آيات من القرآن الكريم

وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ ﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ

الى معالم الحق والهدى وتاه في تيه الهوى وتردى في مهاوى الردى وسواء السبيل وسط الطريق السوي الذي هو بين الغلو والتقصير وهو الحق واكثر المفسرين على ان سبب نزول الآية ان اليهود قالوا يا محمد ائتنا بكتاب الله جملة كما جاء موسى بالتوراة جملة فنزلت كما قال يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ الى قوله جَهْرَةً فالمخاطبون بقوله أم تريدون هم اليهود واضافة الرسول إليهم في قوله رسولكم باعتبار انهم من امة الدعوة ومعنى تبدل الكفر بالايمان ترك صرف قدرتهم اليه مع تمكنهم من ذلك وإيثارهم للكفر عليه قال الامام وهذا أصح لان الآية مدنية ولان هذه السورة من أول قوله يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ حكاية عنهم ومحاجة معهم وفي الآية اشارة الى حفظ الآداب فمن لم يتأدب بين يدى مولاه ورسوله وخلفائه فقد تعرض للكفر وحقيقة الأدب اجتماع خصال الخير وعن النبي عليه السلام قال (حق الولد على والده ان يحسن اسمه ويحسن مرضعه ويحسن أدبه فانه مسؤل عنه يوم القيامة ومؤاخذ بالتقصير فيه) قال في بستان العارفين مثل الايمان مثل بلدة لها خمسة من الحصون الاول من ذهب والثاني من فضة والثالث من حديد والرابع من حبوكل والخامس من لبن فمادام اهل الحصن يتعاهدون الحصن الذي من اللبن فالعدو لا يبلغ فيهم فاذا تركوا التعاهد حتى خرب الحصن الاول طمع في الثاني ثم في الثالث حتى خرب الحصون كلها فكذلك الايمان في خمسة من الحصون أولها اليقين ثم الإخلاص ثم أداء الفرائض ثم إتمام السنن ثم حفظ الأدب فمادام يحفظ الأدب ويتعاهده فان الشيطان لا يطمع فيه فاذا ترك الأدب طمع في السنن ثم في الفرائض ثم في الإخلاص ثم في اليقين وينبغى ان يحفظ الأدب في جميع أموره من امر الوضوء والصلاة والبيع والشراء والصحبة وغير ذلك واعلم ان الشريعة هي الاحكام والطريقة هي الأدب وانما رد من رد لعدم رعاية الأدب كابليس وغيره من المردودين كما قيل

بى ادب مرد كى شود مهتر گر چهـ او را جلالت نسبست
با ادب باش تا بزرگ شوى كه بزرگى نتيجه ادبست
وسئل ابن سيرين أي الأدب اقرب الى الله فقال معرفة ربوبيته والعمل بطاعته والحمد على السراء والصبر على الضراء انتهى كلامه وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ هم رهط من أحبار اليهود وروى ان فنحاص بن عازوراء وزيد بن قيس ونفرا من اليهود قالوا لحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر رضي الله عنهما بعد وقعة أحد ألم تروا ما أصابكم ولو كنتم على الحق ما هزمتم فارجعوا الى ديننا فهو خير لكم وأفضل ونحن اهدى منكم سبيلا فقال عمار كيف نقض العهد فيكم قالوا شديد قال فانى قد عاهدت ان لا اكفر بمحمد ما عشت فقالت اليهود اما عمار فقد صبا اى خرج عن ديننا بحيث لا يرجى منه الرجوع اليه ابدا فكيف أنت يا حذيفة ألا تبايعنا قال حذيفة رضيت بالله ربا وبمحمد نبيا وبالإسلام دينا وبالقرآن اماما وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين إخوانا فقالوا واله موسى لقد اشرب في قلوبكما حب محمد ثم أتيا رسول الله عليه السلام وأخبراه فقال (أصبتما خيرا وأفلحتما) والمعنى أحب وأراد كثير من اليهود لَوْ يَرُدُّونَكُمْ اى ان يردوكم فان لو من الحروف المصدرية إذا جاءت بعد فعل يفهم منه معنى التمني نحو قوله تعالى وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ

صفحة رقم 203

اى ان يصرفوكم عن التوحيد مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ يا معشر المؤمنين كُفَّاراً اى مرتدين حال من ضمير المخاطبين في يردونكم ويحتمل ان يكون مفعولا ثانيا ليردونكم على تضمينه معنى يصيرونكم حَسَداً علة لقوله ود كانه قبل ود كثير ذلك من أجل الحسد مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ يجوز ان يتعلق بود على معنى انهم تمنوا ارتدادكم من عند أنفسهم وقبل شهوتهم واهوائهم لا من قبل التدين والميل مع الحق ولو على زعمهم لانهم ودوا ذلك فكيف يكون تمنيهم من قبل الحق ويجوز ان يتعلق بحسدا اى حسدا منبعثا من اصل نفوسهم بالغا أقصى مراتبه مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ اى من بعد ما ظهر لهم ان محمدا رسول الله وقوله حق ودينه حق بالمعجزات والنعوت المذكورة في التوراة فَاعْفُوا العفو ترك عقوبة المذنب يقال عفت الريح المنزل درسته وعفا المنزل يعفو درس يتعدى ولا يتعدى ومن ترك المذنب فكأنه درس ذنبه من حيث انه ترك المكافاة والمجازاة وذلك لا يستلزم الصفح ولذا قال تعالى وَاصْفَحُوا فانه قد يعفو الإنسان ولا يصفح والصفح ترك التقريع باللسان والاستقصاء في اللوم يقال صفحت عن فلان إذا أعرضت عن ذنبه بالكلية وقد ضربت عنه صفحا إذا أعرضت عنه وتركته وليس المراد بالعفو والصفح المأمور بهما الرضى بما فعلوا لان ذلك كفر والله تعالى لا يأمر به بل المراد بهما ترك المقاتلة والاعراض عن الجواب عن مساوى كلامهم حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ اى يحكم الله بحكمه الذي هو الاذن في قتالهم وضرب الجزية عليهم او قتل بنى قريظة واجلاء بنى النضير- روى- ان الصحابة رضي الله عنهم استأذنوا رسول الله ﷺ في ان يقتلوا هؤلاء اليهود الذين كفروا بانفسهم ودعوا المسلمين الى الكفر فنزلت الآية بترك القتال والاعراض عن المكافاة الى ان يجيئ الاذن من الله تعالى إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فيقدر على الانتقام منهم وينتقم إذا جاء أوانه وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ عطف على فاعفوا كأنه أمرهم بالصبر والمخالفة واللجأ الى الله تعالى بالعبادة والبر فالمراد الأمر بملازمة طاعة الله تعالى من الفرائض والواجبات والتطوعات بقرينة قوله وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ فان الخير يتناول اعمال البر كلها الا انه تعالى خص من بينها اقام الصلاة وإيتاء الزكاة بالذكر تنبيها على عظم شأنهما وعلو قدرهما عند الله تعالى فان الصلاة قربة بدنية ليكون عمل كل عضو شكرا لما أنعم الله عليه فى ذلك والزكاة قربة مالية ليكون شكرا للاغنياء الذين فضلهم الله في الدنيا بالاستمتاع بلذيذ العيش بسبب سعتهم في صنوف الأعمال وما تقدموا شرطية اى أي شىء من الخيرات صلاة او صدقة او غيرهما تقدموه وتسلفوه لمصلحة أنفسكم تَجِدُوهُ اى ثوابه وجزاءه لاعينه لان عين تلك الأعمال لا تبقى ولان وجدان عينها لا يرغب فيه عِنْدَ اللَّهِ اى محفوظا عنده فى الآخرة فتجدوا الثمرة واللقمة فيها مثل أحد ولفظ التقديم اشارة الى ان المقصود الأصلي والحكمة الكلية في جميع ما أنعم الله تعالى به على المكلفين في الدنيا ان يقدموه الى معادهم ويدخروه ليومهم الآجل كما جاء في الحديث (ان العبد إذا مات قال الناس ما خلف وقالت الملائكة ما قدم) إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ اى عالم لا يخفى عليه القليل ولا الكثير من الأعمال والعمل غير مقيد بالخير او الشر فهو عام شامل للترغيب والترهيب فالترغيب من حيث انه يدل

صفحة رقم 204

على انه تعالى يجازى على القليل من الخير كما يجازى على الكثير والترهيب من حيث انه يجارى على القليل والكثير من الشر ايضا فلا يضيع عنده عمل عامل وعن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه انه مر ببقيع الغرقد فقال السلام عليكم اهل القبور اخبار ما عندنا ان نساءكم قد تزوجن ودوركم قد سكنت وأموالكم قد قسمت فأجابه هاتف يا ابن الخطاب اخبار ما عندنا ان ما قدمناه وجدناه وما انفقناه فقد ربحناه وما خلفناه فقد خسرناه ولقد احسن القائل

قدم لنفسك قبل موتك صالحا واعمل فليس الى الخلود سبيل
قال السعدي
تو غافل در انديشه سود ومال كه سرمايه عمر شد پايمال
غبار هوا چشم عقلت بدوخت سموم هوا كشت عمرت بسوخت
بكن سرمه غفلت از چشم پاك كه فردا شوى سرمه در چشم خاك
اعلم ان الإنسان إذا مات انقطع عمله الا ان يبقى بعده واحد من الأولاد الاربعة التي لا ينقطع أجرها الاول ما يتولد من مال الإنسان كبناء المساجد والجسور والرباط والأوقاف وغير ذلك من الخيرات: كما قال السعدي في البستان
از ان كس كه خيرى بماند روان دمادم رسد رحمتش بر روان
نمرد آنكه ماند پس از وى بجاى پل ومسجد وخان ومهمان سراى
هر آن كو نماند از پسش يادگار درخت وجودش نياورد بار
وگر رفت وآثار خيرش نماند نشايد پس مرگ الحمد خواند
والى هذا أشار عليه السلام بقوله (من صدقة جارية) فى حديث (إذا مات الإنسان انقطع عمله الا من ثلاث) والثاني ما يتولد من العقل الراجح كالعلم المنتفع به واليه الاشارة بقوله عليه السلام (او علم ينتفع به) قيل هو الاحكام المستنبطة من النصوص والظاهر انه عام متناول ما خلفه من تصنيف او تعليم في العلوم الشرعية وما يحتاج اليه في تعلمها قيد العلم بالمنتفع به لان ما لا ينتفع به لا يثمر اجرا كما ان كتم ما ينتفع به لا يثمر اجرا بل اثما وعذابا كما ورد في الحديث (من كتم علما بعلمه الجم يوم القيامة بلجام من النار) قال الامام السخاوي يشمل هذا الوعيد حبس الكتب عمن يطلبها للانتفاع بها والثالث ما يتولد من النفس كالبنين والبنات واليه الاشارة بقوله عليه السلام (او ولد صالح يدعو له) قيد عليه الصلاة والسلام بالصالح لان الاجر لا يحصل من غيره واما الوزر فلا يلحق بالأب من سيئة ولده إذا كانت نيته في تحصيله الخير وانما ذكر الدعاء له تحريضا للولد على الدعاء لابيه لا لانه قيد لان الاجر يحصل للوالد من ولده الصالح كلما عمل عملا صالحا سواء دعا لابيه أم لا كمن غرس شجرة يحصل له من أكل ثمرتها ثواب سواء دعا له من أكلها أم لم يدع وكذلك الام فان قلت ما التوفيق بين هذا الحديث وبين قوله عليه السلام (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها واجر من عمل بها الى يوم القيامة) وقوله عليه السلام (من مات يختم على عمله الا المرابط في سبيل الله فانه ينمو له عمله الى يوم القيامة) قلنا السنة المسنونة من جملة العلم المنتفع به ومعنى حديث المرابط ان ثواب عمله الذي قدمه في حياته

صفحة رقم 205
روح البيان
عرض الكتاب
المؤلف
إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي , المولى أبو الفداء
الناشر
دار الفكر - بيروت
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية