
قال: «من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف، عصم من فتنة الدجال».
وفي لفظ النسائي: «من قرأ عشر آيات من الكهف..» الحديث.
ومنها:
ما أخرجه النسائي في سننه عن ثوبان، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه قال: «من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف، فإنه عصمة له من الدجال».
دلت هذه الأحاديث على أن قراءة الآيات العشر الأوائل أو الأواخر أو أي عشر آيات عصمة من فتنة الدجال.
والسنة أن يقرأ الشخص الكهف يوم الجمعة وليلتها،
لما رواه الحاكم وقال:
صحيح الإسناد عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: «من قرأ الكهف في يوم الجمعة، أضاء له من النور ما بين الجمعتين»
وروى الدارمي والبيهقي: «من قرأها ليلة الجمعة، أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق».
كيفية الحمد والثناء على الله تعالى ومهام القرآن العظيم
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ١ الى ٨]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (١) قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (٢) ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (٣) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً (٤)ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً (٥) فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (٦) إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (٧) وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً (٨) صفحة رقم 200

الإعراب:
وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً الواو للعطف على أَنْزَلَ. والأولى جعل الواو للحال من الكتاب، على تقدير: أنزل الكتاب على عبده غير مجعول له عوج قَيِّماً. وهو أولى من جعله معطوفا على أَنْزَلَ لما فيه من الفصل بين بعض الصلة وبعض، فلو كان للعطف، كان المعطوف فاصلا بين أبعاض المعطوف عليه، ولذلك قيل في الآية تقديم وتأخير، والتقدير: أنزل الكتاب قيما، ولم يجعل له عوجا.
قَيِّماً قال في الكشاف: الأحسن أن ينتصب بمضمر، ولا يجعل حالا من الْكِتابَ، منعا من الفصل بين الحال وصاحبه. وقيل: حال من الْكِتابَ.
لِيُنْذِرَ بَأْساً اللام متعلقة بأنزل، وبَأْساً: مفعول ثان لينذر، والمفعول الأول محذوف، تقديره: لينذركم بأسا شديدا من لدنه.
مِنْ لَدُنْهُ قرئ بضم الدال على الأصل، وبإسكانها على وزن عضد وحذف الضمة فيقال:
عضد ولدن، وبإشمامها بالضم للتنبيه على أن أصلها هو الضم.
ماكِثِينَ فِيهِ حال من الهاء والميم في لَهُمْ.
كَبُرَتْ كَلِمَةً تمييز منصوب، أي: كبرت الكلمة كلمة. وتَخْرُجُ جملة فعلية صفة كَلِمَةً.
إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً أي ما يقولون إلا كذبا. وكذبا منصوب بيقولون، مثل: قلت شعرا أو خطبة.
أَسَفاً منصوب على المصدر، في موضع الحال، أو مفعول لأجله.
زِينَةً لَها مفعول ثان لجعلنا بمعنى صيّرنا. وإن جعل بمعنى خلقنا فهم مفعول به له.
البلاغة:
يُبَشِّرَ وَيُنْذِرَ بينهما طباق.
لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً فيه إطناب بذكر الخاص بعد العام. وفي كل منهما حذف بديع، فحذف من الجملة الأولى المفعول الأول أي لينذر الكافرين بأسا، وحذف من الجملة الثانية المفعول الثاني، وهو عذابا، فحذف لدلالة الأول عليه، وحذف من الأول المنذرين لدلالة الثاني عليه.

باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ استعارة تمثيلية، شبه حاله صلّى الله عليه وآله وسلّم مع المشركين بحال من فارقته الأحباب، فهمّ بإهلاك نفسه حزنا عليهم.
فَلَعَلَّكَ باخِعٌ استفهام إنكاري بمعنى النهي، أي لا تبخع نفسك لإعراضهم عن الإيمان أسفا.
المفردات اللغوية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الحمد: الوصف بالجميل ثابت لله تعالى، وهو تعليم للعباد كيف يثنون على الله ويحمدونه على أجزل نعمائه عليهم وهي نعمة الإسلام، وما أنزل على عبده محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم من الكتاب الذي هو سبب نجاتهم وفوزهم الْكِتابَ القرآن وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً ولم يجعل له شيئا من العوج قط، والعوج في المعاني كالعوج في الأعيان، والمراد نفي الاختلاف والتناقض عن معانيه وألفاظه.
قَيِّماً مستقيما معتدلا، لا إفراط فيه ولا تفريط، فلا إفراط فيما اشتمل عليه من التكاليف منعا للمشقة والحرج، ولا تفريط فيه بإهمال ما يحتاج إليه. وفائدة الجمع بين نفي العوج وإثبات الاستقامة هو التأكيد، فرب مستقيم لا يخلو من أدنى عوج عند التأمل. وقيل: قيما على سائر الكتب، مصدقا لها، شاهدا بصحتها، وقيل: قيما بمصالح العباد، وما لا بد لهم منه من الشرائع، فيكون وصفا له بالتكميل بعد وصفه بالكمال.
لِيُنْذِرَ ليخوف بالكتاب الكافرين وهو متعلق بأنزل بَأْساً عذابا في الآخرة مِنْ لَدُنْهُ من قبله أو من عنده. حذف المفعول الأول لفعل لِيُنْذِرَ- وهذا من بديع الحذف وجليل الفصاحة- لأن المنذر به هو الغرض المسوق إليه، فاقتصر عليه، ودل عليه ذكر المنذرين في قوله: وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً من غير ذكر المنذر به لتقدم ذكره، كما ذكر المبشر به في قوله: وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً والأجر الحسن:
الجنة.
ما لَهُمْ بِهِ بهذا القول أو باتخاذ الولد وَلا لِآبائِهِمْ من قبلهم، والمعنى: أنهم يقولونه عن جهل مفرط وتوهم كاذب، أو تقليد لما سمعوه من أوائلهم كَبُرَتْ كَلِمَةً عظمت، والمخصوص بالذم محذوف أي مقالتهم المذكورة إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً ما يقولون في ذلك إلا مقولا كذبا.
باخِعٌ مهلك نفسك أو قاتلها عَلى آثارِهِمْ أي من بعدهم، أي من بعد توليهم عن الإيمان الْحَدِيثِ القرآن أَسَفاً غيظا وحزنا منك، لحرصك على إيمانهم. والأسف: المبالغة في الحزن والغضب ما عَلَى الْأَرْضِ من الحيوان والنبات والشجر والأنهار وغير ذلك لِنَبْلُوَهُمْ لنختبر الناس، ناظرين إلى نتيجة الاختبار أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا في تعاطيه، وهو من زهد فيه، ولم يغتر به، وصرفه على ما ينبغي من الإتقان صَعِيداً ترابا جُرُزاً يابسا لا نبات فيه.

التفسير والبيان:
الْحَمْدُ لِلَّهِ... يحمد الله تعالى نفسه على إنزاله كتابه العزيز على رسوله الكريم صلوات الله وسلامه عليه إذ أخرج الناس من الظلمات إلى النور، حيث جعله كتابا مستقيما لا اعوجاج فيه ولا زيغ، بل يهدي إلى صراط مستقيم، فمعنى قوله: وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً أي لم يجعل فيه اعوجاجا ولا زيغا ولا ميلا بل جعله معتدلا مستقيما.
والحمد معناه: الشكر والثناء بالجميل على الفعل الجميل الصادر بالاختيار من الله تعالى. والله تعالى محمود على كل حال، ويحمد نفسه أحيانا عند فواتح السور وخواتمها، لتعليم العباد كيف يحمدونه على نعمه الجليلة التي أنعم بها عليهم، ومن أهمها نعمة الإسلام وما أنزل على عبده محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم من الكتاب الذي هو سبب نجاتهم وفوزهم.
قَيِّماً، لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ.. أي مستقيما، وأتى بهذه الصفة بعد نفي الاعوجاج للتأكيد، فربّ مستقيم مشهود له بالاستقامة لا يخلو من أدنى عوج عند الفحص والاختبار. وقيل: معناه: قيما على سائر الكتب، مصدقا لها، شاهدا بصحتها. وقيل: قيما بمصالح العباد، وما لا بد لهم منه من الشرائع.
لِيُنْذِرَ أي ليخوف الذين كفروا بالكتاب عذابا شديدا، وعقوبة عاجلة في الدنيا وهو النكال، وآجلة في الآخرة وهو نار جهنم. وقوله: مِنْ لَدُنْهُ أي صادرا من عند الله تعالى.
وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ بهذا القرآن، الذين دعموا إيمانهم بالعمل الصالح، أن لهم مثوبة جميلة عند الله، وهي الجنة دار المتقين الأبرار، ودار الخلود أبدا للمحسنين الأخيار، فالأجر الحسن: الجنة.

ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً أي مستقرين في ثوابهم عند الله وهو الجنة إلى الأبد، وخالدين فيه دائما، لا زوال له ولا انقضاء.
يُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا... أي ويحذر الكفار الذين زعموا أن لله ولدا، وهم مشركو العرب الذين قالوا: نحن نعبد الملائكة بنات الله، واليهود الذين اتخذوا عزيرا ابن الله، والنصارى الذين قالوا: المسيح ابن الله.
وإنما خصّ ذكر هؤلاء مع دخولهم في الإنذار العام المتقدم للكافرين، للدلالة على أن أقبح أنواع الكفر والمعصية إثبات الولد لله تعالى.
ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ أي ما لهم ولا لآبائهم أي أسلافهم علم ثابت بهذا القول الذي افتروه وهو اتخاذ الولد لله أو الوالد، وإنما هو صادر عن جهل مفرط وتقليد للآباء، ومن تسويل الشيطان. وانتفاء العلم بالشيء: إما للجهل بالطريق الموصل إليه، وإما لأنه في نفسه محال لا يصلح محلا للعلم به.
كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ أي عظمت تلك الكلمة التي ينطقون بها، ويخرجونها من أفواههم متجرئين على النطق بها، وهي كلمة الكفر، فليس لها مستند سوى قولهم، ولا دليل لهم عليها إلا كذبهم وافتراؤهم، ولهذا قال:
إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً أي ما يقولون إلا قولا مجرد كذب وزور، ولا حقيقة له أصلا.
ثم سرّى الله تعالى عن رسوله عليه الصلاة والسلام وواساه في حزنه على المشركين لتركهم الإيمان وبعدهم عنه بقوله:
فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ.. أي فلعلك قاتل نفسك ومهلكها لأن لم يؤمنوا بهذا القرآن، أسفا وحسرة عليهم، ولعل هنا للاستفهام الإنكاري المتضمن معنى النهي، أي لا تهلك نفسك أسفا لعدم إيمانهم، ولا تقتلها غضبا

وجزعا وحزنا عليهم، بل أبلغهم رسالة الله، فمن اهتدى فلنفسه، ومن ضلّ فإنما يضل عليها. والآثار جمع أثر أي على أثر توليهم وإعراضهم عنك.
وللآية نظائر كثيرة منها: فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ [فاطر ٣٥/ ٨] ومنها: لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [الشعراء ٢٦/ ٣] ومنها: وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ [النحل ١٦/ ١٢٧].
ثم أخبر تعالى أنه جعل الدنيا دارا فانية زائلة، وأنها دار اختبار لا دار قرار، فقال:
إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها... أي إنا جعلنا ما على الأرض من زخارف الدنيا من إنسان وحيوان ونبات ومعادن ومنازل ومباهج ومفاتن زينة زائلة لها ولأهلها، لنعاملهم معاملة المختبرين، ليعرف المحسن عمله من الفاسد، فنجازي المحسن بالثواب، والمسيء بالعقاب. وحسن العمل: الزهد في الدنيا، وترك الاغترار بها، وجعلها وسيلة وجسرا للآخرة.
أخرج مسلم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه قال: «إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون».
ثم ذكر الله تعالى سبب التوجيه بالإعراض عن الكفار، فقال:
وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً أي وإنا لنصير الأرض وما عليها بعد الزينة إلى الخراب والدمار، فقوله: صَعِيداً جُرُزاً يعني كالأرض البيضاء التي لا نبات فيها ولا ينتفع بها، بعد أن كانت خضراء معشبة. وذلك مثل قوله تعالى: فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً [طه ٢٠/ ١٠٧]. والصعيد: الأرض التي ليس فيها شجر ولا نبات. والجرز في اللغة: اليابسة التي لا تنبت، أو الأرض التي لا نبات فيها.

والمقصود من الآية تسلية الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم والقول له: لا تحزن فإنا سنهلكهم ونبيدهم.
فقه الحياة أو الأحكام:
أوضحت الآيات أن أعظم نعمة من الله على عباده إنزال القرآن الكريم، الدواء الناجع لمشكلات البشرية، والمنقذ من الظلمات إلى النور، والحق العدل المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا التواء.
ومهمته أيضا إنذار الكافرين وتخويفهم بالعذاب الشديد في نار جهنم والنكال في الدنيا، وخصوصا المشركين الذين اتخذوا لله ولدا وهم كفار العرب الذين قالوا: الملائكة بنات الله، واليهود الذين قالوا: عزير ابن الله، والنصارى الذين قالوا: المسيح ابن الله. ولا دليل لهم ولا لأسلافهم على ما يقولون، وتلك كلمة كبيرة الإثم، شديدة الشناعة، عظيمة الجرم.
وللقرآن مهمة أخرى هي تبشير المؤمنين الذين يعملون الصالحات من التصديق بما جاء به النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، والتزام الأوامر واجتناب النواهي بالأجر الحسن وهو الجنة التي يخلد فيها أهلها، فهي دار الخلد التي لا يموتون فيها.
ولا يغترن أحد بالدنيا وما فيها من زينة وزخارف ومباهج، فتلك للاختبار والامتحان، ليعرف الصالحون الأبرار من المفسدين الفجار، ثم مآلها إلى الفناء والزوال والدمار والخراب، والرجوع إلى الملك الإله الدّيّان، ليجزي كل إنسان بعمله.
وإذا كان هذا هو المصير المحتوم، فلا تأس ولا تحزن أيها الرسول على ما ترى وتسمع في الدنيا، ولا حاجة لإتعاب نفسك وإهلاكها وقتلها بسبب توليهم وإعراضهم عنك، وعدم إيمانهم بالقرآن، وأسفا أي حزنا وغضبا على كفرهم.