آيات من القرآن الكريم

وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا
ﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ ﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ

قوله تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ
، يعني: اذكر في القرآن خبر مريم، ومعناه: اقرأ عليهم ما أنزل عليك في القرآن من خبر مريم إِذِ انْتَبَذَتْ
يعني: اعتزلت وتنحت مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا
، يعني: مشرقة الشمس في دار أهلها. فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً
، يعني:
ضربت وأرخت من دونهم ستراً. فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا
، يعني: بعثنا إليها جبريل عليه السلام فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا
، يعني: تشبه لها في صورة شاب تامّ الخلقة فدنا منها، فأنكرت مريم مكان الرجل. وقالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا
، يعني: إن كنت مطيعاً لله عز وجل. وإنما قالت: إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا
، لأن التقي إذا وعظ بالله عز وجل اتعظ وخاف، والفاسق يخوف بالسلطان، والمنافق يخوف بالناس، فالتقيّ يخوف بالله. ويقال: في الآية مضمر ومعناه احذر إن كنت تقياً قالَ
لها جبريل عليه السلام: إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا
، يعني: ولداً صالحاً. قرأ أبو عمرو ونافع في إحدى الروايتين ليهب لَكَ بالياء، وقرأ الباقون لِأَهَبَ لَكِ
بالألف. فمن قرأ لِيَهَبَ، فمعناه: ليهب الله تعالى لك. ومن قرأ لِأَهَبَ لَكِ
يكون فيه مضمر، ومعناه: إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ فقال: لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا
يعني: قال ربك، وهذا اختيار أبي عبيدة، وهو موافق لخط المصاحف.
قالَتْ مريم لجبريل عليه السلام: أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ، يعني: من أين يكون لي ولد؟ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ، يعني: لم يقربني زوج، وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا يعني: لم أك فاجرة.
قالَ لها جبريل عليه السلام: كَذلِكِ، يعني: هكذا كما قلت. قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ، يعني: خلقه علي يسير، وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ يعني: عبرة للناس، يعني: لبني إسرائيل، وَرَحْمَةً مِنَّا يعني: ونعمة منا. وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا، يعني: قضاء كائناً.
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٢٢ الى ٢٦]
فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا (٢٢) فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا (٢٣) فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (٢٤) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا (٢٥) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (٢٦)
ثم قال عز وجل: فَحَمَلَتْهُ، يعني: حملت مريم بعيسى عليه السلام. وقال وهب بن منبه: إن مريم حملت بعيسى عليه السلام تسعة أشهر، وقال بعضهم: ثمانية أشهر، فتلك آية، لأنه لا يعيش مولود في ثمانية أشهر. وروي في بعض الروايات، عن ابن عباس أنه قال: «ما هي إلا أن حملت ثم وضعت»، وقال مقاتل: حملت في ساعة ووضعت في ساعة. فَانْتَبَذَتْ بِهِ

صفحة رقم 371

مَكاناً قَصِيًّا
، يعني: انفردت بولادتها مكاناً بعيداً. قال القتبي: القصيُّ أشد بعداً من القاصي.
ثم قال: فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ، يعني: جاء بها وألجأها المخاض، يعني: الطلق بولادة عيسى عليه السلام إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ، أي: أصل النخلة قال ابن عباس: النخلة اليابسة في شدة الشتا، يعني: الطلق. قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا، يعني: شيئاً متروكاً لم أذكر، ويقال للشيء الحقير الذي إذا ألقي ينسى نسيٌ. وقال قتادة: يعني، لا أعرف ولا أدري من أنا. وقال عكرمة: يعني: جيفة ملقاة، وهكذا قال الضحاك. وقال ربيعة بن أنس: يعني سقطاً. قرأ حمزة وعاصم في رواية حفص نَسْياً بنصب النون والباقون نَسِيّاً بكسر النون، قال أبو عبيد: وبالكسر نقرؤها، لأنها كانت أكثر في لغة العرب وأفشاها، وعليها أهل الحرمين والبصرة.
ثم قال عز وجل: فَناداها مِنْ تَحْتِها قرأ حمزة والكسائي ونافع وعاصم في رواية حفص مِنْ تَحْتِها بكسر الميم، يعني: الملك، وهكذا قرأ مجاهد والحسن، وقرأ الباقون مِنْ تَحْتِها بالنصب يعني به عيسى عليه السلام وقال أبو عبيد: بالأولى نقرأ يعني: بالكسر، لأن قراءتها أكثر والمعنى فيها أعمّ، لأنه إذا قال: مِنْ تَحْتِها بالكسر فقد احتمل أن يكون الملك، ويكون عيسى. وإذا قرأ مِنْ تَحْتِها فإنما هو عيسى خاصة. أَلَّا تَحْزَنِي بولادة عيسى ومكان الحدث، قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا يعني: نهراً صغيراً بحبال ويقال: قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا، أي بيتاً، فذكر هذا القول عند ابن حميد فأنكره وقال: هو الجدول. ألا ترى أنه قال:
فَكُلِي وَاشْرَبِي. قال مجاهد: السريّ بالسريانية، وقال سعيد بن جبير: بالنبطية.
ثم قال عز وجل: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ يقول: حركي أصل النخلة تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا، يعني: غضاً طرياً. قرأ حمزة تُساقِطْ بنصب التاء وتخفيف السين، وأصله تتساقط إلا أنه حذفت منه إحدى التاءين للتخفيف وهذا كقوله: لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ [النساء:
٤٢] وأصله تتسوى، وكقوله تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ [البقرة: ٨٥]، وكقوله وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ [الفرقان: ٢٥] وقرأ عاصم في رواية حفص تُساقِطْ بضم التاء وتخفيف السين وكسر القاف يعني: أن النخلة تساقط عليك، وقرأ الباقون بنصب التاء وتشديد السين ونصب القاف، لأن التشديد أقيم مقام التاء التي حذفت. وروي عن البراء بن عازب أنه كان يقرأ يُسَاقِط بالياء يعني: أن الجذع يساقط عليك، وقرأ بعضهم: نُسَاقِطُ بالنون ومعناه: ونحن نساقط عليك، وروي أنها كانت نخلة بلا رأس، وكان ذلك في الشتاء، فجعل الله عز وجل لها رأساً، وأنبت فيها رطبا، فذلك قوله عز وجل: تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً أي غضاً طرياً.
قيل لها: فَكُلِي من الرطب، وَاشْرَبِي من النهر، وَقَرِّي عَيْناً يعني: طيبي نفساً بولادة عيسى عليه السلام. وقال الربيع بن خيثم: «ما للنفساء عندي دواء إلا الرطب، ولا للمريض إلا العسل».

صفحة رقم 372
بحر العلوم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية