آيات من القرآن الكريم

قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ۚ فَارْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا
ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﰿ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ

قبل، أي مما يقابلهم، ويجوز أن يكون جمع قبيل، هو أن يأتيهم العذاب أنواعاً، ومن قرأ بالكسر معناه: عيانا.
وقال: وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ، أي للمؤمنين بالجنة، وَمُنْذِرِينَ أي للكافرين بالنار وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ أي يخاصموا بالباطل لِيُدْحِضُوا بِهِ أي ليزيلوا ويذهبوا به الْحَقَّ ومنه يقال: حُجَّةٌ دَاحِضَةٌ، إذا زالت عن المحجّة وقال مقاتل: لِيُدْحِضُوا بِهِ أي ليبطلوا به الحقَّ، يعني: القرآن والإسلام، يعني: يريدون أن يفعلوا إن قدروا عليه.
وَاتَّخَذُوا آياتِي، يعني: القرآن وَما أُنْذِرُوا، أي وما خوفوا به هُزُواً أي سخرية.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٥٧ الى ٥٩]
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (٥٧) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً (٥٨) وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً (٥٩)
قوله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ، أي فلا أحد أظلم، ويقال: أشد في كفره مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ، أي وعظ بالقرآن، فَأَعْرَضَ عَنْها. يقول: فكذب بها ولم يؤمن بها، وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَداهُ أي نسي ذنوبه التي أسلفها. إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً، أي جعلنا أعمالهم على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ، أي لكيلا يعرفوه ولا يفهموه. وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً، أي صمماً وثقلاً مجازاة لكفرهم. وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى، أي إِلى الإسلام، فَلَنْ يَهْتَدُوا أي لن يؤمنوا.
إِذاً أَبَداً وَرَبُّكَ الْغَفُورُ، أي المتجاوز إن رجعوا. ذُو الرَّحْمَةِ، أي بتأخير العذاب عنهم، لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا أي لو يعاقبهم بكفرهم، لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ في الدنيا، بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ، أي أجلاً. لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا، أي ملجأً يلجئون إليه ولا منجى منه.
قوله عز وجل: وَتِلْكَ الْقُرى، أي أهلها يعني: أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا، يعني:
القرون الماضية حين أقاموا وثبتوا على كفرهم. وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً، أي لهلاكهم أَجلاً يهلكون فيه. قرأ عاصم في رواية أبي بكر لِمَهْلِكِهِمْ بنصب الميم واللام، وقرأ عاصم في رواية حفص: بنصب الميم وكسر اللام، وقرأ الباقون: بضم الميم ونصب اللام، ومعنى ذلك كله واحد. قال الزجاج: يكون للمصدر، ويجوز للوقت. وإن كان مصدراً، فمعناه: جعلنا لوقت هلاكهم أجلا. وإن كان للوقت فمعناه: جعلنا لوقت هلاكهم أجلا.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٦٠ الى ٦٥]
وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً (٦٠) فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً (٦١) فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً (٦٢) قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (٦٣) قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً (٦٤)
فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (٦٥)

صفحة رقم 352

ثم قال تعالى: وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ، أي لتلميذه وهو يوشع بن نون. وقال أَهل الكتاب: إنما هو موسى بن إفراتيم بن يوسف بن يعقوب، وذكر عن القتبي أنه قال: زعم أهل التوراة أنه موسى بن ميشا بن يوسف بن يعقوب، وقال عامة المفسرين: هو موسى بن عمران الذي هو أخو هارون.
قال الفقيه رضي الله عنه: حدثنا الخليل بن أحمد قال: حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا أبو المغيرة قال: حدثنا الأوزاعي، عن الزهري، عن عبيد الله بن منبه: أن ابن عباس تمارى هو وجبر بن قيس الفزاري في صاحب موسى الذي سأل موسى السبيل إليه، قال ابن عباس: «هو الخضر»، إذ مر أبي بن كعب، فناداه ابن عباس فقال:
تماريت أنا وهذا في صاحب موسى، فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «بَيْنَا مُوسَى فِي مَلإِ بَنِي إسْرَائِيلَ، إذْ قَامَ إلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمُ أحَداً أعْلَمَ مِنْكَ؟ فَقَالَ: لا، فَأَوْحَى الله إلَيْهِ بَلْ عَبْدِي الخَضِرُ، فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إلَى لِقَائِهِ، فَجَعَلَ الله لَهُ الحُوتَ آيةً. فَقَالَ: إذَا فَقَدْتَ الحُوتَ فَارْجِعْ، فَإنَّكَ سَتَلْقَاهُ، فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا ما قَصَّ الله تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ».
وروى سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: إن نوف البكالي زعم أن موسى نبي بني إسرائيل، ليس هو موسى صاحب الخضر، فقال ابن عباس: «كذب عدو الله، أخبرنا أبي بن كعب أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «قَامَ مُوسَى خَطِيباً في بَنِي إسْرَائِيلَ»، وذكر نحو الحديث الأول» «١».
وروى أسباط، عن السدي قال: بلغنا أن موسى بن عمران نبي الله خطب خطبة فأبلغ فيها، فدخله بعض العجب، وتعجبت بنو إسرائيل لبلاغته، فقالوا: يا نبي الله هل تعلم أحداً أبلغ منك؟ فأوحى الله تعالى إليه أن لي عبداً في الأرض هو أعلم منك فاطلبه قال: وما علامته؟ قال:
تنطلق معك بزاد، فإذا تعبت في سفرك أي أعييت وفقدت زادك، فعند ذلك تلقاه. فانطلق موسى وفتاه يوشع بن نون وحملا معهما خبزاً وحوتاً، فذلك قوله تعالى: وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ. قال الكلبي: وإنما سماه موسى فتًى لأنه كان يخدمه ويتبعه ويتعلم منه، وكان يوشع من أشراف بني إسرائيل، وهو الذي استخلفه موسى على بني إسرائيل. وقال مقاتل: كان فتاه يوشع بن نون وهو ابن أخت موسى من سبط يوسف.

(١) عزاه السيوطي: ٥/ ٤٠٩ إلى البخاري ومسلم والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي.

صفحة رقم 353

قوله: لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ، أي بحر الملح، وهو بحر فارس وبحر الروم والبحر العذب وقد قيل: معناه آتي الموضع الذي يجتمع فيه بين العالمين يعني: موسى والخضر، وهما بحران في العلم. والتفسير الأول أصح، لأنه ذكر بعد هذا حديث البحر. أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً، أي زمانا ودهرا. وقال الكلبي: الحقب الواحد ثمانون سنة. فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما، أي موسى ويوشع بن نون مجمع البحرين، جلسا على شاطئ البحر فأصابا من طعامهما ونام موسى، وجعل يوشع يتوضأ من عين على شاطئ البحر، فانتضح من ذلك الماء على الحوت، الملح فحيي فعاش الحوت، وكانت تلك العين عين الحياة لا تصيب شيئا إلا عاش، فوثب الحوت في الماء، فجعل الحوت يضرب بذنبه في الماء، فلا يضرب في ذنبه في الماء إلا يبس. فأراد يوشع أن يخبر موسى بذلك، فلما استيقظ موسى نسي يوشع أن يخبر موسى، فذلك قوله: نَسِيا حُوتَهُما يعني: أن يوشع نسي أن يخبر موسى عن خبر الحوت.
فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً قال الفراء: أي أخذ طريقه يبسا، وقال القتبي: اتخذ طريقه في البحر مذهبا ومسلكا، فذهبا عن ذلك الموضع في غدوتهما، حتى أصابهما التعب ولم ينصب موسى في سفره حتى كان يومئذ، فنصب فقال لفتاه يوشع.
قوله: فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ يوشع: آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً، أي مشقة وتعبا. قالَ يوشع لموسى: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ، أي حين نزلنا عند الصخرة، فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ يقول: نسيت أن أذكر لك أمر الحوت. وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ لك وأمره. وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ، أي طريقه عَجَباً، قال بعضهم:
عَجَباً هو من كلام موسى، وقال بعضهم: من كلام يوشع قال: عَجَباً وذلك أن يوشع لما أخبره، فقال موسى عجبا فكأنه قال: أعجب عجبا. وقال بعضهم: هو كلام يوشع قال اتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً أي يبسا وذلك حين يبس له الماء وأثره في الماء.
ف قالَ موسى: ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ، أي نطلب من حاجتنا. فَارْتَدَّا، أي رجعا عَلى آثارِهِما قَصَصاً، يقتصان أثر طريقهما الذي جاء فيه. وإنما سمي قاصا، لأنه يقص أثر الأمم، ومعناه: أنهما رجعا في الطريق الذي سلكاه، فلما انتهيا إلى الصخرة حيث قام الحوت، أراه يوشع مكان الحوت وأثره في الماء، فعجب موسى من أثره، فأبصر رجلا عند الصخرة قائما يصلي وعليه مدرعة صوف وكساء صوف. فلما فرغ من صلاته، قال موسى: السلام عليك.
فقال: وعليك السلام يا نبي بني إسرائيل. قال: ومن أخبرك أني نبي بني إسرائيل؟ قال: أخبرني الذي أخبرك بمكاني، فذلك قوله: فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا، أي أعطيناه النبوة، وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً أي علم بعض الكوائن. روي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قصة الخضر، في بعض الأخبار فقال: «كان ابن ملك من الملوك، فأراد أبوه أن يستخلفه من بعده، فلم يقبل وهرب منه ولحق بجزائر البحر، فطلبه أبوه فلم يقدر عليه».

صفحة رقم 354
بحر العلوم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية