
٧- إذا عاين المشركون النار ظنوا أي تيقنوا أنهم مجتمعون فيها وواقعون فيها، ولا يجدون عنها مصرفا، أي مهربا لإحاطتها بهم من كل جانب.
ورجح الرازي في تفسير الظن: أن هؤلاء الكفار يرون النار من مكان بعيد، فيظنون أنهم مواقعوها في تلك الساعة من غير تأخير ومهلة لشدة ما يسمعون من تغيظها وزفيرها، كما قال تعالى: إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً [الفرقان ٢٥/ ١٢]
بيان القرآن ومهمة الرسل وظلم المعرض عن الإيمان وسبب تأخير العذاب لموعد معين
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٥٤ الى ٥٩]
وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً (٥٤) وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً (٥٥) وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً (٥٦) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (٥٧) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً (٥٨)
وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً (٥٩)

الإعراب:
جَدَلًا تمييز منقول من اسم كانَ، والمعنى: وكان جدل الإنسان أكثر شيء فيه.
قُبُلًا جمع قبيل، حال، أي ويأتيهم العذاب قبيلا قبيلا. وقيل: معناه مقابلة، وهو معنى قراءة قُبُلًا- بكسر القاف.
وَما أُنْذِرُوا ما: مصدرية بمعنى إنذارهم في موضع نصب عطفا على آياتِي، أي: واتخذوا آياتي وإنذاري إياهم هزوا. وهُزُواً: مفعول ثان لاتخذوا. ويجوز أن تكون ما موصولة وعائد الصلة محذوف.
وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ تِلْكَ: مبتدأ، والْقُرى: صفة لتلك، وأَهْلَكْناهُمْ: خبر المبتدأ. لِمَهْلِكِهِمْ وقرئ: مهلك، ومهلك، ومهلك، الأول مصدر أهلك مثل مكرم، والثاني مصدر هلك مثل مضرب، والثالث اسم زمان، أي لوقت مهلكهم.
البلاغة:
مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ بينهما طباق.
المفردات اللغوية:
صَرَّفْنا بينا مع الترداد والتكرار. مِنْ كُلِّ مَثَلٍ صفة لمحذوف، أي مثلا من جنس كل مثل، ليتعظوا، والمثل: الصفة الغريبة. الْإِنْسانُ جنس الإنسان، وخاصة الكافر وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا خصومة بالباطل، وشيء هنا مفرد معناه الجمع، أي أكثر الأشياء التي يتأتى منها الجدال. وَما مَنَعَ النَّاسَ أي كفار مكة ونحوهم. أَنْ يُؤْمِنُوا مفعول ثان لمنع. إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى القرآن. سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ فاعل تأتيهم، أي سنتنا فيهم، وهي الإهلاك المقدر عليهم، وهو عذاب الاستئصال، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. قُبُلًا جمع قبيل، أي أنواعا وألوانا، وقرئ قبلا أي مقابلة وعيانا، كالقتل يوم بدر.
إِلَّا مُبَشِّرِينَ للمؤمنين. وَمُنْذِرِينَ مخوفين للكافرين. وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ بقولهم: أبعث الله بشرا رسولا ونحوه من اقتراح الآيات. لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ليبطلوه ويزيلوه، مأخوذ من إدحاض القدم أي إزلاقها وإزالتها عن مكانها، ويقال: دحضت حجته: بطلت وَاتَّخَذُوا آياتِي يعني القرآن. وَما أُنْذِرُوا أي وإنذارهم أو والذي أنذروا به من العقاب. هُزُواً استهزاء وسخرية، وأصله: هزؤا.
فَأَعْرَضَ عَنْها فلم يتدبرها ولم يتذكر بها. وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ ما عمل من الكفر

والمعاصي ولم يتفكر في عاقبتها. أَكِنَّةً أغطية، جمع كنان، وهو تعليل لإعراضهم ونسيانهم بأنهم مطبوع على قلوبهم. أَنْ يَفْقَهُوهُ أن يفهموه، أي كراهة أن يفقهوه، أو من أن يفهموا القرآن، أي فلا يفهمونه. وتذكير الضمير وإفراده مراعاة للمعنى. وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً أي ثقلا في السمع، يمنعهم أن يستمعوه حق استماعه، أو فلا يسمعونه. فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً أي بالجعل المذكور صار ميئوسا من اهتدائهم لأنهم لا يفقهون ولا يسمعون، ولشدة تصميمهم، وإِذاً:
جزاء وجواب للرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، فدل على انتفاء اهتدائهم لدعوة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، بمعنى أنهم جعلوا ما يجب أن يكون سبب وجود الاهتداء سببا في انتفائه، وأَبَداً مدة التكليف كلها.
لَوْ يُؤاخِذُهُمْ في الدنيا. لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ فيها. مَوْعِدٌ هو يوم القيامة.
مَوْئِلًا ملجأ ومنجى. وَتِلْكَ الْقُرى أي أهلها وهي قرى عاد وثمود وقوم لوط ونحوهم.
لَمَّا ظَلَمُوا كفروا كقريش بالتكذيب والمراء وأنواع المعاصي. لِمَهْلِكِهِمْ هلاكهم، ومن قرأ بضم الميم وفتح اللام فمعناه لإهلاكهم. مَوْعِداً وقتا معلوما، لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون، فليعتبروا بهم، ولا يغتروا بتأخير العذاب عنهم.
المناسبة:
بعد أن ذكر الله تعالى الجواب على شبهات الكفار المبطلين الذين افتخروا على فقراء المسلمين بكثرة أموالهم وأتباعهم، أردف ذلك ببيان كثرة الأمثال في القرآن لمن تدبر فيها، ومع تلك الأمثلة الواقعية والإجابات الشافية، هؤلاء الكفار لا يتركون المجادلة الباطلة لأن الإنسان أكثر الأشياء التي يتأتى منها الجدال، ثم هددهم تعالى على عدم الإيمان متسائلا: هل هناك مانع يمنعهم من الإيمان إلا نزول عذاب الاستئصال، أو مجيئه عيانا؟ وأبان أن مهمة الرسل هي الجدال في الدين من طريق تبشير المؤمنين بالجنان وإنذار العصاة بالنار، وأوضح أن أشد الناس ظلما هو المعرض عن هداية القرآن، ولله الفضل العظيم في تأخير العقاب عن الناس، وتخصيصه بموعد، لا يتجاوزه، لعلهم يثوبون إلى رشدهم.
التفسير والبيان:
وَلَقَدْ صَرَّفْنا.. أي ولقد بينا للناس في هذا القرآن، ووضحنا لهم كل

ما يحتاجون إليه من أمور دينهم ودنياهم، كي يعرفوا طريق الحق والهدى، ولا يضلوا عنه. وتصريف الأمثال يقتضي التكرار لمختلف وجوه البيان.
وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا أي ومع هذا البيان الشافي والتوضيح الكافي، فإن الإنسان كثير المجادلة والمخاصمة والمعارضة للحق بالباطل، إلا من هدى الله وبصره لطريق النجاة.
وهذا دليل على كثرة الجدال في الإنسان وحبه له، لسعة حيلته، وقوة ذكائه، واختلاف نزعاته وأهوائه.
وبالرغم من بيان القرآن، وكثرة ما يشاهده الكفار من الآيات والدلالات الواضحات، فإنهم قوم متمردون منذ القديم، فقال تعالى: وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا.. أي وما منع المشركين من أهل مكة من الإيمان بالله، حين شاهدوا البينات والأدلة الواضحة على وجود الله وتوحيده، واستغفار ربهم والتوبة إليه من ذنوبهم إلا طلبهم أحد أمرين:
إما أن تأتيهم سنة الأولين القدماء من إحاطة العذاب بهم وإبادتهم وهو عذاب الاستئصال، كما قال جماعة لنبيهم: ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ، إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [العنكبوت ٢٩/ ٢٩] وقالت قريش: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ، فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ، أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [الأنفال ٨/ ٣٢].
وإما أن يروا العذاب عيانا مواجهة ومقابلة.
والمعنى أنهم لا يقدمون على الإيمان إلا عند نزول عذاب الاستئصال فيهلكوا، أو أن يتواصل أنواع العذاب والبلاء حال بقائهم في الحياة الدنيا «١».

وقال في الكشاف: وما منع الناس الإيمان والاستغفار إلا انتظار أن تأتيهم سنة الأولين وهي الإهلاك، أو انتظار أن يأتيهم عذاب الآخرة قبلا أي عيانا «١».
ومجيء العذاب بيد الله لا من قبل الرسول، لذا قال تعالى:
وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ أي إن مهمة الرسل إما تبشير من آمن بهم بالثواب على الطاعة، وإما إنذار من كذبهم وخالفهم بالعقاب على المعصية لكي يؤمنوا طوعا.
ومع هذه الأحوال يوجد الجدال بالباطل من الكفار لدحض الحق، فقال تعالى مخبرا عنهم:
وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ أي ويجادل الكفار جدالا بالباطل لا بالحق، ليضعفوا بجدالهم الحق، الذي جاءتهم به الرسل، وليس ذلك بحاصل لهم، فهم يقترحون الآيات بعد ظهور المعجزات، ويقولون للرسل: ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ، وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً [المؤمنون ٢٣/ ٢٤].
وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً أي اتخذوا آيات الله وهي القرآن والحجج والبراهين وخوارق العادات التي بعث بها الرسل، وما أنذروهم وخوفوهم به من العذاب هزوا أي استهزاء وسخرية، وهو أشد التكذيب، وكل ذلك يدل على استيلاء الجهل والقسوة.
وبعد أن حكى الله تعالى عن الكفار جدالهم بالباطل، وصفهم بعده بالصفات الموجبة للخزي والخذلان، فقال:

الصفة الأولى:
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ، فَأَعْرَضَ عَنْها، وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ أي لا أحد أظلم ممن أعرض عن آيات الله، ونسي ما قدم من الكفر والمعصية، أو لا ظلم أعظم من كفر من يشاهد الآيات والبينات الدالة على الحق والإيمان، ثم يعرض عنها، ومع إعراضه عن التأمل في الدلائل والبينات يتناسى ما قدمت يده من الأعمال المنكرة والمذاهب الباطلة، وعلى رأسها الكفر بالله، والمراد من النسيان التشاغل والتغافل عن كفره المتقدم.
الصفة الثانية:
إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ، وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً أي وعلة إعراضهم ونسيانهم بسبب جعل أغطية وغشاوة على قلوب هؤلاء، لئلا يفهموا هذا القرآن والبيان، وجعل صمم معنوي في آذانهم عن الرشاد وسماع الحق وتدبره.
وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً أي وإن دعوت يا محمد هؤلاء إلى دعوة الحق والهداية والاستقامة، فلن تجد منهم استجابة، ولن يهتدوا بهديك هدي القرآن أبدا مهما قدمت من الدلائل وتأملت الخير منهم.
وذلك كله لفقدهم الاستعداد لقبول الإيمان والرشاد، بما أصروا عليه من الكفر والعصيان، كما جاء في آيات أخرى مثل قوله تعالى: كَلَّا، بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين ٨٣/ ١٤] وقوله: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ، وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ، وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ [البقرة ٢/ ٧]. وهذه الآيات هي في قوم علم الله أنهم سيموتون على الكفر من مشركي مكة.
ثم ذكر الله تعالى ما يتصف به من رحمة وحلم وإرجاء للعقاب عن العصاة، وأنه لا يعجل لهم العذاب، تاركا الفرصة لهم ليتوبوا، فقال:
وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ أي

وربك يا محمد غفور ستّار، ذو رحمة واسعة، لو يؤاخذ الناس فورا بما كسبوا من السيئات واقترفوا من الخطيئات، لعجل لهم العذاب في الدنيا، على وفق أعمالهم. والغفور: البليغ المغفرة، فهي صيغة مبالغة، وذو الرحمة: الموصوف بالرحمة.
ونظير الآية قوله: وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا، ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ [فاطر ٣٥/ ٤٥] وقوله: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ، وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ [الرعد ١٣/ ٦].
ثم استشهد تعالى بترك مؤاخذة أهل مكة عاجلا من غير إمهال، مع إفراطهم في عداوة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال:
بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا أي إن الله أراد غير ذلك من تعجيل العذاب، وجعل للعذاب موعدا حدده وهو إما يوم القيامة، وإما في الدنيا وهو يوم بدر وسائر أيام الفتح، لن يجدوا عنه ملجأ ومنجى، وليس له محيد ولا معدل عنه، والخلاصة: أن تأخير العقاب أو العذاب إمهال لا إهمال.
وشاهد آخر: وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا... أي وتلك القرى، أي أهلها من الأمم الغابرة، كعاد وثمود ومدين وقوم لوط، أهلكناهم لما ظلموا بسبب كفرهم وعنادهم، وجعلنا لهلاكهم موعدا لا محيد عنه، ومدة معلومة لا تزيد ولا تنقص، أي وكذلك أنتم أيها المشركون احذروا أن يصيبكم ما أصابهم، فقد كذبتم رسولكم، ولستم بأعز علينا منهم. والمهلك: الإهلاك أو وقته، والموعد: وقت أو مصدر. والمراد: إنا عجلنا هلاكهم، ومع ذلك حددنا له وقتا، رجاء أن يتوبوا.

فقه الحياة أو الأحكام:
أوضحت الآيات المبادئ التالية:
١- بيان القرآن من دلائل الربوبية والوحدانية ومن العبر والقرون الخالية بيان ضاف واف محقق لغاية الاهتداء به على أكمل وجه.
٢- الإنسان وبخاصة الكافر كثير الجدال والمجادلة لطمس معالم الحق، والإبقاء على ما ارتضاه لنفسه من اتباع الأهواء، وتقليد الأسلاف والآباء، واحتضان الكفر، والاحتفاظ بالزعامة الدنيوية والمكاسب المادية.
٣- الإنسان قاصر النظر غالبا، فما منع الناس بعد مجيء القرآن والإسلام ومحمد عليه الصلاة والسلام عن الإيمان واستغفار ربهم والإنابة إليه إلا معاينة أحد الأمرين: الإتيان بما هو عادة الأولين في عذاب الاستئصال، ومعاينة العذاب، كما طلب المشركون فعلا، وقالوا: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ، فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ، أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [الأنفال ٨/ ٣٢]. أو مجيء العذاب عيانا مواجهة.
٤- إن مجيء العذاب بيد الله وحده على وفق ما يرى من الحكمة والعدل، وأما الأنبياء المرسلون فمهمتهم التبشير بالجنة لمن آمن، والتخويف بالعذاب لمن كفر، ومع كل هذه الدلائل الهادية إلى الرشاد يجادل الكفار بالباطل لدحض الحق وهو الإيمان بالله وبقرآنه، والإبقاء على مهازل الكفر وأباطيله، واتخاذ القرآن وما أنذروا به من الوعيد هزوا أي لعبا وباطلا.
٥- لا أحد أظلم ممن وعظ بآيات ربه، فتهاون بها وأعرض عن قبولها، وترك كفره ومعاصيه، فلم يتب منها، فالنسيان بمعنى الترك.
٦- علم الله من قوم معينين من أهل مكة ونحوهم أنهم لم يؤمنوا، فأخبر