
قوله تعالى: ﴿الحق مِن رَّبِّكَ﴾ : فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أظهرُها: أنه مبتدأٌ وخبرُه الجارُّ والمجرورُ بعده، وفي الألفِ واللامِ حينئذٍ وجهان، أحدُهما: أن تكونَ للعهدِ، والإِشارةُ إلى الحقِّ الذي عليه الرسولُ عليه السلام أو إلى الحقِّ الذي في قولِه «يكتمون الحقَّ» أي: هذا الذي يكتمونه هو الحقُّ من ربك، وأن تكونَ للجنسِ على معنى الحقُّ من اللهِ لا من غيره. الثاني: أنه خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ أي: هو الحقُّ من ربك، والضميرُ يعودُ على الحقِّ المكتومِ أي ما كتموه هو الحقُّ. الثالث: أنه مبتدأٌ والخبرُ محذوفٌ تقديرُه: الحقُّ من ربِّك يعرفونه، والجارُّ والمجرورُ على هذين القولين في محل نصبٍ على الحالِ من «الحق»، ويجوز أن يكونَ خبراً بعد خبرٍ في الوجهِ الثاني.
وقرأ علي بن أبي طالب: ﴿الحقَّ من ربك﴾ نصباً، وفيه ثلاثةُ أوجه، أحدُها: أنه منصوبٌ على البدلِ من الحقّ المكتوم، قاله الزمخشري الثاني: أن يكونَ منصوباً بإضمار «الزم» ويدلُّ عليه الخطابُ بعده [في] قوله: «فلا تكونَنَّ» الثالث: أنه يكونَ منصوباً ب «يَعْلَمون» قبلَه. وذكر هذين الوجهين ابنُ عطية، وعلى هذا الوجهِ الأخيرِ يكونُ مِمَّا وقع فيه الظاهرُ موقعَ المضمر أي: وهم يعلمونَه كائناً من ربك، وذلك سائغٌ حسنٌ في أماكنِ التفخيم والتهويل نحو:

٧٦٨ - لا أَرى الموتَ يَسْبِقُ الموتَ شيءٌ | .................... |
والمتراءُ: افْتِعال من المِرْيَةِ وهي الشَّكُّ، ومنه المِراء قال:
٧٦٩ - فإيَّاك إيَّاكَ المِراءَ فإنَّه | إلى الشَّرِّ دَعَّاءٌ وللشَّرِّ جَالِبُ |

ففرَّق بين المِرْيةِ والشَّكِ كما تَرَى، وهذا كما تقدَّم له الفرقُ بين الرَّيْبَ والشك، وأنشدَ الطبري قولَ الأعشى:
٧٧٠ - تَدُرُّ على أَسْؤُقِ المُمْتَرِي | ن رَكْضاً إذا ما السرابُ ارْجَحَنْ |