آيات من القرآن الكريم

فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا
ﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕ

(فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (٧٤)
انطلقا سائرين على سيف البحر، ولكن حدث ما أثار استغراب موسى بل استنكاره (حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ)، أي أن السير استمر إلى غاية، وهو لقاء غلام، والفاء في قوله تعالى: (فَقَتَلَهُ) للتعقيب، أي أنه قتله فور لقائه، وهذا يدل على أنه لم يرتكَب ما يسوغ القتل؛ إذ إن القتل كان فور اللقاء.
وهنا يتخالف مع علم الحلال والحرام، وعلم الحقيقة الغيبية فيكون الاستغراب، ويقول موسى الكليم مستغربا لائما (أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكيَّةً)، أي طاهرة غير معتدية نامية، لأنها في باكورة حياتها، إذ التزكية التنمية، بغير مسوغ يسوغ لك هذا الفعل؛ ولذا قال بغير نفس، أي حتى يكون القتل قصاصا لَا اعتداء فيه (لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا) أي أمرا منكرا في ذاته تستنكره العقول، ويخالف كل معقول.
وقد كان الفعل شديدا، والاستنكار شديدا، وهو أيضا من التخالف بين علم الحلال والحرام، وعلم الحقيقة الغيبية، وقد وصفه كما ذكرنا بأنه شيء نكر، تنكره العقول وكل عرف إنساني، وقد كان اللوم على الاستغراب أشد.
ولقد قال تعالى في بقية القصة الصادقة:
* * *
(قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (٧٥) قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (٧٦) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (٧٧) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي

صفحة رقم 4563

وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (٧٨) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (٧٩) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (٨٠) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (٨١) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (٨٢)
* * *
كان استغراب موسى شديدا، وكان معه استنكار ووصف له بالنكر، ولذلك كان التذكير بأنه لم يستطع صبرا بأسلوب قوي فيه لوم أشد، فقال تعالى:

صفحة رقم 4564
زهرة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة
الناشر
دار الفكر العربي
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية