آيات من القرآن الكريم

وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ

الْكَفَرَةِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ بَعِيدَةٌ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ عَالِمًا بِكُفْرِهِمْ «١»، وَكَانَ عَالِمًا بِأَنَّ الْكَافِرَ مُعَذَّبٌ، فَمَعَ هَذَا الْعِلْمِ كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ: لَيْتَ شِعْرِي مَا فَعَلَ أَبَوَايَ. وَالثَّانِي: مَعْنَى هَذَا النَّهْيِ تَعْظِيمُ مَا وَقَعَ فِيهِ الْكُفَّارُ مِنَ الْعَذَابِ، كَمَا إِذَا سَأَلْتَ عَنْ إِنْسَانٍ وَاقِعٍ فِي بَلِيَّةٍ فَيُقَالُ لَكَ: لا تسأل عنه، ووجه التعظيم أن المسؤول يَجْزَعُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى لِسَانِهِ مَا هُوَ فِيهِ لِفَظَاعَتِهِ فَلَا تَسْأَلْهُ وَلَا تُكَلِّفْهُ مَا يضجره، أو أنت يا مُسْتَخْبِرٌ لَا تَقْدِرُ عَلَى اسْتِمَاعِ خَبَرِهِ لِإِيحَاشِهِ السَّامِعَ وَإِضْجَارِهِ، فَلَا تَسْأَلْ، وَالْقِرَاءَةُ الْأُولَى يُعَضِّدُهَا قِرَاءَةُ أُبَيٍّ: وَمَا تُسْأَلُ وَقِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ ولن تسأل.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٢٠]
وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١٢٠)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا صَبَّرَ رَسُولَهُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْآيَةِ وَبَيَّنَ أَنَّ الْعِلَّةَ قَدِ انْزَاحَتْ مِنْ قِبَلِهِ لَا مِنْ قِبَلِهِمْ وَأَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُمْ فِي الثَّبَاتِ عَلَى التَّكْذِيبِ بِهِ عَقَّبَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْقَوْمَ بَلَغَ حَالُهُمْ فِي تَشَدُّدِهِمْ فِي بَاطِلِهِمْ وَثَبَاتِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ وَلَا يَرْضَوْنَ مِنْهُ بِالْكِتَابِ، بَلْ يُرِيدُونَ مِنْهُ الْمُوَافَقَةَ لَهُمْ فِيمَا هُمْ عَلَيْهِ فَبَيَّنَ بِذَلِكَ شِدَّةَ عَدَاوَتِهِمْ لِلرَّسُولِ وَشَرَحَ مَا يُوجِبُ الْيَأْسَ مِنْ مُوَافَقَتِهِمْ وَالْمِلَّةُ هِيَ الدِّينُ ثُمَّ قَالَ: قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى بِمَعْنَى أَنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الَّذِي يَهْدِي إِلَى الْإِسْلَامِ وَهُوَ الْهُدَى الْحَقُّ وَالَّذِي يَصْلُحُ أَنْ يُسَمَّى هُدًى وَهُوَ الْهُدَى كُلُّهُ لَيْسَ وَرَاءَهُ هُدًى، وَمَا يَدْعُونَ إِلَى اتِّبَاعِهِ مَا هُوَ بِهُدًى إِنَّمَا هُوَ هَوًى، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ أَيْ أَقْوَالَهُمُ الَّتِي هِيَ أَهْوَاءٌ وَبِدَعٌ، بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ أَيْ مِنَ الدِّينِ الْمَعْلُومِ صِحَّتُهُ بِالدَّلَائِلِ الْقَاطِعَةِ. مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ أَيْ مُعِينٍ يَعْصِمُكَ وَيَذُبُّ عَنْكَ، بَلِ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِذَا أَقَمْتَ عَلَى الطَّاعَةِ وَالِاعْتِصَامِ بِحَبْلِهِ قَالُوا: الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أُمُورٍ مِنْهَا أَنَّ الَّذِي عَلِمَ اللَّهُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ الشَّيْءَ يَجُوزُ مِنْهُ أَنْ يَتَوَعَّدَهُ عَلَى فِعْلِهِ، فَإِنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَتَّبِعُ أَهْوَاءَهُمْ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ تَوَعَّدَهُ عَلَيْهِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزُّمَرِ: ٦٥] وَإِنَّمَا حَسُنَ هَذَا الْوَعِيدُ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الصَّارِفَ لَهُ عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ هُوَ هَذَا الْوَعِيدُ أَوْ هَذَا الْوَعِيدُ أَحَدُ صَوَارِفِهِ. وَثَانِيهَا: أَنَّ قَوْلَهُ: بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْوَعِيدُ إِلَّا بَعْدَ نَصْبِ الْأَدِلَّةِ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَبِأَنْ لَا يَجُوزَ الْوَعِيدُ إِلَّا بَعْدَ الْقُدْرَةِ أَوْلَى فَبَطَلَ بِهِ قَوْلُ مَنْ يُجَوِّزُ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ. وَثَالِثُهَا: فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ اتِّبَاعَ الْهَوَى لَا يَكُونُ إِلَّا بَاطِلًا، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ التَّقْلِيدِ. وَرَابِعُهَا: فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا شَفِيعَ لِمُسْتَحِقِّ الْعِقَابِ لِأَنَّ غَيْرَ الرَّسُولِ إِذَا اتَّبَعَ هَوَاهُ لَوْ كَانَ يَجِدُ شَفِيعًا وَنَصِيرًا لَكَانَ الرَّسُولُ أَحَقَّ بِذَلِكَ وَهَذَا ضَعِيفٌ، لِأَنَّ اتِّبَاعَ أَهْوَائِهِمْ كفر، وعندنا لا شفاعة في الكفر.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٢١]
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٢١)
المسألة الأولى: الَّذِينَ موضعه رفع بالابتداء. وأُولئِكَ ابتداء ثان ويُؤْمِنُونَ بِهِ خبره.

(١) قوله: «كان عالماً بكفرهم إلخ» هذا كلام تقشعر منه جلود المؤمنين، ويرفضه من كان في عداد المسلمين، وهو خطأ صريح، والصواب أن أصحاب الجحيم هم اليهود والنصارى المذكورون في الآيات السابقة، وهذا هو الموافق لنظم الكتاب الكريم، وهو ما رجحه الإمام أبو حيان في تفسيره، وتوجد مؤلفات عدة لكثير من علماء المتقدمين والمتأخرين في نجاة الأبوين.

صفحة رقم 29
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية