آيات من القرآن الكريم

آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا
ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕ ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ ﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚ ﰜﰝﰞﰟﰠﰡﰢﰣ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ

قادر على أكثر من ذلك، وليس عليه بكثير أن يدخل الجسم الكبير في الأصغر ولا يبعد أن يطوي الأرض لعباده حتى يقطعوا منها ما لا تقطعه الطائرات ولا غيرها، وان الله تعالى لم يخبر أحدا عن حقيقة غروبها في تلك العين، وإنما أخبر عن وجدان ذى القرنين غروبها فيها، لأنه ركب البحر متجها إلى الغرب إلى أن بلغ موضعا لم يتمكن معه من السير فيه، فنظر إلى الشمس عند غروبها فوجدها بنظره كذلك «وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً» ٨٦ أي عند تلك العين في الموضع الذي وقف به سيره «قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ» من لم يسلم منهم «وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً» ٨٧ بأن نأسرهم ونعلمهم الإيمان تدريجيا «قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ» بقي على ظلمه ولم يتب من كفره بل بقي مصرا «فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ» بالقتل الآن «ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ» في الآخرة «فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً» ٨٨ فظيعا متجاوزا الحد «وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى» الجنة في الآخرة والعفو عما اقترفه في الدنيا «وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً» ٨٩ فنعامله باللين والعطف. قال تعالى «ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً» سلك طريقا آخر
حَتَّى إِذا بَلَغَ» منتهى العمار مما يلي «مَطْلِعَ الشَّمْسِ» أي منتهى الأرض المعمورة في زمنه التي تطلع عليها الشمس قبل غيرها من جهتها إذ لا يمكن أن يبلغ موضع الطلوع لنفسه «وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً» ٩٠ بحيث لا يوجد جبل ولا شجر يظللهم منها، وان الأرض هناك رخوة جدا لا تحمل البناء، وإنما فيها أسراب يدخلونها عند طلوعها تظلهم منها، حتى إذا زالت وبعدت عنهم خرجوا لمعاشهم الذي هيأه الله لهم هنالك «كَذلِكَ» حكم فيهم كما حكم بالذين وجدهم عند غروبها، ولم نتكلم على هؤلاء وأولئك، كما قيل إن الأولين من قوم صالح، والآخرين من قوم هود، إذ لا دليل يعتمد عليه ولا نقل يوثق به، قال الأصوليون إذا كنت مدعيا فالدليل، وإذا كنت ناقلا فصحة النقل. ولا يوجد دليل قاطع ولا نقل صحيح في ذلك ولذلك نكل علمهم إلى الله القائل «وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً» ٩١ به وبما وعده وبمن معه وعدته وآلاته وعدد جنده وبما عمل في ذلك وما فعل وقصد

صفحة رقم 200

ونوى وحدثته به نفسه أو خطر بباله. هذا ولم يقص الله تعالى علينا ما وقع بينه وبين أهل المغرب والمشرق غير تلك المكالمة. قال تعالى «ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً» ٩٢ سلك طريقا آخر أيضا «حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ» هما جبلان في ناحية الشمال مرتفعان، قالوا إن الواثق بالله العباسي بعث من يثق به لمعاينتهما فخرجوا من باب الأبواب وشاهدوه وأخبروه بأنهم رأوه بناء من لبن حديد مشدود بالنحاس، إلا أنه حتى الآن لم يطلع عليه أحد، كمدينة إرم التي لم يطلع عليها إلا رجل واحد كما قيل، راجع الآية ٨ من سورة الفجر في ج ١، ولا بد أن يحين الوقت للعثور عليهما لا سيما وأن يأجوج ومأجوج من وراء السد، وخروجهما من أمارات الساعة، وهم المعنيون بقوله تعالى «وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا» ٩٣ إلا بجهد شديد، لذلك فهم منهم مرادهم بمشقة وبالإشارة وهو ما قصه الله تعالى بقوله «قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ» يقرآن بالهمزة وبغيره، ولم يأت ذكرهما في القرآن إلا هنا وفي سورة الأنبياء في الآية ٦٦ الآتية «مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ» التي هم فيها، إذ يأكلون عشبهم ويحملون كلاهم ويتعدون عليهم «فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً» جعلا وأجرة من أموالنا «عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا» ٩٤ يمنعهم من الوصول إلينا لنأمن تجاوزهم على حدودنا، لأن لهم ما بين الجبلين، فلما رأى صحة قولهم «قالَ» لا أريد منكم شيئا وإني لم آخذ على إحقاق الحق أجرا، وإن «ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي» من القوة والغلبة والمال «خَيْرٌ» مما تعطونه لي، وإن من واجبي أن أصونكم وغيركم من التعدي، لا سيما وقد دخلتم في حوزتي، لذلك لا أكلفكم بمال ما ولكن إذا أردتم الاستعجال فيه «فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ» من أبدانكم وأشخاصكم «أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً» ٩٩ جدارا منيعا مرتفعا حصينا يحول دون وصولهم إليكم، قالوا فما هذه القوة التي تريدها منّا والتي تعنيها بقولك من أبداننا؟ قالَ لهم آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ» قطعه وعملة وبنائين وحطبا لأريكم ماذا أفعل، فأحضروا له ما شاء، قالوا وقد حفر الأساس ما بين الجبلين حتى بلغ الماء وجعل فيه الصخر وبناه بلبن الحديد، وجعل بينه الفحم والحطب، وكان

صفحة رقم 201

بطول فرسخ وعرض خمسين ذراعا وبعلو ذروة الجبلين. قال تعالى «حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ» جانبي الجبلين لأنهما متصادفان، أي متقابلان ومتقاربان في العلو، أعطى الحطب النار و «قالَ انْفُخُوا» عليه بالمنافيخ ففعلوا وسبت النار والفحم تدريجا ولم يزالوا كذلك «حَتَّى إِذا جَعَلَهُ» أي البناء «ناراً» بأن صار كله نار «قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً» ٩٦ نحاسا مذابا فأتوه به فأفرغه على البناء فتداخل فيه حتى صار كأنه قطعة واحدة، قال تعالى «فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ» يعلموا عليه ولا يتسوروه لارتفاعه وملاسته «وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً» ٩٧ لصلابته وسمكه، وكان الجبلان مما يليهم قائمين بصورة مستقيمة كانهما مشقوقان بمنشار لا يتمكنون من الصعود إلى قمتهما، قال ذو القرنين لأولئك القوم الذين هم أمام السد بعد أن طرد أولئك المشكو منهم إلى ما وراءه وعمر عليهم ذلك البناء العظيم «قالَ هذا» السد المنيع الذي سويته لكم «رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي» بكم تفيكم شر أعدائكم الآن «فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي» بخروجهم بعد
«جَعَلَهُ» أي هذا البناء العظيم «دَكَّاءَ» أرضا مستوبة لكم منخفضة من الأرض كأنه لم يكن لأن الله لا يعجزه شيء «وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا» ٩٨ واقعا لا مرية فيه «وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ» يوم تم إنشاء السدّ «يَمُوجُ فِي بَعْضٍ» فيبقون كذلك إلى اليوم الذي يأذن فيه الله بخروجهم فيندك إذ ذاك وينفلتون، فتراهم يسعون في الأرض فسادا ويعبثون في البلاد والعباد، ولا يزالون كذلك إلى أن يحين الوقت المقدر لتدميرهم فيهلكوا «وَنُفِخَ فِي الصُّورِ» بعد ذلك، لأن خروجهم من علامات الساعة الكبرى، فيموت كل الخلق الموجودين على وجه الأرض وفي البحار وغيرها، وتبقى الحال على هذه مدة أربعين سنة، أو إلى ما شاء الله، ثم ينفخ النفخة الثانية فيحيون كلهم الأولون والآخرون ويساقون إلى المحشر المعني بقوله تعالى «فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً» ٩٩ للحساب والجزاء. تدل هذه الآية على أن خروجهم يكون قريبا من قيام الساعة. قال الأخباريون هم قوم من أولاد يافث بن نوح عليه السلام، ومن أولاده الترك والخزر والصقالية، وأولاد حام الحبشة والزنج والنوبة، وأولاد سام العرب والروم والعجم، وان

صفحة رقم 202

تفسير الموج المذكور في الآية من قبلهم في البشر أولى من تفسيره فيما بينهم، لأن سياق ما قبلها وسياق ما بعدها من الآيات يدل على هذا، تأمل. واعلم أن كل أمة منهما أربعة آلاف أمة لا يموت الواحد منهم حتى ينظر ألفا من صلبه، وهم أصناف مختلفة باللون والطول والعرض والشكل، أقوى من كل حيوان، يأكلون من يموت منهم، وإذا خرجوا أكلوا الحيوانات، وشربوا المياه، وعاثوا في الأرض، ثم يهلكون. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وعقد بيده الشريفة تسعين (وذلك أن تجعل رأس السبابة وسط الإبهام وهي من موضوعات الحساب). وعنه قال في السد يحفرونه كل يوم حتى إذا كادوا يخرقونه قال بعضهم ارجعوا فستحفرونه غدا، قال فيعيده الله كأشدّ ما كان، حتى إذا بلغوا مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس قال الذي عليه ارجعوا فستحفرونه غدا إن شاء الله تعالى، قال فيرجعون فيجدونه على هيئته حين تركوه، فيخرقونه، فيخرجون على الناس، فيستقون المياه، ونفر منهم الناس لشدة وحشيتهم، ولأنهم يأكلون ولا يشبعون، ويشربون ولا يروون، لا يخلص منهم إنسان ولا حيوان ولا حوت، يفسدون كل ما عثروا عليه، فيختفي الناس منهم ليسلموا من أذاهم، لأنهم لا يتركون شيئا إلا أكلوه أو أفسدوه، حتى إنك لترى الأرض عارية من الشجر والنبات. هذا وقد جاء في بعض القصص أن السدّ هو الموجود الآن المشاهد في ناحية الشمال فيما بين الجبلين في منقطع أراضي الترك، وهذا لعمري غير صحيح، لأنه من مجرد كلس والله أخبرنا بأن هذا السد من حديد ونحاس، وما يقال إن الحديد والنحاس تفتنانهما رطوبة الأرض لا جدال فيه، وإنما الأخذ والرد بالعثور عليه ليس إلا، وان الذي حدا بهم لهذا القول عدم العثور عليه، لأنهم على زعمهم أحاطوا بالمعمور كله فلم يجدوه، على أنهم يعترفون بأنهم لم يكشفوا القطبين الشمالي والجنوبي، وإذا لم يكشفوهما لا يليق بهم أن يقولوا أحطنا بالأرض أو بالمعمور منها، إذ قد يكون فيهما أو وراءهما، ويقول ابن خلدون في مقدمته إن السدّ وسط جبل قوقيا المحيط الكائن في القسم الشرقي من الجزء التاسع في الإقليم السادس، ولهذا فإن القول

صفحة رقم 203

رجما بالغيب في أشياء كهذه، لا يجدر بالعاقل الخوض فيها، بل عليه أن يكل علمها إلى الله، ومن يعش ير هذا، وجاء في رواية: تتحصن الناس في حصونهم فيرمون بسهام إلى السماء، فترجع مخضبة بالدماء، فيقولون قهرنا من في الأرض، وعلونا من في السماء، فيزدادون قسوة وعتوا، فيبعث الله عليهم نفقا (ذودا يكون في أنوف الإبل) في رقابهم فيهلكون، فو الذي نفسي بيده إن دواب الأرض لتسمن وتشكر من لحومهم شكرا، أي يمتلىء أجسادها لحما، يقال شكرت الدابة إذا امتلأ ضرعها، أخرجه الترمذي. وروى البخاري عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: ليحجنّ البيت، وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج.
يدل هذا الحديث على أن الإسلام يتجدد بعد هلاكهم، والله أعلم.
مطلب أن ذا القرنين ليس اسمه إسكندر وليس بالمقدوني ولا اليوناني ولا الروماني وإنما هو ذو القرنين:
وليعلم أن لفظ إسكندر الذي أطلق على ذي القرنين هذا ليس هو الإسكندر الرومي الذي ملك الفرس والروم والذي يؤرخ الروم بأيامه، لأن هذا الذي نحن بصدده كان على عهد إبراهيم عليه السلام بعد نمرود وقد عاش ألفا وستمئة سنة قبل إسكندر المقدوني بأكثر من ألفي سنة، لأن إسكندر المقدوني ولد قبل المسيح بثلاثمائة وست وخمسين سنة، وولايته قبلها في سنة ٢٣٦، ووفاته سنة ٣٤٠، فيكون عمره ٣٣ سنة، وكان وزيره أرسطو طاليس الفيلسوف المشهور الذي حارب دارا وأذلّ ملوك الفرس ووطئ أرضهم، وعمر الإسكندرية وغيرها، وكان كافرا، وقد غلط كثير من العلماء والمفسرين فظنوه هو المذكور في القرآن، وحاشا كلام الله أن يشمل هذا الكافر بما ذكر من الثناء، وليس هو الإسكندر اليوناني الذي ولي الملك بعد أبيه مرزين، واسمه المرزبان المار ذكره أول الآية ٨٤ وإنما هو غيرهما، وهو رجل اسمه ذو القرنين فقط، كما ذكر الله، وهو رجل صالح، نابه طيب، وقد قبض الله له قرناء صالحين، فأطاع الله وأصلح سيرته، وقصد الملوك والجبابرة وقهرهم، ودعا الناس لطاعته على طاعة الله تعالى وتوحيده، قالوا ولما أقبل إلى مكة شرفها الله ونزل بالأبطح قالوا له في هذه البلدة خليل

صفحة رقم 204

الرحمن، فدخلها ماشيا وقال ما ينبغي لي أن أدخل بلدة فيها خليل الرحمن وأنا راكب، حتى جاء إلى إبراهيم عليه السلام وسلم عليه وعانقه، فهو أول من عانق عند السلام، وسخر الله له السحاب والنور والظلمة فإذا سرى بجيوشه يظله السحاب من فوقه وتحوطه الظلمة ويهديه النور، وكان على مقدمته الخضر عليه السلام، فحظي بعين الحياة، وأخطأها ذو القرنين، وانقادت له البلاد، وإن ما قصّ الله علينا من أمره كاف من عظمته، ومات في مدينة شهرزور ودفن فيها، وقالوا إنه دار في الدنيا مدة خمسمائة سنة، وقال بعضهم إنه مات في بيت المقدس، والله أعلم. وقد ذكرنا آنفا في تفسير الآية ٩ المارة أن سبب نزول هذه الآيات بذكر ذي القرنين وأصحاب الكهف هو ما ذكره اليهود أن كفار قريش الذين ذهبوا إلى المدينة لهذه الغاية وعند مجيئهم منها أخبروا قومهم ثم سألوا الرسول عنها، وقد نزلت هذه الآيات بالقصتين المذكورتين، وآية ٨٥ من الإسراء المارة في ج ١ في السؤال عن الروح دفعة واحدة، لأن السؤال عنها دفعة واحدة، ووضعت كل منها في موضعها الآن بأمر من حضرة الرسول ودلالة من الأمين جبريل عليهما السلام بما هو موافق لما عند الله في لوحه وعلمه، كما ذكرناه في المقدمة.
واعلم أن الله تعالى لم يذكر في القرآن العظيم اسم الإسكندر حتى يقال إنه اليوناني أو المقدوني أو الرومي ويؤولون الآية عليه، وإنما سماه ذا القرنين وإن المؤرخين من عند أنفسهم لقبوه بالإسكندر، ولهذا حصل الالتباس بينه وبين الإسكندر المقدوني أو الرومي أو اليوناني ووقع الخطأ بنسبة ما جاء في القرآن إلى أحدهم، والصحيح والله أعلم أنه ليس بأحد هؤلاء الثلاثة وإنما هو ذو القرنين أبو كرب صعب بن جبل الحميري، واسم أمه هيلانه، وكان يتيما في بني حمير كما ذكره الإمام الغزالي رحمه الله في كتابه سر العالمين وكشف ما في بني الدارين في ص ٣ وهو ثقة فيما ينقل ويكتب، كيف لا وقد لقب بحجة الإسلام ورضيه الخاص والعام، يؤيد هذا ما جاء في حاشية بدء الأمالي ص ٣٧ وما ذكره الزيلعي صاحب الكنز بأنه لقي إبراهيم خليل الرحمن وعانقه كما ذكرنا آنفا وقد سئل ابن عباس عن المعانقة فقال أول من عانق إبراهيم خليل الرحمن لما كان بمكة وأقبل إليها ذو القرنين حتى

صفحة رقم 205
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية