آيات من القرآن الكريم

وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ۚ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ ۚ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ ۚ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ
ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ

المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى ما قاله السفهاء من اليهود عند تحويل القبلة من بيت المقدس إِلى الكعبة المعظمة، وأمر رسوله بأن يتوجه في صلاته نحو البيت العتيق، ذكر في هذه الآيات أن أهل الكتاب قد انتهوا في العناد والمكابرة إِلى درجة اليأس من إِسلامهم، فإِنهم ما تركوا قبلتك لشبهة عارضة تزيلها الحجة، وإنما خالفوك عناداً واستكباراً، وفي ذلك تسلية له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من جحود وتكذيب أهل الكتاب.
اللغَة: ﴿آيَةٍ﴾ الآية: الحجة والعلامة ﴿أَهْوَاءَهُم﴾ جمع هوى مقصور، وهوى النفس: ما تحبه وتميل إليه ﴿الممترين﴾ الامتراء: الشك، امترى في الشيء شك فيه ومنه المراء والمرْية ﴿وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ﴾ [الحج: ٥٥] أي شك ﴿وِجْهَةٌ﴾ قال الفراء: وجهة وجِهَة ووجه بمعنى واحد والمراد بها

صفحة رقم 91

القِبلة ﴿هُوَ مُوَلِّيهَا﴾ أي هو مولّيها وجهه فاستغنى عن ذكر الوجه قال الفراء: أي مستقبلها ﴿فاستبقوا﴾ أي بادروا وسارعوا ﴿الخيرات﴾ الأعمال الصالحة جمع خيْرة ﴿تَخْشَوْهُمْ﴾ تخافوهم والخشية: الخوف.
التفسِير: ﴿وَلَئِنْ أَتَيْتَ الذين أُوتُواْ الكتاب بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ﴾ أي والله لئن جئت اليهود والنصارى بكل معجزة على صدقك في أمر القبلة ما اتبعوك يا محمد ولا صلّوا إلى قبلتك ﴿وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ﴾ أي وليست أنت بمتبع قبلتهم بعد أن حوّلك الله عنها، وهذا لقطع أطماعهم الفارغة حيث قالت اليهود: لو ثبتَّ على قبلتنا لكنا نرجو أن تكون صاحبنا الذي ننتظره تغريراً له عليه السلام ﴿وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ﴾ أي إِن النصارى لا يتبعون قبلة اليهود، كما أن اليهود لا يتبعون قبلة النصارى، لما بينهم من العداوة والخلاف الشديد مع أن الكل من بني إسرائيل ﴿وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ العلم﴾ أي ولئن فرض وقدّر أنك سايرتهم على أهوائهم، واتبعت ما يهوونه ويحبونه بعد وضوح البرهان الذي جاءك بطريق الوحي ﴿إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظالمين﴾ أي تكون ممن ارتكب أفحش الظلم، والكلام وارد على سبيل الفرض والتقدير وإِلا فحاشاه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من أتباع أهواء الكفرة المجرمين، وهو من باب التهييج للثبات على الحق. ﴿الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب﴾ أي اليهود والنصارى ﴿يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾ أي يعرفونه محمداً معرفة لا امتراء فيها كما يعرف الواحد منهم ولده معرفة يقين ﴿وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحق وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ أي وإن جماعة منهم - وهم رؤساؤهم وأحبارهم - ليخفون الحق ولا يعلنونه ويخفون صفة النبي مع أنه منعوت لديهم بأظهر النعوت ﴿الذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التوراة والإنجيل﴾ [الأعراف: ١٥٧] فهم يكتمون أوصافه عن علم وعرفان ﴿الحق مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الممترين﴾ أي ما أوحاه الله إِليك يا محمد من أمر القبلة والدين هو الحق فلا تكوننَّ من الشاكّين، والخطاب للرسول والمراد أمته ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فاستبقوا الخيرات﴾ أي لكل أمة من الأمم قبلةٌ هو مولّيها وجهه أي مائل إِليها بوجهه فبادروا وسارعوا أيها المؤمنون إِلى فعل الخيرات ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ الله جَمِيعاً﴾ أي في أي موضع تكونوا من أعماق الأرض أو قمم الجبال يجمعكم الله للحساب فيفصل يبن المحق والمبطل ﴿إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أي هو قادر على جمعكم من الأرض وإن تفرقت أجسامكم وأبدانكم ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المسجد الحرام﴾ أي من أيّ مكان خرجت إِليه للسفر فتوجه بوجهك في صلاتك جهة الكعبة ﴿وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ تقدم تفسيره وكرّره لبيان تساوي حكم السفر والحضر ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المسجد الحرام وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ هذا أمر ثالث باستقبال الكعبة المشرفة، وفائدة هذا التكرار أن القبلة كان أول ما نسخ من الأحكام الشرعية، فدعت الحاجة إِلى التكرار لأجل والتقرير وإِزالة الشبهة قال تعالى ﴿لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ﴾ أي عرّفكم أمر القبلة لئلا يحتج عليكم اليهود فيقولوا: يجحد ديننا ويتبع قبلتنا فتكون لها حجة عليكم أو كقول المشركين: يدعى محمد ملة إِبراهيم ويخالف قبلته ﴿إِلاَّ الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ واخشوني﴾ أي إِلا الظلمة المعاندين الذين لا يقبلون أيّ تعليل فلا تخافوهم وخافوني {وَلأُتِمَّ

صفحة رقم 92

نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} أي أتمّ فضلي عليكم بالهداية إِلى قبلة أبيكم إبراهيم والتوفيق لسعادة الدارين.
البَلاَغَة: ١ - وضع اسم الموصول موضع الضمير في قوله ﴿أُوتُواْ الكتاب﴾ للإِيذان بكمال سوء حالهم من العناد.
٢ - ﴿وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَاءَهُم﴾ هذا من باب التهييج والإِلهاب للثبات على الحق.
٣ - ﴿وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ﴾ هذه الجملة أبلغ في النفي من قوله ﴿مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ﴾ لأنها جملة اسمية أولاً ولتأكيد نفيها بالباء ثانياً ذكره صاحب الفتوحات الإِلهية.
٤ - ﴿كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾ فيه تشبيه «مرسل مفصل» أي يعرفون محمداً معرفةً واضحة كمعرفة أبنائهم الذين من أصلابهم.
الفوَائِد: الأولى: روي أن عمر بن الخطاب قال لعبد الله بن سلام: أتعرف محمداً كما تعرف ولدك؟ قال وأكثر، نزل الأمين من السماء على الأمين في الأرض بنعته فعرفته ولست أشك فيه أنه نبيٌّ، وأما ولدي فلا أدري ما كان من أمه فلعلها خانت، فقبّل عمر رأسه.
الثانية: توجه الوعيد على العلماء أشد من توجهه على غيرهم، ولهذا زاد الله في ذم أهل الكتاب بقوله ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ فإِنه ليس المرتكب ذنباً عن جهلٍ كمن يرتكبه عن علم.
الثالثة: تكرر الأمر باستقبال الكعبة ثلاث مرات قال القرطبي: والحكمة في هذا التكرار أن الأول لمن هو بمكة، والثاني لمن هو ببقية الأمصار، والثالث لمن خرج في الأسفار.

صفحة رقم 93
صفوة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد علي بن الشيخ جميل الصابوني الحلبي
الناشر
دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع - القاهرة
الطبعة
الأولى، 1417 ه - 1997 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية