آيات من القرآن الكريم

قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَٰنُ مَدًّا ۚ حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا
ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ

بكفرهم هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً أَيْ كَانُوا أَحْسَنَ مِنْ هَؤُلَاءِ أَمْوَالًا وَأَمْتِعَةً ومناظر وأشكالا.
قال الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا قَالَ الْمَقَامُ الْمَنْزِلُ وَالنَّدِيُّ الْمَجْلِسُ وَالْأَثَاثُ الْمَتَاعُ وَالرِّئْيُ الْمَنْظَرُ «١».
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَقَامُ الْمَسْكَنُ وَالنَّدِيُّ الْمَجْلِسُ وَالنِّعْمَةُ وَالْبَهْجَةُ الَّتِي كَانُوا فِيهَا وَهُوَ كَمَا قَالَ اللَّهُ لِقَوْمِ فِرْعَوْنَ حِينَ أَهْلَكَهُمْ وَقَصَّ شَأْنَهُمْ فِي الْقُرْآنِ: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ [الدُّخَانِ: ٣٥] فَالْمَقَامُ الْمَسْكَنُ وَالنَّعِيمُ، وَالنَّدِيُّ الْمَجْلِسُ وَالْمَجْمَعُ الَّذِي كَانُوا يجتمعون فيه، وقال تعالى فِيمَا قَصَّ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَمْرِ قَوْمِ لُوطٍ:
وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ [الْعَنْكَبُوتِ: ٢٩] وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْمَجْلِسَ النَّادِي «٢»، وَقَالَ قَتَادَةُ: لَمَّا رَأَوْا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عيشهم خشونة وفيهم قشافة فعرض أهل الشرك ما تَسْمَعُونَ أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي الْأَثَاثِ هُوَ الْمَالُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الثياب ومنهم من قال المتاع والرئي المنظر كما قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَعْنِي الصُّوَرَ وَكَذَا قَالَ مَالِكٌ: أَثاثاً وَرِءْياً أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَحْسَنُ صُوَرًا وَالْكُلُّ مُتَقَارِبٌ صَحِيحٌ.
[سورة مريم (١٩) : آية ٧٥]
قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً (٧٥)
يَقُولُ تَعَالَى: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِرَبِّهِمُ الْمُدَّعِينَ أَنَّهُمْ على حق وأنكم على باطل: مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ أَيْ مِنَّا وَمِنْكُمْ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا أَيْ فَأَمْهَلَهُ الرَّحْمَنُ فِيمَا هُوَ فِيهِ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ وَيَنْقَضِيَ أجله حَتَّى إِذا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ يُصِيبُهُ وَإِمَّا السَّاعَةَ بَغْتَةً تَأْتِيهِ فَسَيَعْلَمُونَ حِينَئِذٍ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً فِي مُقَابَلَةِ مَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ خَيْرِيَّةِ الْمَقَامِ وَحُسْنِ النَّدِيِّ. قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا فَلْيَدَعْهُ اللَّهُ فِي طغيانه، وهكذا قَرَّرَ ذَلِكَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَهَذِهِ مُبَاهَلَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ عَلَى هُدًى فِيمَا هُمْ فِيهِ، كَمَا ذَكَرَ تعالى مباهلة اليهود في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [الجمعة: ٦] أي ادعوا بالموت على المبطل منا أو منكم إِنْ كُنْتُمْ تَدَّعُونَ أَنَّكُمْ عَلَى الْحَقِّ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّكُمُ الدُّعَاءُ، فَنَكَلُوا عَنْ ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَبْسُوطًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَكَمَا ذَكَرَ تَعَالَى الْمُبَاهَلَةَ مَعَ النَّصَارَى فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ حِينَ صَمَّمُوا عَلَى الْكُفْرِ وَاسْتَمَرُّوا عَلَى الطُّغْيَانِ وَالْغُلُوِّ فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّ عِيسَى وَلَدُ اللَّهِ، وَقَدْ ذَكَرَ الله حججه

(١) انظر تفسير الطبري ٨/ ٣٧١.
(٢) انظر تفسير الطبري ٨/ ٣٧١.

صفحة رقم 228
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية