آيات من القرآن الكريم

قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَٰنُ مَدًّا ۚ حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا
ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ

المصدر، إنما المصدر الرأي والرؤية، ومنه قوله: ﴿رأي العين﴾ [آل عمران: ١٣] فالرأي الفعل، والرئي المرئي كالطَّحْن والطِّحْن، والسَّقْي والسِّقْي، والرَّعْي والرِّعْي) (١). وقول المفسرين في تفسير الرئي: (المنظر)، قاله ابن عباس وغيره (٢). وقال الحسن: (الصور) (٣). وهو راجع إلى النظر. وقرئ: وريا بغير همز.
قال أبو إسحاق: (وله تفسيران: على معنى الأول بطرح الهمز، وعلى معنى أن منظرهم مُرْتو من النعمة، كأن النعيم بين فيهم) (٥).
قال أبو علي: (ريا بغير همز يجوز أن يكون بمعنى رئيا فخففت الهمزة، وإذا خففت لزم أن يبدل منها الياء لانكسار ما قبلها، كما تبدل في: ذيب، وبير، فإذا أبدل منها الياء وقعت ساكنة قبل حرف مثله فلابد من الإدغام، وليس يجوز الإظهار لاجتماع المثلين الأول ساكن، ويجوز أن يكون أصله غير الهمز من الري الذي هو ضد العطش، والمراد به في الآية الطراوة والنضارة؛ لأن الري يتبعه ذلك، كما أن العطش يتبعه الذبول والجهد).

____
(١) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢١٠
(٢) "جامع البيان ١٦/ ١١٧، "النكت والعيون" ٣/ ٣٨٦، "المحرر الوجيز" ٩/ ٥٢٠، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٨٣، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٤٣
(٣) "المحرر الوجيز" ٩/ ٥٢٠، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٤٩، "البحر المحيط" ٦/ ٢١٠.
(٤) قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي: (ورئيا) مهموزة بين الراء والياء. وقرأ ابن عامر، ونافع: (وريا) بغير همز.
انظر: "السبعة ص ٤١١، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٠٩، "حجة القراءات" ص ٤٤٧، "المبسوط في القراءات" ص ٢٤٤.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٤٢.
(٦) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢١٠.

صفحة رقم 305

قال الفراء: (والقراءة بغير همز وجه جيد؛ لأنه مع آيات ليست بمهموزات الأواخر) (١). وروي عن عاصم في بعض الروايات: وَرِئيًا مثل وريعًا (٢). وهذا على الهمز التي هي عين إلى موضع اللام ويكون تقديره: فَلِعًا، ومن العرب من يقول: رَاءَني زيدٌ بقلب الهمز فيؤخره فرئيا من رآني (٣). والمعنى: أن الله تعالى قد أهلك قبلهم أقوامًا كانوا أكثر متاعًا، وأحسن منظرًا فأهلك أموالهم، وأفسد عليهم صورهم فليخافوا نقمة الله بالإهلاك كسنة من قبلهم من الكفار.
٧٥ - قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ في الضَّلَالَةِ﴾ قال ابن عباس: (قل لهم يا محمد من كان في العماية) (٤). يعني عن التوحيد ودين الله ﴿فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا﴾ قال أبو إسحاق: (فليمدد لفظ أمر في معنى الخبر، وتأويله إن الله جعل جزاء ضلالته أن يتركه، ويمده فيها إلا أن لفظ الأمر يؤكد معنى الخبر، كان لفظ الأمر يريد به المتكلم نفسه إلزامًا، كأنه يقول أفعل ذلك وآمر نفسي، فإذا قال قائل: من زارني فلأكرمه، فهو ألزم من قوله أكرمه، كأنه قال: من زارني فأنا آمر نفسي بإكرامه وألزمها ذلك) (٥).
وقال أبو علي: (هذا لفظه كلفظ أمثله الأمر ومعناه الخبر ألا ترى أنه

(١) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٧١.
(٢) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٠٩، "المبسوط في القراءات العشر" ص ٢٤٤.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٤٣، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٠٩، "المحتسب" ٢/ ٤٤.
(٤) ذكرته كتب التفسير نحوه بدون نسبة.
انظر: "جامع البيان" ١٦/ ١١٩، "زاد المسير" ٥/ ٢٥٩.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٤٣.

صفحة رقم 306

لا وجه للأمر هاهنا، وأن المعنى مده الرحمن مدا) (١). وابن عباس فسره أيضًا بالخبر فقال: (يريد فإن الله يمد له فيها حتى يستدرجه) (٢). وقد تقدم القول في وضع بعض الأمثلة موضع البعض في آيات.
ومعنى المد في الضلالة ذكرناه في قوله: ﴿وَيَمُدُّهُمْ في طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [البقرة: ١٥]. وقال صاحب النظم: (من شرط وللشرط جزاء واجتمع في قوله: ﴿فَلْيَمْدُدْ﴾ جزاء الشرط والفاء دليل عليه، وابتداء الأمر ولو تمحض جزاء لكان يمدد ولكنه دعاء عليهم بأن يمدهم الله في الضلالة والدعاء يكون بلفظ الأمر كأنه أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يدعوا على من كان في الضلالة بهذا الدعاء، وهذا كما تقول في الكلام: من سرق مالي فليقطع الله يده، فهذا دعاء على السارق وهو جواب للشرط) (٣). هذا معنى كلامه. وعلى ما ذكر لا يكون ﴿فَلْيَمْدُدْ﴾ خبرًا كما قاله الزجاج، وأبو علي، وأكد ابن الأنباري هذا الوجه فقال: (اللام في ﴿فَلْيَمْدُدْ﴾ لام الدعاء وتقديرها في الآية: قل يا محمد من كان في الضلالة فاللهم مد له في العمر مدا) (٤).
وقوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا رَأَوْا﴾ هو متصل بالمد؛ لأن المعنى مده الله في ضلالته حتى يرى ما يوعد من العذاب أو الساعة، وإنما قال ﴿رَأَوْا﴾ بعد

(١) "الحجة للقراء السبعة" ٢/ ٢٠٥.
(٢) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة.
انظر: "الكشف والبيان" ٣/ ١٢ أ، "المحرر الوجيز" ٩/ ٥٢٢، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٥٣، "زاد المسير" ٥/ ٢٥٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٤٤، "روح المعاني" ١٦/ ١٢٧.
(٣) ذكر نحوه القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٤٤.
(٤) ذكر نحوه بلا نسبة في "الكشاف" ٢/ ٤٢١، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٤١، "البحر المحيط" ٦/ ٢١٢.

صفحة رقم 307
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية