آيات من القرآن الكريم

رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
ﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ ﱿ ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ

[سورة البقرة (٢) : آية ١٢٦]

وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٢٦)
أى اجعل هذا البلد أو هذا المكان بَلَداً آمِناً ذا أمن، كقوله: (عِيشَةٍ راضِيَةٍ). أو آمنا من فيه، كقوله: ليل نائم. ومَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بدل من أهله، يعنى وارزق المؤمنين من أهله خاصة. وَمَنْ كَفَرَ عطف على من آمن كما عطف (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) على الكاف في جاعلك فإن قلت: لم خص إبراهيم صلوات اللَّه عليه المؤمنين حتى ردّ عليه؟ قلت: قاس الرزق على الإمامة فعرّف الفرق بينهما، لأنّ الاستخلاف استرعاء يختص بمن ينصح للمرعى، وأبعد الناس عن النصيحة الظالم، بخلاف الرزق فإنه قد يكون استدراجا للمرزوق وإلزاما للحجة له. والمعنى:
وأرزق من كفر فأمتعه. ويجوز أن يكون (وَمَنْ كَفَرَ) مبتدأ متضمنا معنى الشرط. وقوله (فَأُمَتِّعُهُ) جوابا للشرط، أى ومن كفر فأنا أمتعه. وقرئ فأمتعه فأضطره «١» فألزه إلى عذاب النار لزّ المضطر الذي لا يملك الامتناع مما اضطر إليه، وقرأ أبىّ: فنمتعه قليلا ثم نضطره.
وقرأ يحيى بن وثاب: فاضطره، بكسر الهمزة. وقرأ ابن عباس فأمتعه قليلا ثم اضطره، على لفظ الأمر. والمراد الدعاء من إبراهيم دعا ربه بذلك. فإن قلت: فكيف تقدير الكلام على هذه القراءة؟ قلت: في: (قال) ضمير إبراهيم، أى قال إبراهيم بعد مسألته اختصاص المؤمنين بالرزق: ومن كفر فأمتعه قليلا ثم اضطره. وقرأ ابن محيصن: فاطره، بإدغام الضاد في الطاء كما قالوا: اطجع، وهي لغة مرذولة، لأنّ الضاد من الحروف الخمسة التي يدغم فيها ما يجاورها ولا تدغم هي فيما يجاورها، وهي حروف «ضم شفر».
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٢٧ الى ١٢٩]
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٢٨) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٢٩)
(١). قوله «فأضطره» التلاوة: ثم أضطره (ع)

صفحة رقم 186

يَرْفَعُ حكاية حال ماضية. والْقَواعِدَ جمع قاعدة وهي الأساس والأصل لما فوقه، وهي صفة غالبة، ومعناها الثابتة. ومنه قعدك اللَّه، أى أسأل اللَّه أن يقعدك أى يثبتك. ورفع الأساس:
البناء «١» عليها لأنها إذا بنى عليها نقلت عن هيئة الانخفاض إلى هيئة الارتفاع وتطاولت بعد التقاصر ويجوز أن يكون المراد بها سافات البناء «٢» لأنّ كل ساف قاعدة للذي يبنى عليه ويوضع فوقه. ومعنى رفع القواعد: رفعها بالبناء لأنه إذا وضع سافا فوق ساف فقد رفع السافات. ويجوز أن يكون المعنى: وإذ يرفع إبراهيم ما قعد من البيت- أى استوطأ- يعنى جعل هيئته القاعدة المستوطئة مرتفعة عالية بالبناء، وروى أنه كان مؤسسا قبل إبراهيم فبنى على الأساس. وروى أن اللَّه تعالى أنزل البيت ياقوتة من يواقيت الجنة له بابان من زمرد: شرقى وغربي، وقال لآدم عليه السلام:
أهبطت لك ما يطاف به كما يطاف حول عرشي، فتوجه آدم من أرض الهند إليه ماشيا، وتلقته الملائكة فقالوا: بر حجك يا آدم، لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام «٣» وحج آدم أربعين حجة من أرض الهند إلى مكة على رجليه، فكان على ذلك إلى أن رفعه اللَّه أيام الطوفان إلى السماء الرابعة فهو البيت المعمور ثم إن اللَّه تعالى أمر إبراهيم ببنائه وعرّفه جبريل مكانه. وقيل بعث اللَّه سحابة أظلته: ونودي: أن ابن على ظلها لا نزد ولا تنقص. وقيل: بناه من خمسة أجبل طور سينا، وطور زيتا، ولبنان، والجودي، وأسسه من حراء. وجاءه جبريل بالحجر الأسود من السماء. وقيل: تمخض أبو قبيس فانشق عنه، وقد خبئ فيه في أيام الطوفان وكان ياقوتة بيضاء من الجنة، فلما لمسته الحيض في الجاهلية اسودّ. وقيل كان إبراهيم يبنى وإسماعيل يناوله الحجارة رَبَّنا أى يقولان ربنا. وهذا الفعل في محل النصب على الحال، وقد أظهره عبد اللَّه في قراءته،

(١). قوله «ورفع الأساس البناء» لعله الأسس- بضمتين. (ع)
(٢). قوله «المراد بها سافات البناء» قوله «سافات» عبارة أبى السعود. والفخر «ساقات» بالقاف بدل الفاء.
والصواب أنه بالفاء كما في الصحاح في باب الفاء: الساف: كل عرق من الحائط. (ع)
(٣). أخرجه الفاكهي في كتاب مكة من رواية الضحاك هو ابن مزاحم. قال: قال حذيفة: وسلمان الفارسي «سمعنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول إن اللَّه أنزل البيت من ياقوتة حمراء نزلت به الملائكة مع آدم، فنزلت به في الحرم ونزل آدم في الهند في جبل يقال له واشب بأرض الهند ونزل إبليس بالحرم فحول اللَّه إبليس إلى أرض الهند وحول آدم إلى الحرم. الحديث. وفي إسناده ضعف وانقطاع. ورواه أيضا من طريق ابن إدريس عن أبيه عن عطاء أن عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه سأل كعبا قال: أخبرنى عن بناء هذا البيت ما كان أمره؟ فقال: إن هذا البيت، أنزله اللَّه من السماء ياقوتة حمراء مجوفة مع آدم» وفي رواية النهاس بن قهم: سمعت عطاء يقول «قال آدم يا رب أين توجهني؟ قال تبنى لي بتهامة بيتا مما يلي البحر يطاف حوله، كما تطوف الملائكة حول عرشي. ويصلى عنده كما تصلى الملائكة عند عرشي. فأقبل نحو البيت. مما يلي الصفا. فطاف بالبيت وصلى عنده. قال النهاس: وحدثني عقيل على بن سفيان. حدثنا عطاء عن عبد اللَّه بن عمرو بمثله وقال الفاكهي في كتاب مكة أيضا: حدثنا ابن عمرو.
حدثنا سفيان عن ابن أبى لبيد قال «حج آدم فتلقته الملائكة فقالوا: أبر نسكك. فقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام»
وهكذا هو في جامع سفيان بن عيينة.

صفحة رقم 187

ومعناه: يرفعانها قائلين ربنا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ لدعائنا الْعَلِيمُ بضمائرنا ونياتنا. فإن قلت: هلا قيل: قواعد البيت، وأى فرق بين العبارتين؟ قلت: في إبهام القواعد وتبيينها بعد الإبهام ما ليس في إضافتها لما في الإيضاح بعد الإبهام من تفخيم لشأن المبين مُسْلِمَيْنِ لَكَ مخلصين لك أوجهنا، من قوله: (أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) أو مستسلمين. يقال: أسلم له وسلم واستسلم، إذا خضع وأذعن. والمعنى: زدنا إخلاصا أو إذعانا لك. وقرئ (مسلمين) على الجمع، كأنهما أرادا أنفسهما وهاجر، أو أجريا التثنية على حكم الجمع لأنها منه وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا واجعل من ذرّيتنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ و (من) للتبعيض أو للتبيين، كقوله: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ). فإن قلت:
لم خصا ذرّيتهما بالدعاء؟ قلت: لأنهم أحق بالشفقة والنصيحة (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً)، ولأنّ أولاد الأنبياء إذا صلحوا صلح بهم غيرهم وشايعوهم على الخير. ألا ترى أن المقدّمين من العلماء والكبراء إذا كانوا على السداد، كيف يتسببون لسداد من وراءهم؟ وقيل: أراد بالأمة أمة محمد صلى اللَّه عليه وسلم وَأَرِنا منقول من رأى بمعنى أبصر أو عرّف. ولذلك لم يتجاوز مفعولين، أى وبصرنا متعبداتنا في الحج، أو وعرفناها. وقيل: مذابحنا. وقرئ: وأرنا، بسكون الراء قياس على فخذ في فخذ. وقد استرذلت، لأنّ الكسرة منقولة من الهمزة الساقطة دليل عليها، فإسقاطها إجحاف. وقرأ أبو عمرو بإشمام الكسرة. وقرأ عبد اللَّه: وأرهم مناسكهم. وَتُبْ عَلَيْنا ما فرط منا «١» من الصغائر أو استتابا لذرّيتهما وَابْعَثْ فِيهِمْ في الأمة المسلمة رَسُولًا مِنْهُمْ من أنفسهم. وروى أنه قيل له: قد استجيب لك وهو في آخر الزمان، فبعث اللَّه فيهم محمداً صلى اللَّه عليه وسلم. قال عليه الصلاة والسلام «أنا دعوة أبى إبراهيم وبشرى أخى عيسى ورؤيا أمى «٢»

(١). قوله «وتب علينا ما فرط منا» لعله على تضمين تب معنى اغفر. (ع)
(٢). أخرجه أحمد والبزار وابن حبان. والطبراني والحاكم من حديث العرباض بن سارية: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول «إنى عبد اللَّه وخاتم النبيين، وأبى آدم منجدل في طينته وأخبركم عن ذلك. دعوة أبى إبراهيم، وبشارة عيسى، ورؤيا أمى التي رأت- الحديث» ولأحمد من حديث أبى أمامة رضى اللَّه عنه «قلت:
يا رسول اللَّه. ما كان بدؤ أمرك قال: دعوة أبى إبراهيم وبشرى عيسى، ورأت أمى أنه خرج منها نور أضاءت به قصور الشام»
ورواه البيهقي في الشعب. ثم قال «أما دعوة إبراهيم فهي قوله: (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ) وأما بشارة عيسى فهي قوله تعالى: (يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ). قال: وأما رؤيا أمه فذكر ابن إسحاق في السيرة قال «كانت آمنة بنت وهب أم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم تحدث أنها أتيت» ولأبى يعلى عن شداد بن أوس رفعه «أنا دعوة أبى إبراهيم، وبشرى أخى عيسى ابن مريم، وأن أمى رأت في المنام نوراً قالت: فجعلت أتبع بصرى النور فجعل النور يسبق بصرى حتى أضاء لي مشارق الأرض ومغاربها» وللحاكم في المستدرك من طريق ابن إسحاق عن ثور بن يزيد عن خالد ابن معدان عن أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم «قالوا: يا رسول اللَّه أخبرنا عن نفسك قال: دعوة أبى إبراهيم وبشرى عيسى، ورأت أمى أنه خرج منها نور أضاءت منه قصور الشام».

صفحة رقم 188
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية