
فتوَسَّطَا عُرْضَ السَّرِيِّ وَصدَّعَا | مَسْجُورَةً مُتَجَاوِزًا قُلامُهَا |
وقيل: (معنى قوله: ﴿تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ لم يكن الجدول محاذيًا لهذه الجهة، ولكن المعنى جعله دونك، وقد يقال: فلان تحتنا أي: دوننا في المواضع). قال ذلك أبو الحسن (٤).
وقال بعض المفسرين: (معنى قوله: (تَحْتَكِ) أن الله تعالى جعل النهر تحت أمرها إن أمرته أن يجري جرى، وإن أمرته بالإمساك أمسك لقوله تعالى فيما أخبر عن فرعون: (وهذه الأنهار تجرى من تحتي) (٥) أي: من تحت أمري) (٦).
٢٥ - قوله تعالى: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ﴾ الهز معناه: التحريك (٧)، يقال: هَزَزْتُه فاهْتَزَّ، ومعنى ﴿إِلَيْكِ﴾ اجذبيه إليك أي: حركيه بأن تجذبيه إليك.
(٢) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٢٦، "الكشف والبيان" ٣/ ٤ أ، "التفسير الكبير" ١١/ ٢٠٥.
(٣) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٢٦، "روح المعاني" ١٦/ ٨٣.
(٤) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٩٧.
(٥) سورة الزخرف الآية رقم: (٥١).
(٦) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٢٦، "الكشف والبيان" ٣/ ٤ أ، "التفسير الكبير" ١١/ ٢٠٥، "روح المعاني" ١٦/ ٨٣.
(٧) انظر: "مقاييس اللغة" (هز) ٦/ ٩، "القاموس المحيط" (هز) ص ٥٢٩، "الصحاح" (هزز) ٣/ ٩٠١، "المفردات في غريب القرآن" (هزز) ص ٥٤٢.

وقوله تعالى: ﴿بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ قال الأخفش: (الباء زائدة) (١). وهي تزاد كثيرًا في الكلام يقال: خذ بالزمام، وتناول بالخطام، ومد بالحبل، وأعطني بيدك، وأنشد:
بِوَادٍ يَمَانٍ يُنْبِتُ الشَّثَّ صَدْرُه | وَأَسْفَلُه بِالمَرْخِ والشَّبَهَانِ (٢) |
ويقال: ألقى بيده، أي ألقى يده، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٥].
قال أبو علي: (ويحتمل أن يكون معنى ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ أي: بهز جذع النخله رطبا فحذف المضاف) (٤).
وقول أبو السعود أولى من القول بالزيادة، وذلك أدبا مع القرآن الكريم فإن كل حرف ورد فيه يقصد به معنى من المعاني. ولذلك قال ابن جرير -رحمه الله- في "تفسيره" ١٦/ ٧٣: تدخل الباء في الأفعال وتخرج فيكون دخولها وخروجها بمعنى فمعنى الكلام: وهزي إليك جذع النخلة.
(٢) ورد البيت في عدد من الكتب ونسب إلى رجل من عبد القيس، وقيل إنه ليعلى الأحول.
الشَّث: الكثير من الشيء وهو ضرب من الشجر طيب الريح مر الطعم.
والشبهان: ضرب من الرياحين. انظر: "مجاز القرآن" ٢/ ٤٨، "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٢٦، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٠٠، "أدب الكاتب" ٤١٦، "الجمهرة" ١/ ٤٥، "الدر المصون" ٧/ ٥٨٥، "لسان العرب" (شبه) ص ٢١٩١.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٦٥.
(٤) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٩٨.

والمعنى: إذا هززت الجذع هززت بهزه رطبا، فإذا هززت الرطب سقط. وهذا على قول من يخصب الرطب بالهز، وهو قول المبرد، حكى عنه الزجاج قال: (والمعنى هزي إليك بجذع النخلة رطبا تساقط عليك) (١).
وقوله تعالى: ﴿تُسَاقِطْ عَلَيْكِ﴾ أي: تتساقط فأدغمت التاء في السين، وتساقط هاهنا بمعني: تسقط، وتفاعل مطاوع فاعل كما أن تفعل مطاوع فَعَّل وكما عدّى تفعل في: تجرعته، وغليته، وتَمَزَّزْته، كذلك عدي تفاعل فمما جاء من ذلك قول الشاعر:
تُطَالِعنا خَيَالاتٌ لِسَلْمَى | كَمَا يَتَطَالعُ الدَّينَ الغَرِيمُ (٢) |
(٢) البيت لسلمة بن الخرشب الأنماري. ويريد به أن خيال صاحبته يكثر معاودته، كما يلح الدائن على المدين بكثرة ترداده عليه.
انظر: "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٩٩، "المحتسب" ٢/ ٣٥٨، "المفضليات" ٣٩.
(٣) "الحجه للقراء السبعة" ٥/ ١٩٨، "إملاء ما من به الرحمن" ١/ ١١٣، "الدر المصون" ٧/ ٥٨٨.
(٤) قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، والكسائي: (تساقط) بفتح التاء وتشديد السين. وقرأ حمزة: (تَسَاقط) بفتح التاء وتخفيف السين.
انظر: "السبعة" ص ٤٠٩، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٩٨، "المبسوط في القراءات" ص ٢٤٣، "حجة القراءات" ص ٤٤٢.
(٥) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٠٠.

الفراء، والزجاج (١) انتصب (رُطَبًا) على التمييز والتفسير؛ لأن الفعل نقل من الرطب إلى النخلة فلما حول الفعل إليها خرج الرطب مفسرًا كقولهم: تصبب عرقا، كذلك تساقطت النخلة رطبا (٢).
وروى حفص عن عاصم: تُسَاقِطْ على وزن تفاعل (٣)، وساقط بمعنى: أسقط، قال يصف الثور والكلاب (٤):
يُسَاقِطُ عَنْهُ رَوْقُهُ ضَارِيَاتِهَا | سِقَاطَ حَدِيدِ القَيْنِ أَخْوَلَ أَخْوَلاَ |
(٢) "إملاء ما من به الرحمن" ١/ ١١٣، "الدر المصون" ٧/ ٥٨٨.
(٣) قرأ حفص عن عاصم: (تُسَاقِط) بضم التاء وكسر القاف مخففة السين. وقرأ أبو بكر عن عاصم: (تَسُاقط) بفتح التاء وتشديد السين.
انظر: "السبعة" ص ٤٠٩، "الحجة للقراء السبعة" ١٩٨، "العنوان في القراءات" ١٢٦، "التبصرة" ص ٢٥٦.
(٤) البيت لضابئ البرجمي، يصف الثور والكلاب. الروق: القرن. أَخْوَل أَخْوَلاَ: متفرقا.
انظر: "المحتسب" ٢/ ٤١، "الخصائص" ٢/ ١٣٠، "تهذيب اللغة" (خال) ١/ ٩٦٩، "لسان العرب" (خول) ٣/ ١٢٩٤.
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" (رطب) ٢/ ١٤٢١، "الصحاح" (رطب) ١/ ١٣٦، "لسان العرب" (رطب) ٣/ ١٦٦٤، "المفردات في غريب القرآن" (رطب) ١٩٧.
(٦) انظر: "تهذيب اللغة" (جني) ١/ ٦٧٤، "مقاييس اللغة" (جني) ١/ ٤٨٢، "المفردات في غريب القرآن" (جنى) ص ١٠١، "لسان العرب" (جني) ٢/ ٧٠٧.