
وهو قول مقاتل، والكلبي (١). وعلى هذا الجُثَي جمع جَثْوَة وجُثْوَة وهي: المجموع من التراب والحجارة، ومنه قول طرفة (٢):
تَرَى جُثْوَتَيْنِ مِنْ تُرَابٍ عَلَيْهِمَا | صَفَائِحُ صُمٌّ مِنْ صفِيْحٍ مُنَضَّدِ |
٦٩ - وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ﴾ أي: لنأخذن ولنخرجن ﴿مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ﴾ من كل فرقة وجماعة ﴿أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا﴾ أي: الأعتى فالأعتى منهم، كأنه يبدأ بالتعذيب بأشدهم ثم الذي يليه. قال أبو الأحوص (٤): (يبدأ بالأكابر فالأكابر جرما) (٥). وقال قتادة: (لننزعن من كل أهل دين قادتهم ورؤسهم في الشر) (٦). ونحو هذا قال الكلبي في
(٢) هذا بيت لطرفة بن العبد من قصيدة قالها يصف قبري أخوين غني وفقير. انظر: "شرح القصائد العشر" للتبريزي ١٠٨، "تهذيب اللغة" (جثا) ١/ ٥٣٨، "لسان العرب" (جثا) ١/ ٥٤٦، "شرح المعلقات السبع" للزوربي ص ٩٠.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٣٨، "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٩.
قال الشنقيطي في "أضواء البيان" ٤/ ٣٤٦: إنه جثيهم على ركبهم وهو الظاهر، وهو قول الأكثرين، وهو الإطلاق المشهور في اللغة.
(٤) سلام بن سليم الكوفي، أبو الأحوص، عالم باللغة والتفسير، صدوق، زاهد، وثقه العلماء وأثنوا عليه، توفي -رحمه الله- سنة ١٩٩ هـ.
انظر: "ميزان الاعتدال" ٢/ ١٧٦، "الكاشف" ٣/ ٢٦٩، "تذكرة الحفاظ" ١/ ٢٥٠، "تهذيب التهذيب" ٤/ ٢٨٢، "طبقات الحفاظ" ١٠٦.
(٥) "تفسير القرآن" للصنعاني ٢/ ١٠، "جامع البيان" ١٦/ ١٠٧، "بحر العلوم" ٢/ ٣٣٠، "المحرر الوجيز" ٩/ ١٥٠، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٤٦، "الدر المنثور" ٤/ ٥٠٤.
(٦) "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٣٥، "الدر المنثور" ٤/ ٥٠٤، "فتح القدير" ٣/ ٤٩١.

تفسير: ﴿أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا﴾ قال: (قائدهم ورأسهم في الشر) (١). والعتي هاهنا مصدر كالعتو وهو: التمرد في العصيان (٢). قال ابن عباس في رواية الوالبي: (أيهم أشد عصيانا) (٣). وقال في رواية عطاء: (أيهم أعظم فرية) (٤). وقال مقاتل: (أيهم أشد علوا في الكفر) (٥).
وقال الكلبي: (يعني جراءة بالفراء والكذب) (٦). وقال مجاهد: (كفرا) (٧). قال أبو إسحاق: (فأما رفع ﴿أَيُّهُمْ﴾ فهي القراءة، ويجوز (أيَّهُم) بالنصب، حكاها سيبويه وذكر: أنها قراءة هارون الأعور (٨) (٩).
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" (عتا) ٣/ ٢٣١٣، "معجم مقاييس اللغة" (عتو) ٤/ ٢٢٥، "المفردات في غريب القرآن" (عتا) ٣٢١، "لسان العرب" (عتا) ٥/ ٢٨٠٤.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ١٠٧، "الدر المنثور" ٤/ ٥٠٤.
(٤) "الكشف والبيان" ٣/ ١٠ ب، "اللغات في القرآن" ٣٤.
(٥) ذكرته التفسير بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٦/ ١٠٧، "بحر العلوم" ٢/ ٣٣٠، "المحرر الوجيز" ٩/ ٥١٠، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٤٥، "زاد المسير" ٥/ ٢٥٣، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٤٦.
(٦) "النكت والعيون" ٣/ ٣٨٣.
(٧) "جامع البيان" ١٦/ ١٠٧، "الدر المنثور" ٤/ ٥٠٤، "روح المعاني" ١٦/ ١١٩.
(٨) هارون بن موسى بن شريك الدمشقي، أبو عبد الله التغلبي، شيخ المقرئين بدمشق في زمانه، وكان من أهل الفضل، قرأ على ابن ذكوان، وحدث عنه خلق كثير، ورحل إليه الطلبة من الأقطار لإتقانه وتبحره، صنف في القراءات والعربية، إليه رجعت الإمامة في قراءة ابن ذكوان.
انظر: "طبقات النحويين" للزبيدي ٢٦٣، "تذكرة الحفاظ" ٢/ ٦٥٩، "غاية النهاية" ٢/ ٣٤٧، "طبقات المفسرين" ٢/ ٣٤٧، "شذرات الذهب" ٢/ ٢٠٩، "معرفة القراءة الكبار" ١/ ٢٤٧.
(٩) "الكتاب" ١/ ٢٥٩، "الإغفال فيما أغفله الزجاج من المعاني" ٩٩٤، "الإنصاف =

وفي رفعها ثلاثة أقوال: قال يونس: قوله: ﴿لَنَنزِعَنَّ﴾ معلقة لم تعمل شيئا، ثم استأنف فقال: ﴿أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا﴾ ومثله عنده قول الشاعر (١):
وَلَقَدْ أَبِيْتُ مِن الفَتَاةِ بِمَنْزِلٍ | فَأَبِيْتُ لا حَرِجٌ وَلاَ مَحْرُوْمُ |
(١) البيت للأخطل، وصدره في ديوانه:
ولقد أكون من الفتاة بمنزل
انظر: ديوانه ٨٤، "الكتاب" ١/ ٢٥٩، "الخزانة" ٢/ ٥٥٣، "الإنصاف" ٢/ ٥٧٢، "الإغفال" للفارسي ٩٩٥، "الدر المصون" ٧/ ٦٣١
(٢) "الإغفال فيما أغفله الزجاج من المعاني" ص ٩٩٥، "إعراب القرآن" للنحاس (٢٢٣١٢)، "إملاء ما من به الرحمن" ١/ ١٢٦، "الدر المصون" ٧/ ٧٢١
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من نسخة (س).
(٤) "الكتاب" لسيبويه ٢/ ٣٩٨، "الإنصاف في مسائل الخلاف" ص ٥٧٣، "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٢٢٣، "الإغفال فيما أغفله الزجاج من المعاني" ص ٩٩٧، "الدر المصون" ٧/ ٦٢١.

الحكايه عن أبي إسحاق (١)
وذكرنا أحكام "أي" في قوله: ﴿أَيًّا مَا تَدْعُوا﴾ [الإسراء: ١١٠] وفي مواضع. واعلم أن "أيًا" من الأسماء الموصوله [كمن، وما، والذي إلا أن العرب قد استعملت حذف الراجع إلى الموصول] (٢) مع أي أكثر من استعمالهم مع الذي، وقد شرح أبو علي الفارسي ما ذكره أبو إسحاق فقال: (ينبغي أن يكون مراد يونس أن الفعل معمل في موضع كل شيعة، وليس يريد أنه غير معمل في شيء البتة، والدليل على ذلك أنه قال فيه: إن ذلك معلق. ولفظ التعليق إنما يستعمل فيما يعمل في الموضع دون اللفظ، ألا تراهم قالوا في علمت أزيد في الدار، أن الفعل معلق وهو معمل في موضع الجملة، وكذلك إذا قال هنا معلق، كان معملا في موضع الجار والمجرور، ولو أراد أنه لا عمل له في لفظ لقال ملغى، ولم يقل معلق، كما تقول في زيد ظننت منطلق، فقوله فيه معلق دلالة على مراده فيه أنه عامل في الموضع، وإن لم يكن عاملا في اللفظ، وإذا كان كذلك كان قول الكسائي في الآية مثل قول يونس؛ لأن الكسائي قال: إن قوله ﴿لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ﴾ كقولك: أكلت من طعام (٣)، فإذا كان كذلك كان ﴿أَيُهُم﴾
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من نسخة (س).
(٣) "الإغفال فيما أغفله الزجاج من المعاني" ص ٩٩٨، "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٣٢٢، "إملا ما من به الرحمن" ١/ ١١٦، "الدر المصون" ٧/ ٦٢١.