آيات من القرآن الكريم

آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا
ﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚ ﰜﰝﰞﰟﰠﰡﰢﰣ

كما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد (قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ) قال: برجال (أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا) وقال ما مكني، فأدغم إحدى النونين في الأخرى، وإنما هو ما مكنني فيه. وقوله: (أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا) يقول: أجعل بينكم وبين يأجوج ومأجوج ردما. والردم: حاجز الحائط والسدّ، إلا أنه أمنع منه وأشدّ، يقال منه: قد ردم فلان موضع كذا يَردِمه رَدْما ورُدَاما (١) ويقال أيضا: رَدَّم ثوبه يردمه، وهو ثوب مُرَدّم: إذا كان كثير الرقاع، ومنه قول عنترة:

هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ مِنْ مُتَرَدَّمِ أَمْ هَلْ عَرَفْتَ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهْمِ (٢)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا) قال: هو كأشد الحجاب.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: " ذكر لنا أن رجلا قال: يا نبي الله قد رأيت سدّ يأجوج ومأجوج، قال انْعَتْهُ لي قال: كأنه البرد المحبَّر، طريقة سوداء، وطريقة حمراء، قالَ قَدْ رأيتَهُ".
القول في تأويل قوله تعالى: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى
(١) الردام: مصدر ردم يردم (بالضم في المضارع) رداما: ضراط. (عن اللسان).
(٢) البيت لعنترة بن عمرو بن شداد العبسي، من معلقته المشهورة (انظره في شرح الزوزني للمعلقات السبع، وشرح التبريزي للقصائد العشر، ومختار الشعر الجاهلي بشرح مصطفى السقا، طبعة الحلبي ص ٣٦٩) قال شارحه: متردم: موضع يسترقع ويستفلح لوهنه ووهيه، من قولهم: ردمت الشيء إذا أصلحته، وقويت ما وهي منه. ويروى: مترنم، من الترنم، وهو ترجيع الصوت مع تحزين. يقول: هل ترك الشعراء موضعا مسترقعا إلا وقد أصلحوه، أو هل تركت الشعراء شيئًا إلا رجعوا نغماته بإنشاء الشعر في وصفه؟ والمعنى: لم يترك الأول للآخر شيئا. ثم أضرب عن ذلك، وسأل نفسه: هل عرفت دار عشيقتك، بعد شكك فيها؟ وفي (اللسان: ردم) : والمتردم الموضع الذي يرقع. ويقال: تردم الرجل ثوبه: أي رقعه يتعدى، ولا يتعدى. ابن سيده: ثوب مردم، ومرتدم، ومتردم، وملوم: خلق مرقع؛ قال عنترة: * هل غادر الشعراء من متردم *
... البيت ". معناه أي مستصلح. قال ابن سيده: أي من كلام يلصق بعضه ويلبق: أي قد سبقونا إلى القلم فلم يدعوا مقالا لقائل.

صفحة رقم 113

بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (٩٦) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (٩٧) }
يقول عزّ ذكره: قال ذو القرنين للذين سألوه أن يجعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج سداّ (آتُونِي) أي جيئوني بِزُبَرِ الحديد، وهي جمع زُبْرة، والزُّبْرة: القطعة من الحديد.
كما حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (زُبَرَ الْحَدِيدِ) يقول: قطع الحديد.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ) قال: قطع الحديد.
حدثني إسماعيل بن سيف، قال: ثنا عليّ بن مسهر، عن إسماعيل، عن أبي صالح، قوله: (زُبَرَ الْحَدِيدِ) قال: قطع الحديد.
حدثني محمد بن عمارة الأسديّ، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى عن مجاهد، قوله (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ) قال: قطع الحديد.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ) أي فَلَق الحديد.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ) قال: قطع الحديد.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ) قال: قطع الحديد.
وقوله (حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ) يقول عزّ ذكره: فآتو زُبَر الحديد، فجعلها بين الصدفين حتى إذا ساوى بين الجبلين بما جعل بينهما من زُبر الحديد، ويقال: سوّى.
والصدفان: ما بين ناحيتي الجبلين ورؤوسهما، ومنه قوله الراجز:

قدْ أخَذَتْ ما بينَ عَرْضِ الصُّدُفَيْنِ ناحِيَتَيْها وأعالي الرُّكْنَيْن (١)
(١) البيتان من شواهد أبي عبيدة في (مجاز القرآن ١: ٤١٤) قال: " بين الصدفين ": فبعضهم يضمها، وبعضهم يفتحها (الصاد المشددة) يحرك الدال. ومجازهما: ما بين الناحيتين من الجبلين. وقال: " قد أخذت... البيتين ". ولم ينسبهما وفي (اللسان: صدف) : والصدفان (التحدريك) والصدفان بضمهما: جبلان متلاقيان بيننا وبين يأجوج ومأجوج. وفي التنزيل العزيز: (حتى إذا ساوى بين الصدفين) : قرئ الصدفين (بالتحريك) والصدفين وبضمهما، والصدفين (بضم الأول وفتح الثاني). وفي هامش اللسان " وبقيت رابعة: الصدّفين كعضوين كما في القاموس ". (ثم قال في اللسان وفي الحديث " أن النبي ﷺ كان إذا مر بصدف أو هدف مائل أسرع المشي ". ابن الأثير: هو بفتحتين وضمتين. قال أبو عبيدة: الصدف والهدف: واحد، وهو كل بناء مرتفع عظيم. قال الأزهري: وهو مثل صدف الجبل، شبه به، وهو ما قابلك من جانبه. أه.

صفحة رقم 114

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ) يقول: بين الجبلين.
حدثني محمد، بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ) قال: هو سدّ كان بين صَدَفين، والصدفان: الجبلان.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى "ح"، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (الصَّدَفَيْنِ) رؤوس الجبلين.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا مُعاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ) يعني الجبلين، وهما من قبل أرمينية وأذربيجان.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ) وهما الجبلان.
حدثني أحمد بن يوسف، قال: أخبرنا القاسم، قال: ثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم أنه قرأها (بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ) منصوبة الصاد والدال، وقال: بين الجبلين، وللعرب في الصدفين: لغات ثلاث، وقد قرأ بكلّ واحدة منها

صفحة رقم 115

جماعة من القرّاء:
الفتح في الصاد والدال، وذلك قراءة عامة قرّاء أهل المدينة والكوفة، والضمّ فيهما، وهي قراءة أهل البصرة، والضم في الصاد وتسكين الدال، وذلك قراءة بعض أهل مكة والكوفة، والفتح في الصاد والدال أشهر هذه اللغات، والقراءة بها أعجب إليّ، وأن كنت مستجيزا القراءة بجميعها، لإتفاق معانيها. وإنما اخترت الفتح فيهما لما ذكرت من العلة.
وقوله قَالَ انْفُخُوا) يقول عزّ ذكره، قال للفعلة: انفخوا النار على هذه الزبر من الحديد.
وقوله: (حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا) وفي الكلام متروك، وهو فنفخوا، حتى إذا جعل ما بين الصدفين من الحديد نارا (قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا) فاختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة، وبعض أهل الكوفة (قَالَ آتُونِي) بمد الألف من (آتُونِي) بمعنى: أعطوني قطرا أفرغ عليه. وقرأه بعض قرّاء الكوفة، قال (ائْتُونِي) بوصل الألف، بمعنى: جيئوني قِطْرا أفرغ عليه، كما يقال: أخذت الخطام، وأخذت بالخطام، وجئتك زيدا، وجئتك بزيد. وقد يتوجه معنى ذلك إذا قرئ كذلك إلى معنى أعطوني، فيكون كأن قارئه أراد مد الألف من آتوني، فترك الهمزة الأولى من آتوني، وإذا سقطت الأولى همز الثانية.
وقوله: (أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا) يقول: أصبّ عليه قِطرا، والقِطْر: النحاس.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا) قال: القطر: النحاس.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد مثله.

صفحة رقم 116

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا مُعاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا) يعني النحاس.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا) أي النحاس ليلزمه به.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله (أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا) قال: نحاسا.
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يقول: القِطر: الحديد المذاب، ويستشهد لقوله ذلك بقول الشاعر:

حُساما كَلَوْنِ المِلْحِ صَافٍ حَديدُه جُزَارًا مِنْ أقْطارِ الحَديدِ المُنَعَّتِ (١)
وقوله: (فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ) يقول عزّ ذكره:
فما اسطاع يأجوج ومأجوج أن يعلوا الردم الذي جعله ذو القرنين حاجزا بينهم، وبين من دونهم من الناس، فيصيروا فوقه وينزلوا منه إلى الناس.
يقال منه: ظهر فلان فوق البيت: إذا علاه، ومنه قول الناس: ظهر فلان على فلان: إذا قهره وعلاه وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا) يقول: ولم يستطيعوا أن ينقبوه من أسفله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ) من قوله (وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا) أي من أسفله.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله (فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ) قال: ما استطاعوا أن ينزعوه.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر،
(١) البيت من شواهد أبي عبيدة في (مجاز القرآن ١: ٤١٥) عند تفسير قوله تعالى: (أفرغ عليه قطرا) قال: أي أصب عليه حديدًا ذائبا، قال: " حساما... البيت " جمع قطر، وجعله بعضهم الرصاص النقرة أه. وفي (اللسان: قطر) والقطر بالكسر: النحاس الذائب، وقيل ضرب منه أه. وفي (اللسان: جرز) : وسيف جراز: قاطع: ويقال: سيف جراز: إذا كان مستأصلا. والجراز من السيوف: الماضي النافذ أه.

صفحة رقم 117

عن قتادة (فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ) قال: أن يرتقوه (وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا)
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنى حجاج، عن ابن جريج، (فما استطاعوا أن يظهروه) قال: أن يرتقُوه (وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا)
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج (فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ) قال: يعلوه (وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا) أي ينقبوه من أسفله.
واختلف أهل العربية في وجه حذف التاء من قوله: (فَمَا اسْطَاعُوا) فقال بعض نحويي البصرة: فعل ذلك لأن لغة العرب أن تقول: اسطاع يسطيع، يريدون بها: استطاع يستطيع، ولكن حذفوا التاء إذا جُمعت مع الطاء ومخرجهما واحد. قال: وقال بعضهم: استاع، فحذف الطاء لذلك. وقال بعضهم: أسطاع يسطيع، فجعلها من القطع كأنها أطاع يطيع، فجعل السين عوضًا من إسكان الواو. (١) وقال بعض نحوييّ الكوفة: هذا حرف استعمل فكثر حتى حذف.

(١) أي عوضا من ذهاب حركة الواو، كما في اللسان.

صفحة رقم 118
جامع البيان في تأويل آي القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري
تحقيق
أحمد شاكر
الناشر
مؤسسة الرسالة
الطبعة
الأولى، 1420 ه - 2000 م
عدد الأجزاء
24
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية