آيات من القرآن الكريم

وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ ﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍ

بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما [النِّسَاء: ١٣٥] عَلَى قَوْلِ وَنَقْلِ بَعْضِ تَلَامِذَةِ الزَّمَخْشَرِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ عَبَسَ [١١- ١٣] إِنَّها تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ أَنَّهُ قَالَ لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةَ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ اعْتِرَاضًا لِأَنَّ الِاعْتِرَاضَ لَا يَكُونُ مَعَ الْفَاءِ وَرَدَّهُ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْهُ لِمُنَافَاتِهِ كَلَامَهُ فِي آيَةِ سُورَةِ النَّحْلِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ أُرِيدَ بِهِ الْأَمْرَ بِالثَّبَاتِ عَلَى الْإِسْلَامِ فَإِنَّ
الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ رُكْنَاهُ فَالْأَمْرُ بِهِمَا يَسْتَلْزِمُ الْأَمْرَ بِالدَّوَامِ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ عَلَى طَرِيقِ الْكِنَايَةِ.
وَقَوْلُهُ: وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ مُنَاسِبٌ لِلْأَمْرِ بِالثَّبَاتِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلِلْأَمْرِ بِالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ. وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِالْيَهُودِ بِأَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ قَدْرَ عَفْوِكُمْ وَصَفْحِكُمْ وَلَكِنَّهُ لَا يَضِيعُ عِنْدَ اللَّهِ وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: عِنْدَ اللَّهِ قَالَ الْحُطَيْئَةُ:

مَنْ يَفْعَلِ الْخَيْرَ لَا يَعْدَمُ جَوَائِزَهُ لَا يَذْهَبُ الْعُرْفُ بَيْنَ اللَّهِ وَالنَّاسِ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ تَذْيِيلٌ لِمَا قَبْلَهُ. وَالْبَصِيرُ الْعَلِيمُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَن عدم إِضَاعَة جَزَاءِ الْمُحْسِنِ وَالْمُسِيءِ لِأَنَّ الْعَلِيمَ الْقَدِيرَ إِذَا عَلِمَ شَيْئًا فَهُوَ يُرَتِّبُ عَلَيْهِ مَا يُنَاسِبُهُ إِذْ لَا يُذْهِلُهُ جَهْلٌ وَلَا يَعُوزُهُ عَجْزٌ، وَفِي هَذَا وَعْدٌ لَهُمْ يَتَضَمَّنُ وَعِيدًا لِغَيْرِهِمْ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ بَصِيرًا بِمَا يَعْمَلُ الْمُسْلِمُونَ كَانَ بَصِيرًا بِمَا يعْمل غَيرهم.
[١١١، ١١٢]
[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : الْآيَات ١١١ إِلَى ١١٢]
وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١١١) بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١١٢)
عَطْفٌ عَلَى وَدَّ كَثِيرٌ [الْبَقَرَة: ١٠٩] وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ قَوْلِهِ: فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا [الْبَقَرَة:
١٠٩] الْآيَةَ اعْتِرَاضٌ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَالضَّمِيرُ لِأَهْلِ الْكِتَابِ كُلِّهِمْ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ: إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى. وَمَقُولُ الْقَوْلِ مُخْتَلِفٌ بِاخْتِلَافِ الْقَائِلِ فَالْيَهُودُ قَالَتْ لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا، وَالنَّصَارَى قَالَتْ لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ نَصَارَى، جمع الْقُرْآنُ بَيْنَ قَوْلَيْهِمَا عَلَى طَرِيقَةِ الْإِيجَازِ بِجَمْعِ مَا اشْتَرَكَا فِيهِ وَهُوَ نَفْي دُخُولِ الْجَنَّةِ عَنِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمَحْذُوفِ لِأَجْلِ تَفْرِيعِ الِاسْتِثْنَاءِ، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَهُ تَفْرِيقٌ مَا اخْتَصَّ بِهِ كُلُّ فَرِيقٍ وَهُوَ قَوْلُهُ:
هُوداً أَوْ نَصارى

صفحة رقم 672

فَكَلِمَةُ (أَوْ) مِنْ كَلَامِ الْحَاكِي فِي حِكَايَتِهِ وَلَيْسَتْ مِنَ الْكَلَام المحكي فأوهنا لِتَقْسِيمِ الْقَوْلَيْنِ لِيُرْجِعَ السَّامِعُ كُلَّ قَوْلٍ إِلَى قَائِلِهِ، وَالْقَرِينَةُ عَلَى أَنَّ (أَوْ) لَيْسَتْ مِنْ مِقُولِهِمُ الْمَحْكِيَّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ مِقْوَلِهِمْ لَاقْتَضَى أَنَّ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ لَا ثِقَةَ لَهُ بِالنَّجَاةِ وَأَنَّهُ يَعْتَقِدُ إِمْكَانَ نَجَاةِ مُخَالِفِهِ وَالْمَعْلُومُ مِنْ حَالِ أَهْلِ كُلِّ دِينٍ خِلَافَ ذَلِكَ فَإِنَّ كُلًّا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لَا يَشُكُّ فِي نَجَاةِ نَفْسِهِ وَلَا يَشُكُّ فِي ضَلَالِ مُخَالِفِهِ وَهِيَ أَيْضًا قَرِينَةٌ عَلَى تَعْيِينِ كُلٍّ مِنْ خَبَرَيْ كانَ لِبَقِيَّةِ الْجُمْلَةِ الْمُشْتَرِكَةِ الَّتِي قَالَهَا كُلُّ فَرِيقٍ بِإِرْجَاعِ هُودًا إِلَى مَقُولِ
الْيَهُودِ وَإِرْجَاعِ نَصَارَى إِلَى مَقُولِ النَّصَارَى. فَأَوْ هَاهُنَا لِلتَّوْزِيعِ وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ التَّقْسِيمِ الَّذِي هُوَ مِنْ فُرُوعِ كَوْنِهَا لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إِيجَازٌ مُرَكَّبٌ مِنْ إِيجَازِ الْحَذْفِ لِحَذْفِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَلِجَمْعِ الْقَوْلَيْنِ فِي فِعْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ قالُوا وَمِنْ إِيجَازِ الْقَصْرِ لِأَنَّ هَذَا الْحَذْفَ لَمَّا لَمْ يَعْتَمِدْ فِيهِ عَلَى مُجَرَّدِ الْقَرِينَةِ الْمَحُوجَةِ لِتَقْدِيرٍ وَإِنَّمَا دَلَّ عَلَى الْمَحْذُوفِ مِنَ الْقَوْلَيْنِ بِجَلْبِ حَرْفٍ أَوْ كَانَتْ (أَوْ) تَعْبِيرًا عَنِ الْمَحْذُوفِ بِأَقَلِّ عِبَارَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ قِسْمًا ثَالِثًا مِنْ أَقْسَامِ الْإِيجَازِ وَهُوَ إِيجَازُ حَذْفٍ وَقَصْرٍ مَعًا.
وَقَدْ جَعَلَ الْقَزْوِينِيُّ فِي «تَلْخِيصِ الْمِفْتَاحِ» هَاتِهِ الْآيَةَ مِنْ قَبِيلِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْإِجْمَالِيِّ أَخَذًا مِنْ كَلَامِ «الْكَشَّافِ» لِقَوْلِ صَاحِبِ «الْكَشَّافِ» «فَلَفَّ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ ثِقَةً بِأَنَّ السَّامِعَ يَرُدُّ إِلَى كُلِّ فَرِيقِ قَوْلَهُ وَأَمِنَّا مِنَ الْإِلْبَاسِ لِمَا عُلِمَ مِنَ التَّعَادِي بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ» فَقَوْلُهُ: فَلَفَّ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ أَرَادَ بِهِ اللَّفَّ الَّذِي هُوَ لَقَبٌ لِلْمُحَسِّنِ الْبَدِيعِيِّ الْمُسَمَّى اللَّفُّ وَالنَّشْرُ وَلِذَلِكَ تَطَلَّبُوا لِهَذَا اللَّفِّ نَشْرًا وَتَصْوِيرًا لِلَّفِّ فِي الْآيَةِ مِنْ قَوْلِهِ قالُوا: مَعَ مَا بَيَّنَهُ وَهُوَ لَفٌّ إِجْمَالِيٌّ يُبَيِّنُهُ نَشْرَهُ الْآتِي بَعْدَهُ وَلِذَلِكَ لَقَّبُوهُ اللَّفُّ الْإِجْمَالِيُّ. ثُمَّ وَقَعَ نَشْرُ هَذَا اللَّفِّ بِقَوْلِهِ: إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى فَعُلِمَ مِنْ حَرْفِ (أَوْ) تَوْزِيعُ النَّشْرِ إِلَى مَا يَلِيقُ بِكُلِّ فَرِيقٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ. وَقَالَ التفتازانيّ فِي شَرْحِ الْمِفْتَاحِ جَرَى الِاسْتِعْمَالُ فِي النَّفْيِ الْإِجْمَالِيِّ أَنْ يُذْكَرَ نَشْرُهُ بِكَلِمَةِ (أَوْ).
وَالْهُودُ جَمْعُ هَائِدٍ أَيْ مُتَّبِعِ الْيَهُودِيَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا [الْبَقَرَة: ٦٢] الْآيَةَ وَجَمْعُ فَاعِلٍ عَلَى فِعْلٍ غَيْرُ كَثِيرٍ وَهُوَ سَمَاعِيٌّ مِنْهُ قَوْلُهُمْ عَوَّذَ جَمْعُ عَائِذٍ وَهِيَ الْحَدِيثَةُ النِّتَاجِ مِنَ الظِّبَاءِ وَالْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَمِنْهُ أَيْضًا عَائِطٌ وَعَوْطٌ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي بَقِيَتْ سِنِينَ لَمْ تَلِدْ، وَحَائِلٌ وَحَوْلٌ، وَبَازِلٌ وَبَزْلٌ، وَفَارِهٌ وَفُرْهٌ، وَإِنَّمَا جَاءَ هُودًا جَمْعًا مَعَ أَنَّهُ خَبَّرَ عَنْ ضَمِيرِهِ (كَانَ) وَهُوَ مُفْرَدٌ لِأَنَّ (مِنْ) مُفْرَدًا لَفَظًا وَمُرَادُ بِهِ الْجَمَاعَةُ فَجَرَى ضَمِيرُهُ عَلَى مُرَاعَاةِ لَفْظِهِ وَجَرَى خَبَرًا وَضَمِيرًا عَلَى مُرَاعَاةِ الْمَعْنى.
وَالْإِشَارَة ب تِلْكَ إِلَى الْقَوْلَةِ الصَّادِرَةِ مِنْهُمْ لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى

صفحة رقم 673

كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ فَالْإِخْبَارُ عَنْهَا بِصِيغَةِ الْجَمْعِ إِمَّا لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ أُمْنِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَارَتْ إِلَى أَمَانِيَّ كَثِيرَةٍ وَإِمَّا إِرَادَةُ أَنَّ كُلَّ أَمَانِيهِمْ كَهَذِهِ وَمُعْتَادِهِمْ فِيهَا فَيَكُونُ مِنَ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ.
وَالْأَمَانِيُّ تَقَدَّمَتْ فِي قَوْلِهِ: لَا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ [الْبَقَرَة: ٧٨] وَجُمْلَةُ تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ مُعْتَرِضَةٌ.
وَقَوْلُهُ: قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ أَمْرٌ بِأَنْ يُجَابُّوا بِهَذَا وَلِذَلِكَ فَصَلَهُ لِأَنَّهُ فِي سِيَاقِ الْمُحَاوَرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها [الْبَقَرَة: ٣٠] الْآيَةَ وَأَتَى بِإِنَّ الْمُفِيدَةَ لِلشَّكِّ فِي صِدْقِهِمْ مَعَ الْقَطْعِ بِعَدَمِ الصِّدْقِ لِاسْتِدْرَاجِهِمْ حَتَّى يَعْلَمُوا أَنَّهُمْ غَيْرُ صَادِقِينَ حِينَ يَعْجِزُونَ عَنِ الْبُرْهَانِ لِأَنَّ كُلَّ اعْتِقَادٍ لَا يُقِيمُ مُعْتَقِدِهِ دَلِيلَ اعْتِقَادِهِ فَهُوَ اعْتِقَادٌ كَاذِبٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ دَلِيلٌ لَاسْتَطَاعَ التَّعْبِيرَ عَنْهُ وَمِنْ بَابِ أَوْلَى لَا يَكُونُ صَادِقًا عِنْدَ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُرَوِّجَ عَلَيْهِ اعْتِقَادَهُ.
وَ (بَلَى) إِبْطَالٌ لِدَعْوَاهُمَا. وَ (بَلَى) كَلِمَةٌ يُجَابُ بِهَا الْمَنْفِيُّ لِإِثْبَاتِ نَقِيضِ النَّفْيِ وَهُوَ الْإِثْبَاتُ سَوَاءٌ وَقَعَتْ بَعْدَ اسْتِفْهَامٍ عَنْ نَفْيِ وَهُوَ الْغَالِبُ أَوْ بَعْدَ خَبَرٍ مَنْفِيٍّ نَحْوَ أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى [الْقِيَامَة: ٣، ٤]، وَقَوْلُ أَبِي حَيَّةَ النُّمَيْرِيِّ:

يُخْبِرُكَ الْوَاشُونَ أَنْ لَنْ أُحِبُّكُمْ بَلَى وَسُتُورُ اللَّهِ ذَاتُ الْمَحَارِمِ
وَقَوْلُهُ: مَنْ أَسْلَمَ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنِفَةٌ عَنْ (بَلَى) لِجَوَابِ سُؤَالِ مَنْ يَتَطَلَّبُ كَيْفَ نَقَضَ نَفْيَ دُخُولِ الْجَنَّةِ عَنْ غَيْرِ هَذَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ أُرِيدَ بِهَا بَيَانُ أَنَّ الْجَنَّةَ لَيْسَتْ حِكْرَةً لِأَحَدٍ وَلَكِنْ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّهَا مَنْ أَسْلَمَ إِلَخْ لِأَنَّ قَوْلَهُ: فَلَهُ أَجْرُهُ هُوَ فِي مَعْنَى لَهُ دُخُولُ الْجَنَّةِ وَهُوَ جَوَابُ الشَّرْطِ لِأَنَّ (مَنْ) شَرْطِيَّةٌ لَا مَحَالَةَ. وَمَنْ قُدِّرَ هُنَا فِعْلًا بَعْدَ (بَلَى) أَيْ يَدْخُلُهَا مَنْ أَسْلَمَ فَإِنَّمَا أَرَادَ تَقْدِيرَ مَعْنَى لَا تَقْدِيرَ إِعْرَابٍ إِذْ لَا حَاجَةَ لِلتَّقْدِيرٍ هُنَا.
وَإِسْلَامُ الْوَجْهِ لِلَّهِ هُوَ تَسْلِيمُ الذَّاتِ لِأَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْ شِدَّةُ الِامْتِثَالِ لِأَنَّ أَسْلَمَ بِمَعْنَى أَلْقَى السِّلَاحَ وَتَرَكَ الْمُقَاوَمَةَ قَالَ تَعَالَى: فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ [آل عمرَان: ٢٠]. وَالْوَجْهُ هُنَا الذَّاتُ عَبَّرَ عَنِ الذَّاتِ بِالْوَجْهِ لِأَنَّهُ الْبَعْضُ الْأَشْرَفُ مِنَ الذَّاتِ كَمَا قَالَ الشَّنْفَرِيُّ:
إِذَا قَطَعُوا رَأْسِي وَفِي الرَّأْسِ أَكْثَرِيُُُّ (١)
_________
(١) مصراع بَيت وَتَمَامه:
وغودر عِنْد الْمُلْتَقى ثمّ سائري

صفحة رقم 674
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية