آيات من القرآن الكريم

وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ ﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ

المغيرة قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينهى عن قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال» «١».
وحديث رواه الشيخان والترمذي جاء فيه: «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا ما استطعتم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم» «٢». وحديث روي عن أنس بن مالك قال: «نهينا أن نسأل رسول الله عن شيء، فكان يعجبنا أن يأتي الرجل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع».
ونرى محلا للتعليق على الأحاديث والآية التي تساق الأحاديث في سياقها، فالذي يتبادر لنا من الآية أن المنكر من السؤال هو ما فيه تمحّل وتكلف وتشكيك وتعجيز وتنطع. وليس له ضرورة من حاجة ومصلحة وعلم ودين. ويلمح هذا من الأحاديث الثلاثة الأولى. وحديث أنس إن صح وابن كثير لا يذكر سندا ومسندا له فيكون زيادة في الورع وخشية من الوقوع في نطاق ما أنكره الله على المسلمين.
وبناء على ما تقدم فإن السؤال عن ما في كتاب الله وسنة رسوله من أحكام وعلم في مختلف الأمور ولا يكون فيه تمحل وتكلف وتعجيز وابتغاء فتنة ويكون فيه مصلحة عامة وخاصة مباحة لا يمكن أن يدخل في ما نهى الله ورسوله عنه. وهناك آيات كثيرة أنزلها الله وأحاديث كثيرة صدرت عن رسول الله بناء على أسئلة واستفتاءات دون أن يرافقها لوم وتثريب وإنكار مما فيه تأييد لهذه النقطة التي تبدو من تحصيل الحاصل وفي السور التي سبق تفسيرها أمثلة كثيرة، وفي السور الآتية أمثلة كثيرة أيضا. وفي كتب الحديث أمثلة كثيرة. وقد أوردنا كثيرا من ذلك في السور السابقة وسنورد كثيرا منها في السور الآتية.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١١١ الى ١١٣]
وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١١١) بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١١٢) وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١١٣).

(١) هذا الحديث لم يورده مؤلف التاج.
(٢) أورد مؤلف التاج هذا الحديث ج ٢ ص ١٠٠.

صفحة رقم 221

(١) أمانيهم: تمنياتهم أو ظنونهم وأوهامهم.

تعليق على آية وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى إلخ وما بعدها إلى الآية [١١٣] وهي الحلقة الحادية عشرة من السلسلة
في الآيات:
(١) حكاية لقول كل من اليهود والنصارى أنه لن يدخل الجنة إلّا أبناء ملتهم.
(٢) وأمر للنبي صلّى الله عليه وسلّم بتحديهم وطلب البرهان على صدق قولهم بأسلوب يقرر عجزهم عن ذلك.
(٣) وتقرير بأن هذا القول من قبيل الظن والتمني وهوى النفس.
(٤) ووضع للأمر في نصابه الصحيح: فالذين يحوزون رضاء الله ويستحقون الأجر والثواب عنده ولا يكون عليهم خوف ولا حزن هم الذين يسلمون أنفسهم إليه فيؤمنون به وحده ويخضعون لأوامره ويتقونه ويحسنون فيما يفعلون.
(٥) وحكاية لما كان يقوله كل من اليهود والنصارى في حق بعضهم حيث كان اليهود يعتبرون أنفسهم هم المهتدون وينكرون أن يكون النصارى على شيء من الحق، وحيث كان هؤلاء يقفون من اليهود نفس الموقف، وتنديد بالفريقين معا فأقوالهم كأقوال الجاهلين الذين يتخبطون في الظلام وليس عندهم شيء من العلم في حين أن بين أيديهم كتاب الله يتلونه، وأن المفروض أنهم يعرفون حقائق الأمور وليس من اللائق أن يصدر ذلك الكلام عنهم.
(٦) وتعقيب على ذلك يتضمن تقرير كون الله سوف يحكم يوم القيامة فيما يختلف فيه الفريقان فيؤيد الحق وأصحابه ويخذل الباطل وأصحابه.

صفحة رقم 222

وقد روى المفسرون «١» أن الآية الثالثة نزلت في مناسبة قدوم وفد نصارى نجران إلى المدينة للقاء النبي ومناظرته، وأن فريقا من أحبار اليهود شهدوا مجلس المناظرة وقال الفريقان فيه في حقّ بعضهم ما ذكرته الآية. وهذه الرواية لم ترد في الصحاح.
ولم يذكر المفسرون شيئا عن مناسبة الآية الأولى. وقد تقتضي الرواية أن يكون ما حكته هذه الآية من جملة ما قاله كل من الفريقين في المجلس أيضا، لأنه من باب واحد وإن اختلفت الصيغة.
وننبه إلى أن سلسلة طويلة من سورة آل عمران حكت مجلس مناظرة بين النبي صلّى الله عليه وسلّم والنصارى، وروى المفسرون أنهم وفد نصارى نجران. وقد جاء فيها بعض آيات يمكن أن تفيد أن مجلسا ما شهده بعض اليهود مع وفد نجران على ما سوف يأتي شرحه في سياق تفسير آيات آل عمران فلم يعد والحالة هذه محل لذكر مشاهد مناظرة نصارى نجران أو بعضها في هذه السورة ولا سيما أن قدوم هذا الوفد كان في أواسط العهد المدني. وكان اليهود قد أجلوا جميعهم تقريبا عن المدينة قبل ذلك. يضاف إلى هذا أن الآيات في مكانها وسياقها ومضمونها تبدو كأنها جزء من السلسلة الطويلة الواردة في السورة في حق اليهود في أوائل العهد المدني، واستمرار في حملة التنديد بدسائس اليهود ومواقفهم وأقوالهم.
لذلك نحن غير مطمئنين لما روي من صلة وفد نجران بهذا الموقف.
ونرجح أن الآيات هي في الدرجة الأولى في صدد مواقف اليهود وأقوالهم وأن ذكر النصارى فيها إما أن يكون بسبب قول مماثل صدر عن النصارى في موقف ما فاقتضت حكمة التنزيل ذكرهم استطرادا، وإما أن يكون حكاية حال صادقة وهذا ما نرجحه لأن الذين تمسكوا بنصرانيتهم لا بد من أنهم كانوا يظنون أنفسهم أنهم الناجون أصحاب الجنة وأن اليهود منحرفون عن شرائعهم وليسوا على شيء من

(١) انظر تفسير الخازن وابن كثير.

صفحة رقم 223

الحق، وسياق الآيات الخاص باليهود ومواقفهم يرجح ما نقول فيما نرى ونرجو أن يكون هو الصواب.
والآية الثانية أي الآية [١١١] تحتوي تقرير المعنى الذي قررته الآية [٦٢] كما شرحناها بشمول أوسع. فالدعوة النبوية القرآنية قائمة على الدعوة إلى الله وإسلام النفس إليه وحده والعمل الصالح الحسن. فاليهود والنصارى وغيرهم مدعوون إليها. فمن اعتنقها نال رضاء الله ونال أجره وأمن من الخوف والحزن، ويدخل في ذلك المؤمنون برسالة النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وعقيدة اليهود في النصارى، والنصارى في اليهود المحكية في الآية [١١٠] كانت وما تزال واقعة ومشاهدة. وفيها تدعيم لقوة الرسالة المحمدية فكل منهما يسفّه الآخر ويراه على باطل وضلال. والناجي منهما هو الذي يسلم وجهه لله ويعمل الصالحات. وهذا حال الذين يستجيبون إلى تلك الرسالة وينضوون إليها لأنها تدعو إلى الحق وتبين الحق من الباطل والهدى من الضلال. وتضع كل شيء في نصابه الحق وتحل الإشكالات التي يرتكس فيها كل من النصارى واليهود سواء أفي نظرة كل من الفريقين إلى عيسى (عليه السلام) - وفي إحداهما إفراط كبير وفي أخراهما بغي كبير- أم في مناقضة شرائع الله وكتبه وتحريفها والانحراف عنها وتغدو هي المنار الهادي والملاذ الواقي والطريق القويم الوسط الذي لا عوج فيه ولا تعقيد ولا انحراف ولا غلو ولا إفراط ولا بغي مصداقا لهذه الآية من هذه السورة: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً البقرة: [١٤٣] ولآية المائدة هذه: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ... [٤٨].
والتدعيم بهذا الشرح يبدو قويا رائعا كما هو واضح، وتزداد قوته وروعته حينما يذكر أن التوراة والإنجيل المنزلين من الله تعالى على موسى وعيسى (عليهما السلام) واللذين لم يصلا إلى عهدنا قد ذكرا صفة الرسول الأمين وأمرا أهلهما باتباعه كما جاء في آية سورة الأعراف [١٥٧]، وأن عيسى (عليه السلام) بشّر بنبي

صفحة رقم 224
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية