آيات من القرآن الكريم

وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ۗ سُبْحَانَهُ ۖ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ
ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ

﴿وَقَالُواْ اتخذ الله وَلَدًا﴾ حكاية لطرفٍ آخرَ من مقالاتهم الباطلةِ المحكية فيما سلف معطوفةٌ على ما قبلها من قوله تعالى وَقَالَت الخ لا على صلةِ مَنْ لما بينهما من الجمل الكثيرة الأجنبيةِ والضميرُ لليهود والنصارى ومن شاركهم فيما قالوا من الذين لا يعلمون وقرئ بغير واو على الاستئناف نزلت حين قالت اليهودُ عزيز ابنُ الله والنصارى المسيحُ ابنُ الله ومشركو العربِ الملائكةُ بناتُ الله والاتخاذُ إما بمعنى الصُنع والعمل فلا يتعدَّى إلا إلى واحد وإما بمعنى التصيير والمفعولُ الأول محذوف أي صير بعض مخلوقاته ولداً
﴿سبحانه﴾ تنزيهٌ وتبرئةٌ له تعالى عما قالوا وسبحانَ عَلَمٌ للتسبيح كعُثمانَ للرجل وانتصابُه على المصدريّةِ ولا يكاد يُذكر ناصبُه أي أُسبِّحُ سبحانَه أي أنزّهُه تنزيهاً لائقاً به وفيه من التنزيه البليغِ من حيث الاشتقاقُ من السبْح الذي هو الذهابُ والإبعادُ في الأرض ومن جهة النقلِ إلى التَّفعيلِ ومن جهة العدولِ إلى المصدر إلى الاسمِ الموضوعِ له خاصة لاسيما العلمُ المشيرُ إلى الحقيقةِ الحاضرةِ في الذِّهنِ ومن جهة إقامتهِ مُقامَ المصدرِ مع الفعل مالا يخفى وقيل هو مصدرٌ كغُفرانٍ بمعنى التنزُّه أي تنَزَّهَ بذاتِه تنزُّهاً حقيقاً به ففيه مبالغةٌ من حيث إسنادُ البراءةِ إلى الذات المقدسة وإن كان التنزيهُ اعتقادَ نزاهتِه تعالى عما لا يليق به لا إثباتَها له تعالى وقولُه تعالى
﴿بَل لَّهُ ما في السماوات والارض﴾ رد لما زعموا وتنبيهٌ على بطلانه وكلمةُ بل للإضراب عما تقتضيه مقالتُهم الباطلةُ من مجانسته سبحانه وتعالى لشئ من المخلوقات ومن سرعة فَنائِه المَحوِجة إلى اتخاذ ما يقوم مَقامه فإن مجرد الإمكان والفَناء لا يوجب ذلكَ ألا يُرى أن الأجرامَ الفَلَكيةَ مع إمكانها وفَنائِها بالآخرة مستغنيةٌ

صفحة رقم 150

البقرة (١١٨ - ١١٧)
بدوامها وطولِ بقائها عما يجري مجرَى الولدِ من الحيوان أي ليس الأمرُ كما زعموا بل هو خالقٌ جميعَ الموجودات التي من جملتها عزيز والمسيحُ والملائكة
﴿كُلٌّ﴾ التنوين عوضٌ عن المضافِ إليهِ أي كلُّ ما فيهما كائناً ما كانَ منْ أولي العلم وغيرِهم
﴿لَّهُ قانتون﴾ منقادون لا يستعصي شئ منهم على تكوينه وتقديره ومشيئتِه ومن كان هذا شأنُه لم يُتصوَّرْ مجانستُه لشئ ومن حق الولدِ أن يكون من جنس الوالد وإنما جيءَ بما المختصةِ بغير أولي العلم تحقيراً لشأنهم وإيذانا بكمال بُعدِهم عما نسَبوا إلى بعضٍ منهم وصيغةُ جمعِ العقلاءِ في قانتون للتغليب أو كلُّ مَنْ جعلوه لله تعالى ولداً له قانتون أي مطيعون عابدون له معترفون بربوبيته تعالى كقوله تعالى ﴿أُولَئِكَ الذين يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبّهِمُ الوسيلة﴾

صفحة رقم 151
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو السعود محمد بن محمد بن مصطفى العمادي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية