آيات من القرآن الكريم

قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ۖ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا ۚ وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا
ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ

لِيَصِحَّ أَنْ يُبْعَثَ نَبِيًّا وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ الْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْكُلِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِمَا عَرَفْتَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ حَقِيقَةً فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا مَجَازًا وَفِي الْآخَرِ حَقِيقَةً.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: سَمَّاهُ زَكِيًّا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا وَأَنْتَ إِذَا نَظَرْتَ فِي سُوقِكَ فَمَنْ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا فَهُوَ شَقِيٌّ عِنْدَكَ. وَإِنَّمَا الزَّكِيُّ مَنْ يَمْلِكُ الْمَالَ وَاللَّهُ يَقُولُ كَانَ زَكِيًّا، لِأَنَّ سِيرَتَهُ الْفَقْرُ وَغِنَاهُ الْحِكْمَةُ وَالْكِتَابُ وَأَنْتَ فَإِنَّمَا تُسَمِّي بِالزَّكِيِّ مَنْ كَانَتْ سِيرَتُهُ الجهل وطريقته المال.
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٢٠ الى ٢١]
قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠) قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا (٢١)
وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَنَّهَا إِنَّمَا تَعَجَّبَتْ بِمَا بَشَّرَهَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَنَّهَا عَرَفَتْ بِالْعَادَةِ أَنَّ الْوِلَادَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا مِنْ رَجُلٍ وَالْعَادَاتُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْأُمُورِ وَإِنْ جَوَّزُوا خِلَافَ ذَلِكَ فِي الْقُدْرَةِ فَلَيْسَ فِي قَوْلِهَا هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الْوَلَدِ ابْتِدَاءً وَكَيْفَ وَقَدْ عَرَفَتْ أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ أَبَا الْبَشَرِ عَلَى هَذَا الْحَدِّ وَلِأَنَّهَا كَانَتْ مُنْفَرِدَةً بِالْعِبَادَةِ وَمَنْ يَكُونُ كَذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَعْرِفَ قُدْرَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ قَوْلُهَا: وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ يَدْخُلُ تَحْتَهُ قَوْلُهَا: وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا فَلِمَاذَا أَعَادَتْهَا وَمِمَّا يُؤَكِّدُ هَذَا السُّؤَالَ أَنَّ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ قَالَتْ: رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشاءُ [آلِ عِمْرَانَ: ٤٧] فَلَمْ تَذْكُرِ الْبِغَاءَ وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهَا جَعَلَتِ الْمَسَّ عِبَارَةً عَنِ النِّكَاحِ الْحَلَالِ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْهُ لِقَوْلِهِ: مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [الْأَحْزَابِ: ٤٩] وَالزِّنَا لَيْسَ كَذَلِكَ إِنَّمَا يُقَالُ فَجَرَ بِهَا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَا يَلِيقُ بِهِ رِعَايَةُ الْكِنَايَاتِ. وَثَانِيهَا: أَنْ إِعَادَتَهَا لِتَعْظِيمِ حَالِهَا كَقَوْلِهِ: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى [الْبَقَرَةِ: ٢٣٨] وَقَوْلُهُ: وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ [البقرة: ٩٨] / فكذا هاهنا أَنَّ مَنْ لَمْ تُعْرَفْ مِنَ النِّسَاءِ بِزَوْجٍ فَأَغْلَظُ أَحْوَالِهَا إِذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ أَنْ تَكُونَ زَانِيَةً فَأَفْرَدَ ذِكْرِ الْبِغَاءِ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي الْكَلَامِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ مَا فِي بَابِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» الْبَغِيُّ الْفَاجِرَةُ الَّتِي تَبْغِي الرِّجَالَ وَهُوَ فَعَوْلٌ عِنْدَ الْمُبَرِّدِ بَغُويْ فَأُدْغِمَتِ الْوَاوُ فِي الْيَاءِ، وَقَالَ ابْنُ جِنِّي فِي كِتَابِ «التَّمَامِ» هُوَ فَعِيلٌ وَلَوْ كَانَ فَعُولًا لَقِيلَ بَغَوْا كَمَا قِيلَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَجَابَهَا بِقَوْلِهِ: قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَهُوَ كَقَوْلِهِ فِي آلِ عِمْرَانَ: كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آلِ عِمْرَانَ: ٤٧] لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ فِعْلُ مَا يُرِيدُ خَلْقَهُ وَلَا يَحْتَاجُ فِي إِنْشَائِهِ إِلَى الْآلَاتِ وَالْمَوَادِّ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: الْكِنَايَةُ فِي: هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَفِي قَوْلِهِ: وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ رَاجِعَةً إِلَى الْخَلْقِ أَيْ أَنَّ خَلْقَهُ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَ خَلْقَهُ آيَةً لِلنَّاسِ إِذْ وُلِدَ مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ وَرَحْمَةً مِنَّا يَرْحَمُ عِبَادَنَا بِإِظْهَارِ هَذِهِ الْآيَاتِ حَتَّى تَكُونَ دَلَائِلُ صِدْقِهِ أَبْهَرَ فَيَكُونَ قَبُولُ قَوْلِهِ أَقْرَبَ. الثَّانِي: أَنَّ تَرْجِعَ الْكِنَايَاتُ إِلَى الْغُلَامِ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا لَمَّا تَعَجَّبَتْ مِنْ كَيْفِيَّةِ وُقُوعِ هَذَا الْأَمْرِ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ أُعْلِمَتْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى

صفحة رقم 523
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية