
يحتاج إلى صحة نقل كَنْزٌ لَهُما قيل مال عظيم، وقيل: كان علما في صحف مدفونة، والأول أظهر وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً قيل: إنه الأب السابع، وظاهر اللفظ أنه الأقرب فَأَرادَ رَبُّكَ أسند الإرادة هنا إلى الله لأنها في أمر مغيب مستأنف لا يعلم ما يكون منه إلا الله، وأسند الخضر إلى نفسه في قوله فأردت أن أعيبها لأنها لفظة عيب، فتأدب بأن لا يسندها إلى الله وذلك كقول إبراهيم عليه السلام وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [الشعراء: ٨٠] فأسند المرض إلى نفسه والشفاء إلى الله تأدبا، واختلف في قوله: فأردنا أن يبدلهما هل هو مسند إلى ضمير الخضر أو إلى الله، وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي هذا دليل على نبوّة الخضر، لأن المعنى أنه فعل بأمر الله أو بوحي.
وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ السائلون اليهود، أو قريش بإشارة اليهود، وذو القرنين هو الإسكندر الملك، وهو يوناني وقيل رومي «١» وكان رجلا صالحا، وقيل كان نبيا، وقيل كان ملكا بفتح اللام والصحيح أنه ملك بكسر اللام واختلف لم سمي ذو القرنين فقيل: كان له ضفيرتان من شعرهما قرناه، فسمى بذلك وقيل: لأنه بلغ المشرق والمغرب وكأنه حاز قرني الدنيا إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ التمكين له أنه ملك الدنيا ودانت له الملوك كلهم آتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً أي علما وفهما، يتوصل به إلى معرفة الأشياء والسبب ما يتوصل به إلى المقصود من علم أو قدرة أو غير ذلك فَأَتْبَعَ سَبَباً أي طريقا يوصله وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ قرئ بالهمز على وزن فعلة أي ذات حمأة وقرئ بالياء «٢» على وزن فاعلة وقد اختلف في ذلك معاوية وابن عباس فقال ابن عباس: حمئة وقال معاوية حامية فبعثا إلى كعب الأحبار ليخبرهما بالأمر فقال: أما العربية فأنتما أعلما بها مني، ولكني أجد في التوراة أنها تغرب في ماء وطين، فوافق ذلك قراءة ابن عباس ومعنى حامية حارة، ويحتمل أن يكون بمعنى حمية ولكن سهلت همزته ويتفق معنى القراءتين. وقد قيل: يمكن أن يكون فيها حمئة ويكون حارة لحرارة الشمس فتكون جامعة للموضعين، ويجتمع معنى القراءتين قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ استدل بهذا من قال إن ذا القرنين نبيّ لأن هذا القول وحي ويحتمل أن يكون بإلهام فلا يكون فيه دليل على نبوته إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً كانوا كفارا فخيره الله بين أن يعذبهم بالقتل، أو يدعوهم إلى الإسلام، فيحسن إليهم وقيل: الحسن هنا هو الأسر، وجعله حسنا بالنظر إلى القتل
قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ اختار أن يدعوهم إلى الإسلام، فمن تمادى على الكفر قتله ومن أسلم
(٢). قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر: حامية وقرأ الباقون: حمئة. [.....]

أحسن إليه، والظلم هنا الكفر والعذاب القتل وأراد بقوله: عذابا نكرا عذاب الآخرة فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى المراد بالحسنى الجنة أو الأعمال الحسنة وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً وعدهم بأن ييسر عليهم وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً هؤلاء القوم هم الزنج وهم أهل الهند ومن وراءهم، ومعنى لم نجعل الآية أنهم ليس لهم بنيان إذ لا تحمل أرضهم البناء وإنما يدخلون من حر الشمس في أسراب تحت الأرض وقال ابن عطية: الظاهر أنها عبارة عن قرب الشمس منهم وقيل: الستر اللباس فكانوا على هذا لا يلبسون الثياب كَذلِكَ أي أمر ذي القرنين كذلك، أي كما وصفناه تعظيما لأمره وقيل:
إن كذلك راجع لما قبله أي لم نجعل لهم سترا، كما جعلنا لكم من المباني والثياب، وقيل: المعنى وجد عندها قوما كذلك، أي مثل القوم الذين وجدوا عند مغرب الشمس وفعل معهم مثل فعله بَيْنَ السَّدَّيْنِ أي الجبلين وهما جبلان في طرف الأرض، وقرئ بالفتح «١» والضم وهما بمعنى واحد، وقيل ما كان من خلقة الله فهو مضموم وما كان من فعل الناس فهو مفتوح وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً قيل هم الترك لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا عبارة عن بعد لسانهم عن ألسنة الناس، فهم لا يفقهون القول إلا بالإشارة أو نحوها يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ قبيلتان من بني آدم في خلقهم تشويه، منهم مفرط الطول ومفرط القصر مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ لفسادهم بالقتل والظلم وسائر وجوه الشر، وقيل: كانوا يأكلون بني آدم.
فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا هذا استفهام في ضمنه عرض ورغبة، والخرج الجباية يقال فيه خراج وقد قرئ بهما، فعرضوا عليه أن يجعلوا له أموالا ليقيم بها السد قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ أي ما بسط الله لي من الملك خير من خرجكم، فلا حاجة لي به ولكن أعينوني بقوة الأبدان وعمل الأيدي رَدْماً أي حاجزا حصيبا، والردم أعظم من السد ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ أي بين الجبلين قالَ انْفُخُوا يريد نفخ الكير أي أوقدوا النار على الحديد قِطْراً أي نحاسا مذابا وقيل هو الرصاص، وروى أنه حفر الأساس حتى بلغ الماء ثم جعل البنيان من زبر الحديد حتى ملأ به ما بين