
عصيان الله والكفر به
ما أَشْهَدْتُهُمْ الضمير للشياطين على وجه التحقير لهم أو للكفار أو لجميع الخلق، فيكون فيه ردّ على المنجمين وأهل الطبائع وسائر الطوائف المتخرصة وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً أي معينا ومعنى المضلين: الذين يضلون العباد وذلك يقوّي أن المراد الشياطين وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ يقول هذا للكفار على وجه التوبيخ لهم، وأضاف تعالى الشركاء إلى نفسه على زعمهم، وقد بين هذا بقوله: الذين زعمتم مَوْبِقاً أي مهلكا، وهو اسم موضع أو مصدر من: وبق الرجل إذا هلك، وقد قيل: إنه واد من أودية جهنم، والضمير في بينهم للمشركين وشركائهم فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها الظن هنا بمعنى اليقين مَصْرِفاً أي معدلا ينصرفون إليه جَدَلًا أي مخاصمة ومدافعة بالقول ويقتضي سياق الكلام ذم الجدل، وسببها فيما قيل مجادلة النضر بن الحارث، على أن الإنسان هنا يراد به الجنس.
وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا الآية: معناها أن المانع للناس من الإيمان والاستغفار هو القضاء عليهم بأن يأتيهم سنة الأمم المتقدمة، وهي الإهلاك في الدنيا، أو يأتيهم العذاب يعني عذاب الآخرة، ومعنى قبلا معاينة وقرئ بضمتين «١» وهو جمع قبيل: أي أنواعا من العذاب لِيُدْحِضُوا أي ليبطلوا وَما أُنْذِرُوا هُزُواً يعني العذاب وما موصلة، والضمير محذوف تقديره: أنذروه أو مصدرية إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً هذه عقوبة على الإعراض المحكي عنهم، أو تعليل لهم والأكنة جمع كنان وهو الغطاء، والوقر الصمم وهما على وجه الاستعارة، في قلة فهمهم للقرآن وعدم استجابتهم للإيمان فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً يريد به من قضى الله أنه لا يؤمن
لَوْ يُؤاخِذُهُمْ الضمير لكفار قريش أو لسائر الناس لقوله: وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ [النحل: ٦١] والجملة خبر المبتدأ والغفور ذو الرحمة صفتان اعترضتا بين المبتدأ والخبر توطئة لما ذكر بعد من ترك المؤاخذة، ويحتمل أن يكون الغفور هو الخبر، ويؤاخذهم بيان لمغفرته ورحمته، والأول أظهر بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ قيل:

هو الموت وقيل: عذاب الآخرة وقيل: يوم بدر مَوْئِلًا أي ملجأ يقال: وئل الرجل إذا لجأ.
وَتِلْكَ الْقُرى يعني: عادا وثمود وغيرهم من المتقدمين، والمراد هنا: أهل القرى ولذلك قال: أهلكناهم وفي ضمن هذا الإخبار تهديد لكفار قريش وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً أي وقتا معلوما، والمهلك هنا بضم الميم وفتح اللام اسم مصدر من أهلك، فالمصدر على هذا على مضاف للمفعول لأن الفعل متعدي، وقرئ «١» بفتح الميم من هلك، فالمصدر على هذا مضاف للفاعل.
وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ هذا ابتداء قصة موسى مع الخضر، وهو موسى بن عمران نبي الله، وفتاه هو يوشع بن نون وهو ابن أخت موسى وهو من ذرية يوسف عليه السلام، والفتى هنا بمعنى الخديم وسبب القصة فيما روي عن النبي صلّى الله تعالى عليه وعلى اله وسلّم في الحديث الصحيح: أن موسى عليه السلام خطب يوما في بني إسرائيل فقيل له:
هل تعلم أحدا أعلم منك؟ فقال لا: فأوحى الله إليه أن بل عبدنا الخضر أعلم منك فقال: يا رب دلني على السبيل إلى لقائه فأوحى الله إليه أن يحمل حوتا في مكتل [زنبيل] ويسير بطول سيف [شاطئ] البحر حتى يبلغ مجمع البحرين، فإذا فقد الحوت فإن الخضر هناك، ففعل موسى ذلك حتى لقيه لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ قال موسى هذا الكلام وهو سائر أي: لا أبرح أسير حتى أبلغ مجمع البحرين، فحذف؟؟؟ خبر لا أبرح اختصارا لدلالة المعنى عليه، ومعنى لا أبرح هنا لا أزال، لأن حقيقة لا أبرح تقتضي الإقامة في الموضع، وكان موسى حين قالها على سفر لا يريد إقامة، ومجمع البحرين: عند طنجة حيث يجتمع البحر المحيط والبحر الخارج منه، وهو بحر الأندلس وقيل: هو مجمع بحر فارس وبحر الروم في المشرق أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً أي زمانا طويلا، والحقب بضم القاف وإسكانها ثمانون سنة، وقيل زمان غير محدود وقيل: هي جمع حقبة وهي السنة فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما الضمير في بلغا لموسى وفتاه والضمير في بينهما للبحرين نَسِيا حُوتَهُما نسب النسيان إليهما، وإنما كان النسيان من الفتى وحده كما تقول فعل بنو فلان كذا: إذا فعله واحد منهم وقيل: نسى الفتى أن يقدمه ونسي موسى أن يأمره فيه بشيء فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً فاعل اتخذ الحوت، والمعنى أنه سار في البحر فقيل: إن الحوت كان ميتا مملوحا ثم صار حيا بإذن الله، ووقع في الماء فسار فيه.
بضم الميم وفتح اللام.