آيات من القرآن الكريم

تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ
ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ

﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ﴾ أي: أخفى. قرأ أبو عمرٍو: (أَظْلَم مِّمَّنْ) بإدغامِ الميمِ في الميم (١).
﴿شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ﴾ وهي علمُهم بأن (٢) إبراهيمَ وبنيه كانوا مسلمين، وأن محمدًا حَقٌّ ورسولٌ، أشهدَهُم اللهُ عليه في كتبهم، لفظُه الاستفهامُ، والمعنى: لا أحدَ أظلمُ منهم، وإياهم أرادَ الله تعالى بكتمان الشهادة، ثم تهدَّدَهم فقال:
﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ ثم كرر:
﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٤١)﴾.
[١٤١] ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ تأكيدًا.
﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٤٢)﴾.
[١٤٢] ﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ﴾ أي: الجهَّالُ من الناس وهم مشركو مكة، واليهودُ.
﴿مَا وَلَّاهُمْ﴾ صرَفَهم وحَوَّلَهم.

(١) عند تفسير الآية (٤) من سورة الفاتحة.
(٢) في "ت": "أن".

صفحة رقم 211

﴿عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾ يعني: بيت المقدس، والقبلةُ فِعْلَةٌ من المقابلة، سميت قبلةً؛ لأن المصلي يُقابلها وتُقابله. نزلت في الفريقين لما طعنوا في تحويلِ القبلةِ من بيتِ المقدس إلى مكةَ، فقال مشركو مكة: قد تردَّدَ على محمدٍ أمرُهُ، واشتاقَ إلى مولده، وقد يرجعُ نحوَ بلدِكم، وهو راجعٌ إلى دينكم، وقالت اليهودُ: اشتاقَ الرجلُ إلى وطنه، فقال الله تعالى:
﴿قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾ بما فيهما، المعنى: إنكم تصلُّون إلى الكعبةِ وهي بالمشرق، وإلى بيتِ المقدس وهو بالمغرب، وكلها له.
﴿يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ فيوجِّهُه تارةً إلى مكةَ، وتارة إلى بيتِ المقدس، لا اعتراضَ عليه؛ لأنه المالكُ وحدَهُ. قرأ نافعٌ، وأبو عمرٍو، وابنُ كثيرٍ، وأبو جعفرٍ، ورُوَيْسٌ: (يَشَاءُ إِلَى) بتحقيق الهمزة الأولى، وتسهيل الثانية، واختُلِفَ في كيفية تسهيلها، فذهب جمهورُ المتقدمين إلى أنها تبدلُ واوًا خالصةً مكسورةً، وذهبَ بعضُهم إلى أنها تُجعل بينَ الهمزة والياء، وهو مذهبُ أئمةِ النحو والمتأخِّرين من القرَّاء، وهو الأَوْجَهُ في القياس. وقرأ الباقون، وهم الكوفيون، وابنُ عامرٍ، وروحٌ: بتحقيق الهمزتين (١).
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ

(١) انظر: "إتحاف الفضلاء" للدمياطي (ص: ١٤٩)، و"معجم القراءات القرآنية" (١/ ١٢٢).

صفحة رقم 212

﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا﴾ أي: نجعلُها دُوَلةً.
﴿بَيْنَ النَّاسِ﴾ المؤمنينَ والكافرين، فمرةً لهم، ومرةً عليهم.
﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ علمًا يتعلَّقُ به الجزاء، وهو أن يظهرَ منهم الفعلُ، فيجازَوْنَ عليه.
﴿وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ﴾ بأن يُكْرِمَهم بالشهادةِ.
﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ الذين يُضمرونَ خِلافَ ما يُظهرون.
﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (١٤١)﴾.
[١٤١] ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ التمحيصُ: تخليصُ الشيء من عَيْبٍ فيه، المعنى: يُطَهِّر المؤمنين من الذنوب.
﴿وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ﴾ يُفنيهم، المعنى: إن قتلوكُم، فهو تطهيرٌ لكم، وإن قتلتموهم، فهو مَحْقُهُم واستئصالُهم.
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (١٤٢)﴾.
[١٤٢] ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾ (أَمْ) هي بمعنى الإضراب عن الكلامِ الأولِ والتركِ له، وفيها لازمُ معنى الاستفهام، و (حَسِبْتُمْ) معناه:

= و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ١٧٩)، و"معجم القراءت القرآنية" (٢/ ٦٦).

صفحة رقم 31
فتح الرحمن في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو اليمن مجير الدين عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن العليمي الحنبلي
تحقيق
نور الدين طالب
الناشر
دار النوادر (إصدَارات وزَارة الأوقاف والشُؤُون الإِسلامِيّة - إدَارَةُ الشُؤُونِ الإِسلاَمِيّةِ)
سنة النشر
1430 - 2009
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
7
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية