
صلة في الآية ٥٦ من سورة المؤمن في ج ٢، وتقدم في الآية ١٧ من سورة الفرقان المارة مثله وفي الآية ١٧ المارة أيضا فراجعها، «أَضاعُوا الصَّلاةَ» تركوها وقرىء الفعل بالجمع وفاقا لقوله «وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ» آثروها على طاعة الله وانهمكوا فيها «فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا» ٥٩ واديا في جهنم يرونه، هذا الخلف السيء ويدخلونه. أخرج ابن جرير والطبراني وغيرهما من حديث أبي أمامة مرفوعا أنه نهر في أسفل جهنم يسيل فيه صديد أهل النار. وأخرج جماعة عن ابن مسعود أنه قال الغيّ نهر أو واد في جهنم من فيح بعيد القعر خبيث الطعم يقذف فيه الذين يتبعون الشهوات. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة أن الغيّ السوء وعليه قول مرقش الأصغر:
ومن يلق خيرا يحمد الناس أمره | ومن يغو لا يعدم على الغي لاثما |
ثم ذكر صفة أهل الجنة التي يدخلها التائبون وليست بواحدة بدليل قوله جل قوله «جَنَّاتِ عَدْنٍ» إقامة دائمة بدل من الجنة المقدمة التي لامها للجنس الدالة على الكثرة وهي «الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ» عنهم فلم يشاهدوها قبل وقد هيئت لهم من حيث لا يعلمون «إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا» ٦١ صفحة رقم 166

حاصلا وأصلا لمن وعده به جزما لا خلف فيه (وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ) الآية ١١١ من سورة التوبة في ج ٣، ومن صفة هذه الجنّة أن أهلها «لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً» من فضول الكلام وما لا ينبغي أن يقال وما لا يعني القائل والسامع «إِلَّا» لكنهم يسمعون فيها «سَلاماً» من الله جل جلاله وملائكته عليهم ومن بعضهم أيضا، وهذا سلام تحية وإكرام وإجلال.
مطلب في الأكل المسنون وإرث الجنة:
قال تعالى «وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا» ٦٢ بمقدار طرفي النهار بالنسبة لأيام الدنيا، إذ لا ليل ولا نهار فيها فهم في النور أبدا دائما ويعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب والنهار برفعها من قبل الملائكة الموكلين بذلك، وأفضل العيش عند العرب ما كان في هذين الوقتين، وكانت لهم أكلة واحدة في اليوم والليلة فمن أصاب منهم أكلتين فيها سموه الناعم فأنزل الله هذه الآية على عادة المتنعمين ترغيبا لعباده، وما جاء عنه ﷺ الأكل مرتين في اليوم من الإسراف محمول على أنهما غير العشاء، إذ به يصير ثلاث أكلات وهو من السرف، فلا يرد على ما جاء في هذه الآية، راجع الآية ٣١ من سورة الأعراف المارة «تِلْكَ الْجَنَّةُ» الموصوفة بما ذكر هي «الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا» ٦٣ نقيا مخلصا في عبادته منفقا من فضل ماله فيعطيها أمثاله عن ثمرة أعماله، وقيل إنهم يرثون أعمالهم الحسنة، وقيل إنهم يرثون مساكن أهل النار فيها لو كانوا آمنوا زيادة على مساكنهم، والسياق يناسبه راجع الآية ٤٠ المارة والآية ٤٣ من سورة الأعراف المارة تجد ما يتعلق بهذا، وقد روى البخاري ومسلم عن ابن عباس أن النبي ﷺ قال:
قال يا جبريل ما يمنعك أن تزورنا فأنزل الله على لسانه قوله «وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ» يا أكرم الرسل ليس لنا من أمرنا شيء «لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا» لا نملك منهما شيئا ابدا «وَما بَيْنَ ذلِكَ» أيضا هو بيده وحده «وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا» ٦٤ غافلا عمّا يكون منا في جميع أحوالنا، وذلك المالك لأمرنا وأمر خلقه أجمع هو «رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما»

لا يجوز عليه السهو والنسيان والغفلة، كيف وهو مدبر الكون كله بما فيه فلا تقع حركة ولا سكون فيه إلا بعلمه وأمره وقضائه وقدره، ولذلك فلا نقدر أن نزورك إلا بالوقت الذي يأمرنا به «فَاعْبُدْهُ» يا أكرم الرسل حق عبادته جهد قدرتك «وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ» وتحمل مشاقها ومكارهها في القر والحر، والراحة والتعب، والضيق والسعة، والرضاء والغضب، والصحة والمرض حتى العطب، وأنظر «هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا» ٦٥ فيما سبق سمّي باسمه، كلا ولا يسمى بعد، والحمد لله الواحد الأحد الذي ليس كمثله شيء وهو الرب العظيم والإله الكبير المنفرد بأسمائه وصفاته، ويطلق السمي على الولد قال الشاعر:
أما السّميّ فأنت منه مكثر | والمال مال يغتدى ويروح |