصادفتها تَمْنَعُ من الاِجتهادِ، وعلى الاِجتهادِ تَمْنَعُ من التقليد.
وقوله سبحانه: وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ عطْفٌ على قوله: «لَئِلاَّ» وقيل: هو في موضع رفع بالاِبتداء، والخبرُ مضمرٌ، تقديره: ولأتمَّ نعمتي عليكم، عرَّفتكم قبلتي، ونحوهُ، وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ترجٍّ في حقِّ البشر، والكافُ في قوله: «كَمَا» ردٌّ على قوله:
«وَلأُتِمَّ»، أي: إِتماماً كما، وهذا أحسنُ الأقوال، أي: لأتم نعمتي عليكم في بيان سُنَّة إِبراهيم عليه السلام/ كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ إِجابة لدعوته في قوله: رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ [البقرة: ١٢٩]. ٣٩ أ
(١) البيت لعمرو بن معد يكرب في ديوانه (ص ١٧٨) و «الكتاب» (٢/ ٣٣٤) و «لسان العرب» (١٥/ ٤٣٢) (ألا) و «الممتع في التصريف» (١/ ٥١) والحضرمي بن عامر في «تذكرة النحاة» (ص ٩٠) و «حماسة البحتري» (ص ١٥١) و «الحماسة البصرية» (٢/ ٤١٨) و «شرح أبيات سيبويه» (٢/ ٤٦) و «المؤتلف والمختلف» (ص ٨٥) ولعمرو أو لحضرمي في «خزانة الأدب» (٣/ ٤٢١) و «الدرر» (٣/ ١٧٠) و «شرح شواهد المغني» (١/ ٢١٦) وبلا نسبة في «الأشباه والنظائر» (٨/ ١٨٠) و «أمالي المرتضى» (٢/ ٨٨) و «الإنصاف» (١/ ٢٦٨) و «الجنى الداني» (ص ٥١٩) و «خزانة الأدب» (٩/ ٣٢١، ٣٢٢) و «رصف المباني» (ص ٩٢) و «شرح الأشموني» (١/ ٢٣٤) و «شرح المفصل» (٢/ ٨٩) و «العقد الفريد» (٣/ ١٠٧، ١٣٣) و «فصل المقال» (ص ٢٥٧) و «مغني اللبيب» (١/ ٧٢) و «المقتضب» (٤/ ٤٠٩) و «همع الهوامع» (١/ ٢٢٩).
واستشهد به على نعت «كلّ» بقوله: «إلّا الفرقدان» على تقدير «غير». وفيه ردّ على المبرد الذي زعم أنّ الوصف ب «إلّا» لم يجىء إلّا فيما يجوز فيه البدل. ف «إلّا الفرقدان» صفة، ولا يمكن فيه البدل.
(والفرقدان) نجمان قريبان من القطب، لا يفارق أحدهما الآخر.

صفحة رقم 333
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية