آيات من القرآن الكريم

وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘ ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ ﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ

(فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا) أي فأومأ إليهم وأشار كما جاء فى الآية الأخرى «إلا رمزا» أي سبحوا الله ونزهوه عن الشريك والولد، وعن كل نقص طرفى النهار.
وقد كان أخبرهم بما بشر به قبل وجود الآية، فلما تعذّر عليه الكلام أشار إليهم بحصول ما بشّر به من ذلك الأمر العجيب فى مجرى العادة فسرّوا به.
فلما ولد وبلغ سنا يؤمر فيه مثله قلنا:
[سورة مريم (١٩) : الآيات ١٢ الى ١٥]
يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢) وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (١٣) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (١٤) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (١٥)
تفسير المفردات
الكتاب: هو التوراة، والقوة: الجد والاجتهاد، والحكم والحكمة: الفقه فى الدين، وحنانا: أي عطفا على الناس، وزكاة: أي طهارة من الذنوب والآثام، تقيا: أي مطيعا لأمر ربه، منتهيا عما نهى عنه، وبرا بوالديه: أي كثير البر والإحسان إليهما، جبارا:
أي متعاليا عن قبول الحق والإذعان له، عصيا: أي مخالفا أمر مولاه، سلام: أي أمان من الله عليه.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه دعاء زكريا ربه أن يهبه غلاما سريا، وذكر أنه أجاب طلبه وجعل لذلك أمارة يعلم منها وقت الحمل به- ذكر هنا أنه بعد أن ظهر ذلك المولود إلى عالم الوجود وترعرع ونما، أمره بالجد والعمل لطاعته، وجعله برّا بوالديه، لا يعصى أوامر ربه، ولا يتعالى عن قبول الحق.

صفحة رقم 38

الإيضاح
(يا يحيى خذ الكتاب بقوة) أي خذ التوراة التي هى نعمة الله على بنى إسرائيل بجدّ واجتهاد، وحرص على العمل بها.
ثم وصفه الله بصفات كلها مناهج للخير ووسائل للطاعة فقال:
(١) (وآتيناه الحكم صبيا) أي وأعطيناه الحكمة والفقه فى الدين والإقبال على الخير وهو صغير لم يتم سبع سنين، روى أن الغلمان قالوا له يوما: هيّا بنا نلعب، قال:
ما للّعب خلقنا اذهبوا بنا نصلى.
(٢) (وحنانا من لدنا) أي وجعلناه ذا حنان وشفقة على الناس وحسن نظر فيما وليه من الحكم فيهم، وقد وصف الله نبيه محمدا صلّى الله عليه وسلّم بمثل هذا فى قوله «فبما رحمة من الله لنت لهم» وقوله «حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم» (٣) (وزكاة) أي طهارة من الدنس وبعدا من اجتراح الذنوب والآثام.
(٤) (وكان تقيا) أي مطيعا لما به أمر وعنه نهى، فلم يفعل معصية ولا همّ بها.
(٥) (وبرا بوالديه)
أي كثير البر بهما والإحسان إليهما والحدب عليهما بعيدا عن عقوقهما قولا وفعلا، وقد جعل الله طاعة الوالدين فى المرتبة التي تلى مرتبة طاعته فقال: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا».
(٦) (ولم يكن جبارا)
أي لم يكن متكبرا على الناس، بل كان ليّن الجانب متواضعا لهم، وقد أمر الله نبيه محمدا صلّى الله عليه وسلّم بمثل هذا فى قوله: «واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين» ووصفه بقوله: «ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك» ومن ثم لما تجبر إبليس وتمرد صار مبعدا من رحمة ربه.
(٧) (عصيا) أي مخالفا لما أمره ربه.
ثم ذكر سبحانه جزاءه على ما قدم من عمل صالح وأسلف من طاعة ربه فقال:
(وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا)
أي وتحية من الله عليه أول ما يرى الدنيا، وأول يوم يرى فيه أمر الآخرة، وأول يوم يرى فيه الجنة والنار.

صفحة رقم 39
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية