
إِنَّمَا وُجِدَ بِنَفْسِهِ وَذَلِكَ مُحَالٌ، فَثَبَتَ أَنَّ التَّكْوِينَ غَيْرُ الْمَكُونِ فَقَوْلُهُ: كُنْ إِشَارَةٌ إِلَى الصِّفَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالتَّكْوِينِ، وَقَالَ آخَرُونَ قَوْلُهُ: كُنْ عِبَارَةٌ عَنْ نَفَاذِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَشِيئَتِهِ فِي الْمُمْكِنَاتِ. فَإِنَّ وُقُوعَهَا بِتِلْكَ الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ مِنْ غَيْرِ امْتِنَاعٍ وَانْدِفَاعٍ/ يَجْرِي مَجْرَى الْعَبْدِ الْمُطِيعِ الْمُسَخَّرِ الْمُنْقَادِ لِأَوَامِرِ مَوْلَاهُ، فَعَبَّرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ عَلَى سبيل الاستعارة.
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٣٦ الى ٤٠]
وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٣٦) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٣٧) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٨) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٣٩) إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (٤٠)
اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ فِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ الْمَدَنِيُّونَ وَأَبُو عَمْرٍو بِفَتْحِ أَنَّ، وَمَعْنَاهُ وَلِأَنَّهُ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ، وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بِالْكَسْرِ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَفِي حِرَفِ أُبَيٍّ إِنَّ اللَّهَ بِالْكَسْرِ مِنْ غَيْرِ وَاوٍ أَيْ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَاعْبُدُوهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ: وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ قَائِلُ هَذَا غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِيهِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: التَّقْدِيرُ فَقُلْ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ بَعْدَ إِظْهَارِ الْبَرَاهِينِ الْبَاهِرَةِ فِي أَنَّ عِيسَى هُوَ عَبْدُ اللَّهِ. الثَّانِي: قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيُّ: الْوَاوُ فِي وَإِنَّ اللَّهَ عَطْفٌ عَلَى قول عيسى عليه السلام: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ [مَرْيَمَ: ٣٠] كَأَنَّهُ قَالَ: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَإِنَّهُ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ، وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ عَهِدَ إِلَيْهِمْ حِينَ أَخْبَرَهُمْ عَنْ بَعْثِهِ وَمَوْلِدِهِ وَنَعْتِهِ أَنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ أَيْ كُلُّنَا عُبَيْدُ اللَّهِ تَعَالَى.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُدَبِّرَ النَّاسِ وَمُصْلِحَ أُمُورِهِمْ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى خِلَافِ قَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ إِنَّ مُدَبِّرَ النَّاسِ وَمُصْلِحَ أُمُورِهِمْ فِي السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ هِيَ الْكَوَاكِبُ وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْإِلَهَ وَاحِدٌ لِأَنَّ لَفْظَ اللَّهِ اسْمُ عَلَمٍ لَهُ سُبْحَانَهُ فَلَمَّا قَالَ: إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ/ أَيْ لَا رَبَّ لِلْمَخْلُوقَاتِ سِوَى اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى التَّوْحِيدِ، أَمَّا قَوْلُهُ: فَاعْبُدُوهُ فَقَدْ ثَبَتَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ مُشْعِرٌ بِالْعِلِّيَّةِ فَهَهُنَا الْأَمْرُ بِالْعِبَادَةِ وَقَعَ مُرَتَّبًا عَلَى ذِكْرِ وَصْفِ الرُّبُوبِيَّةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا تَلْزَمُنَا عِبَادَتُهُ سُبْحَانَهُ لِكَوْنِهِ رَبًّا لَنَا، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا تَجِبُ عِبَادَتُهُ لِكَوْنِهِ مُنْعِمًا عَلَى الْخَلَائِقِ بِأُصُولِ النِّعَمِ وَفُرُوعِهَا، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا مَنَعَ أَبَاهُ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ قَالَ: لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً
يَعْنِي أَنَّهَا لَمَّا لَمْ تَكُنْ مُنْعِمَةً عَلَى الْعِبَادِ لَمْ تَجُزْ عِبَادَتُهَا، وَبِهَذِهِ الْآيَةِ ثَبَتَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا كَانَ رَبًّا وَمُرَبِّيًا لِعِبَادِهِ وَجَبَ عِبَادَتُهُ، فَقَدْ ثَبَتَ طَرْدًا وَعَكْسًا تَعَلُّقُ الْعِبَادَةِ بِكَوْنِ الْمَعْبُودِ مُنْعِمًا، أَمَّا قَوْلُهُ: هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ يَعْنِي الْقَوْلُ بِالتَّوْحِيدِ وَنَفِيُ الْوَلَدِ وَالصَّاحِبَةِ صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ وَأَنَّهُ سَمَّى هَذَا الْقَوْلَ بِالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ تَشْبِيهًا بِالطَّرِيقِ لِأَنَّهُ الْمُؤَدِّي إِلَى الْجَنَّةِ، أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَفِي الْأَحْزَابِ أَقْوَالٌ: الْأَوَّلُ: الْمُرَادُ فِرَقُ النَّصَارَى عَلَى مَا بَيَّنَّا أَقْسَامَهُمْ. الثَّانِي: الْمُرَادُ النَّصَارَى وَالْيَهُودُ فَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ وَلَدًا وَبَعْضُهُمْ كَذَّابًا. الثَّالِثُ: الْمُرَادُ الْكُفَّارُ الدَّاخِلُ فِيهِمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالْكُفَّارُ الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَنِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَإِذَا قُلْنَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَيْ قُلْ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ، فَهَذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ لَا تَخْصِيصَ فِيهِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مُؤَكِّدٌ لِهَذَا الِاحْتِمَالِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ فَالْمَشْهَدُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الشُّهُودُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَوِ الشَّهَادَةُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا. أَمَّا الْأَوَّلُ: فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْمَشْهَدِ نَفْسَ شُهُودِهِمْ هَوْلَ الْحِسَابِ، وَالْجَزَاءِ فِي الْقِيَامَةِ أَوْ مَكَانَ الشُّهُودِ فِيهِ وَهُوَ الْمَوْقِفُ، أَوْ وَقْتُ الشُّهُودِ، وَأَمَّا الشَّهَادَةُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ شَهَادَةَ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَشَهَادَةَ أَلْسِنَتِهِمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلِهِمْ بِالْكُفْرِ وَسُوءِ الْأَعْمَالِ، وَأَنْ يَكُونَ مَكَانَ الشَّهَادَةِ أَوْ وَقْتَهَا، وَقِيلَ: هُوَ مَا قَالُوهُ وَشَهِدُوا بِهِ فِي عِيسَى وَأُمِّهِ، وَإِنَّمَا وُصِفَ ذَلِكَ الْمَشْهَدُ بِأَنَّهُ عَظِيمٌ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ أَعْظَمُ مِمَّا يُشَاهَدُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ مُحَاسَبَةٍ وَمُسَاءَلَةٍ، وَلَا شَيْءَ مِنَ الْمَنَافِعِ أَعْظَمُ مِمَّا هُنَالِكَ مِنَ الثواب ولا بد مِنَ الْمَضَارِّ أَعْظَمُ مِمَّا هُنَالِكَ مِنَ الْعِقَابِ، أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا فَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالُوا: التَّعَجُّبُ هُوَ اسْتِعْظَامُ الشَّيْءِ مَعَ الْجَهْلِ بِسَبَبِ عِظَمِهِ، ثم يجوز استعمال لفظ التعجب عن مُجَرَّدِ الِاسْتِعْظَامِ مِنْ غَيْرِ خَفَاءِ السَّبَبِ أَوْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لِلْعِظَمِ سَبَبُ حُصُولٍ، قَالَ الْفَرَّاءُ قَالَ سُفْيَانُ: قَرَأْتُ عِنْدَ شُرَيْحٍ: بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ [الصَّافَّاتِ: ١٢] فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَعْجَبُ مِنْ شَيْءٍ إِنَّمَا يَعْجَبُ مَنْ لَا يَعْلَمُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فَقَالَ: إِنَّ شُرَيْحًا شَاعِرٌ يُعْجِبُهُ عِلْمُهُ، وَعَبْدُ اللَّهِ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْهُ قَرَأَهَا: بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ صَدَرَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فِعْلٌ لَوْ صَدَرَ مِثْلُهُ عَنِ الْخَلْقِ لَدَلَّ عَلَى حُصُولِ التَّعَجُّبِ فِي قُلُوبِهِمْ، وَبِهَذَا التَّأْوِيلِ يُضَافُ الْمَكْرُ وَالِاسْتِهْزَاءُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: لِلتَّعَجُّبِ صِفَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: مَا أَفْعَلَهُ. / وَالثَّانِيَةُ: أَفْعِلْ بِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ وَالنَّحْوِيُّونَ ذَكَرُوا لَهُ تَأْوِيلَاتٍ: الْأَوَّلُ: قَالُوا: أَكْرِمْ بِزَيْدٍ أَصْلُهُ أَكْرَمَ زَيْدٌ أَيْ صَارَ ذَا كَرَمٍ كَأَغَدَّ الْبَعِيرُ أَيْ صَارَ ذَا غُدَّةٍ إِلَّا أَنَّهُ خَرَجَ عَلَى لَفْظِ الْأَمْرِ وَمَعْنَاهُ الْخَبَرُ كَمَا خَرَجَ عَلَى لَفْظِ الْخَبَرِ مَا مَعْنَاهُ الْأَمْرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ [الْبَقَرَةِ: ٢٢٨]، وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ [الْبَقَرَةِ: ٢٣٣]، قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا [مَرْيَمَ: ٧٥] أَيْ يَمُدُّ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا، وَكَذَا قَوْلُهُمْ: رَحِمَهُ اللَّهُ خَبَرٌ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ الدُّعَاءَ وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ.
الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ أَمْرٌ لِكُلِّ أَحَدٍ بِأَنْ يَجْعَلَ زَيْدًا كَرِيمًا أَيْ بِأَنْ يَصِفَهُ بِالْكَرْمِ، وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ مِثْلُ قَوْلِهِ: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [الْبَقَرَةِ: ١٩٥] وَلَقَدْ سَمِعْتُ لِبَعْضِ الْأُدَبَاءِ فِيهِ تَأْوِيلًا. ثَالِثًا: وَهُوَ أَنَّ قَوْلَكَ أَكْرِمْ بِزَيْدٍ يُفِيدُ أَنَّ زَيْدًا بَلَغَ فِي الْكَرَمِ إِلَى حَيْثُ كَأَنَّهُ فِي ذَاتِهِ صَارَ كَرَمًا حَتَّى لَوْ أَرَدْتَ جَعْلَ غَيْرِهِ كَرِيمًا فَهُوَ الَّذِي يُلْصِقُكَ بِمَقْصُودِكَ وَيُحَصِّلُ لَكَ غَرَضَكَ، كَمَا أَنَّ مَنْ قَالَ: أَكْتُبُ بِالْقَلَمِ فَمَعْنَاهُ أَنَّ الْقَلَمَ هُوَ الَّذِي يُلْصِقُكَ بِمَقْصُودِكَ وَيُحَصِّلُ لَكَ غَرَضَكَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا: وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْأَقْوَى أَنَّ مَعْنَاهُ مَا أَسْمَعَهُمْ وَمَا أَبْصَرَهُمْ وَالتَّعَجُّبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ أَسْمَاعَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ يَوْمَئِذٍ جَدِيرٌ بِأَنْ يُتَعَجَّبَ منهما بعد ما كَانُوا صُمًّا وَعُمْيًا فِي الدُّنْيَا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ التَّهْدِيدُ مِمَّا سَيَسْمَعُونَ وَسَيُبْصِرُونَ مِمَّا يَسُوءُ بَصَرَهُمْ وَيُصَدِّعُ قُلُوبَهُمْ. وَثَانِيهَا: قَالَ الْقَاضِي وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَسْمِعْ هَؤُلَاءِ وَأَبْصِرْهُمْ أَيْ عَرِّفْهُمْ حَالَ الْقَوْمِ الَّذِينَ يَأْتُونَنَا لِيَعْتَبِرُوا وَيَنْزَجِرُوا. وَثَالِثُهَا: قَالَ الْجُبَّائِيُّ: وَيَجُوزُ أَسْمِعِ النَّاسَ بِهَؤُلَاءِ وَأَبْصِرْهُمْ بِهِمْ لِيَعْرِفُوا أَمْرَهُمْ وَسُوءَ عَاقِبَتِهِمْ فَيَنْزَجِرُوا عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِ فِعْلِهِمْ أَمَّا قَوْلُهُ: لكِنِ الظَّالِمُونَ